تنسيق وهمي

   المحامي فيصل بدر* 

كنت أتوقع خبرا يسرني وهو ان يتراجع حزب يكيتي الكردي عن التوقيع على الوثيقة التأسيسية لهيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الوطني الديمقراطي في سوريا  و مرد توقعي- الذي مازلت امله –  يعود  إلى سبب رئيسي و هو أن ما ورد في الوثيقة التأسيسية للهيئة المذكورة لا يراعي أبدا الحد الأدنى المطلوب الذي يحفظ حقوق شعبنا الكردي في كردستان سوريا و مع ما يبتغيه حزب مثل يكيتي سبق أن رفض التوقيع على وثائق لأطر سابقة لم تراعي الاعتراف بوجود الشعب الكردي بمعنى الجغرافيا و ان القضية الكردية في سوريا هي قضية ارض و شعب و خاصة أن الحزب تبنى الحكم الذاتي في مؤتمره الأخير كحل للقضية الكردية في كردستان سوريا و لما تحويه الوثيقة من قنابل سياسية في المستقبل من حيث أنها لم تعترف بهذا الوجود الجغرافي
 فليس بالضرورة أن يترافق الوجود التاريخي بالوجود الجغرافي خاصة إذا كنا نتعامل مع إطراف كانت و ما  زالت تؤمن بان هذه الأرض هي عربية من المحيط إلى الخليج و أن التوقيع على إن سوريا هي جزء لا يتجزأ من الوطن العربي  يلغى أي وجود جغرافي للشعب الكردي في سوريا و بالتالي أي حكم ذاتي لكردستان سوريا ستتم المطالبة به مستقبلا و قد نسف الأساس الذي تقوم عليه هذه المطالبة و اقصد بذلك الأساس الجغرافي استنادا على ان سوريا جزء لا يتجزأ من الوطن العربي علما إن الوثيقة لم يرد فيها أي ذكر لمصطلح الشعب الكردي بل نصت على الوجود القومي للكرد و هذه فيها أيضا فرق كبير و هي أصلا  متوافقة مع عبارة إن سوريا جزء لا يتجزأ من الوطن العربي

و لكن ما لم يكن متوقعا أبدا هو الكيفية التي برر بها الأستاذ إسماعيل حمه سكرتير الحزب لجهة إن (((مطالبنا تحققت مثل الاعتراف الدستوري بالوجود القومي الكردي ))) – من مقابلة مع موقع ولاتي (welati) – و هنا اترك الحكم للقراء ليقرروا فيما إذا كان هذه العبارة هي كالاعتراف الدستوري بوجود الشعب الكردي فأين هذه من تلك فالروس يا سيدي لهم وجود قومي معترف به في كازاخستان و هذا لا يعني إن هناك جزء من روسيا يقع في كازاخستان و ما زاد استغرابي هو قوله إن سبب القبول بعروبة سوريا جاء لطمأنة الإخوة العرب من مخاوفهم من تقسيم سوريا لا ادري ما علاقة هذه بتلك فمن يريد أن يطمئن أحدا من عدم حدوث شيء يخشاه يتوافق معه على ما يرفع هذه الخشية دون غيرها فلو كان تم الإتفاق مثلا على إن أي حل للقضية الكردية هو ضمن وحدة الدولة السورية  لما كانت هناك مشكلة و من جهة أخرى تعجبت و أيما العجب من قوله إن الأحزاب الكردية قبلت التوقيع على عبارة إن سوريا جزء لا يجزا من الوطن العربي ((( لاعتقادي أن كلمة الوطن العربي مفهوم وهمي و افتراضي موجود فقط في تصور البعض و لا معنى رسمي أو قانوني له.))) – من نفس مقابلته – و هنا أتساءل أيعقل أن تقدم هكذا تبريرات لا تتوافق مع منطق السياسة التي تتطلب الوضوح و الشفافية و إن من يطالب بهذه العبارة ( سوريا جزء لا يجزا …… ) يعرف ما يريد تماما لأني واثق انه لن يقبل حتى أن يوقع على أن سوريا هي وطن نهائي و أخير لجميع السوريين (مثلا) لأنه مؤمن بالوحدة العربية من المحيط إلى الخليج و أي إطار هذا الذي يتوافق على الأوهام و الافتراضيات هذا و كيف نوقع مع هذا البعض الموهوم و الذي يصر أن نقر بأوهامه في وثائق ملزمة  – على الأقل لموقعيها – هذا إذا كان ما أورده الأستاذ إسماعيل يصح أن يسمى تبريرا أقول هذا لأني أرى أن أي توصيف صحيح  للعلاقة بين الشعبين العربي و الكردي في سوريا قائم على ثنائيات متقابلة فالوطن العربي يقابله الوطن الكردستاني و الأمة العربية تقابلها الأمة الكردية و الشعب العربي يقابله الشعب الكردي و الوحدة العربية تقابلها الوحدة الكردستانية هذا إذا كان التناول للقضية من منطق الجغرافيا و التاريخ وعلى قدم المساواة وأي علاقة مستقبلية بين المكونين قائم على كيفية التعامل مع هذه الثنائيات و على قاعدة التوافق الذي يستوجب تنازلات متبادلة و ليس على مبدأ حلال علي و حرام عليك و التوافق الأفضل هو القائم  على مبدأ (اربح / تربح) الذي بات عنوانا للتفاوض السياسي الحديث لا على أساس (  اربح / تخسر)  الذي مضى عليه الزمن و الذي يؤدي على المدى البعيد إلى أن يكون الجميع خاسر .
الحسكة في 1/7/2011

  *  ناشط سياسي كردي

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…