من هولوكوست النازية العالمية إلى هولوكوست الشوفينية العربية

بقلم ميرآل بروردا
karwan35@maktoob.com

مدخل :الهولوكوست يعني المحرقة و هي العملية التي قامت بها النازية العالمية بحق اليهود في أوربا عموماً و ألمانيا خصوصاً وقد تم ذلك لأسباب هي :
أولاً : النظرية العرقية التي اعتمدت عليها و طبقتها النازية العالمية بحق الشعوب التي لا تنتمي إلى العرق الآري و هذه النظرية كبدت العالم بأسره _بما فيها ألمانيا_خسائر فادحة إذا ما اعتمدنا نتائج الحرب العالمية الثانية و الهزيمة التي منيت بها ألمانيا و ما رافق هذه العملية من إبادة جماعية الإنسانية بشكل مباشر أو غير مباشر .
ثانياً: تصفية الحساب مع اليهود الذين قدموا المساعدات في الحرب العالمية الأولى و التي ضمنت خسارة ألمانيا.
ثالثاً: من الواضح أن النازية كانت تستهدف الاستيلاء على أموال و ثروات اليهود والذين كانوا ولا يزالون يتمتعون بزخم حقيقي منه حيث يعتبرون أغنى شعوب العالم وفي هذا الصدد كانت النازية شديدة جدا وما الاعتقالات الواسعة والكبيرة بحق اليهود في أوكرانيا وألمانيا واقتيادهم بالقطارات إلى معتقلات قاسية جدا ًفي ألمانيا أكبر دليل على ذلك حيث كانت هذه المعتقلات عبارة عن ثلاث معسكرات تفتقر لأبسط حقوق الإنسان.
إضافة لعمق فكرة أخذ الطائفة البروتستانتية أفكار اليهود فيما يتعلق بالربا والإقراض اللذين حرمهما الدين المسيحي حيث نشطت هذه العملية في محاولة للخروج من سيطرة اليهود الاقتصادية والاحتكارية هذه المحارق كانت عبارة عن حمامات ذوات (دوش)موصولة بالغاز طلب من المعتقلين الاستحمام الجماعي ثم قاموا بإضرام النار في أبشع عملية إعدام جماعي أو وضعهم على سحابات جرارة (قشاطات) وجرهم إلى أفران درجات الحرارة والنار فيها تتجاوز كل حدود حيث يخرج المعتقل كومة من الرماد من الجهة القابلة.
الشعب الكردي في كفة الموازنة:
صحيح أنه ليس من الجائز وضع الشعب الكردي في موازنة مع اليهود إلا من ناحية واحدة هي الرؤية الشوفينية العربية لهذا الشعب التي لا تقل عن الرؤية النازية لليهود.
فهذه الموازنة لا تكون صحيحة إذا ما نظر إلى التاريخ التضحياتي للشعب الكردي على مر التاريخ وأوسمته في هذا المضمار جلية إبتداءاً بالغزو المقدوني للشرق والهجوم البربري للمغول مروراً بالسور الفولاذي الذي كان في وجه الحملة الصليبية على الشرق الإسلامي وتحرير القدس على يد الأيوبيين وانتهاءً بالتضحيات الجسام التي قدمها في مقاومة الاستعمار الكلولونيالي العسكري الأوربي .هذه الأوسمة التي حاولت وتحاول الشوفينية العربية انتزاعها وذلك بالاستفادة القصوى من الفكر اللاإنساني والدموي الذي مر به التاريخ البشري ولنأخذ إحدى العينات في هذا التطبيق والتقليد للهولوكست النازي وهو حريق سجن الحسكة المركزي .
سجن الحسكة المركزي :  كإحدى الظواهر المستشرية في الفكر الشوفيني البعثي في سورية و التي تنعدم فيها جميع أشكال حقوق الإنسان هي السجون القمعية .
فالسجن الذي سنتحدث عنه جمع في زنزاناته القمعية المتهم و المذنب بالبريء والسياسي بالمجرم الجنائي في ظل قانون غائب و سلطة قضائية فاسدة.
ففي 24|3|1993 و في تمام الساعة الحادية عشرة ليلاً التهمت النيران الهائلة إحدى المهاجع و استمرت هذه النيران و توسعت إلى مهاجع مجاورة تحرق كل ما تصادفه دون أن تحاول إدارة السجن فتح الأبواب أو إخماد النار (بحسب روايات الناجين و الوقائع والحيثيات ) حتى أن سيارات الإطفاء التي لم تحضر إلا في صبيحة اليوم التالي .
لقد سبق هذه العملية تحركات واسعة من النظام القمعي في سورية كجزء من عملية إنكار وجود الشعب الكردي المسالم و المحاولة الجادة لمحو هذا الوجود بشتى الوسائل و من هذه التحركات :
1)   قيام السيد وزير الداخلية بإصدار قرار يمنع فيه التسمية بالأسماء الكردية في شهر أيلول من العام الذي سبق عام الحريق (1992 )
2)   و قامت السلطات في نفس العام بحملة اعتقالات واسعة في صفوف هذا الشعب بمناسبة و دون مناسبة فكانت الاعتقالات في أوجها في شهر تشرين الأول
3)   و لعلها كانت نتيجة طبيعية للقاءات الثلاثية المعتادة بين سورية و تركيا و إيران المتعلقة بالقضية الكردية و ضرب حركته التحررية وإرادته الشعبية .
فالرأي حول عملية حريق السجن كانت آنذاك نتيجة متمخضة عن التحركات السابقة الذكر هذه العملية التي أودت بحياة (57 ) شخصاً و جرح أكثر من (30 ) .
علماً أن هذه العملية ترافقت بتعتيم  و كتم إعلامي شديد ذلك كونها عملية سياسية عنصرية إضافة للصراعات بين الأجهزة الأمنية حول الصفقات التجارية غير المشروعة و الرشاوى .
ويروي أحد الناجين : أن إدارة السجن و عناصرها قاموا برش المهجع المذكور بمادة بودرة بيضاء ذات رائحة زكية (أرضية و بطانيات ) بحجة مكافحة الحشرات حيث لب النار بشكل مفاجئ في تلك المادة بسرعة هائلة دون قدرة السجناء على إخماده خاصة بوجود أبواب فولاذية موصدة بإحكام و وقوف المسئولين متفرجين على الموقف دون محاولة حتى ولو بشكل إنساني على اتخاذ أي إجراء .
علماً أن المهجع المذكور كان يحتوي على كمال حسو و أبناءه و المتهمين بجريمة قتل أحد الأشخاص ذوي النفوذ و المرتبط أمنياً بأجهزة الاستخبارات السيئة الصيت و هؤلاء كانوا موقوفين على ذمة التحقيق الجاري وقتها دون أن يكون قد صدر حكم قضائي بحقهم .
ما بعد الحريق : جاء في تقرير العميد محمد يوسف منصور قائد شرطة محافظة الحسكة وقتها و المؤرخ في 27|3|1993 إلى وزارة الداخلية تحت الرقم 1321|ص أن مسببي الحريق هم مجموعة من مدمني المخدرات (حشاشون كما جاء حرفيا في التقرير ).
علماً أن اللجنة الأمنية في المحافظة اجتمعت بإشراف مباشر من اللواء عدنان بدر حسن لبحث مقتل أحد المواطنين من مدينة الدرباسية على يد أحد أفراد عائلة كمال حسو المذكور سابقاً و قد تقرر تجريد جميع أفراد هذه العائلة من الجنسية و مصادرة كافة أموالهم المنقولة و الغير المنقولة دون انتظار نتائج التحقيق المدرجة تحت قانون الجنايات لكن في سورية الأجهزة الأمنية تتدخل حتى في أحلامك لتحولها كوابيس.
والهدف كان من العملية إثارة النعرات الطائفية بين أبناء المحافظة حيث كان المجني عليه من ملة مختلفة وهذا هو المطلوب من هذه الأجهزة استغلال كل شي في سبيل تفكيك البنية الاجتماعية و الاستفادة القصوى من أموال الطرفين .
وفي محاولة للتضليل قام وزير الداخلية بمؤتمر صحافي محاولاً  التملص من المسؤولية و مهاجمة الذين يطالبون بتحقيق حر و نزيه و اتهامهم بمعاداة الوطن و العمالة لإسرائيل و لأول مرة يعلن مسوؤل على هذا المستوى وجود أجانب (المجردين من الجنسية بموجب إحصاء 1962 ) حيث قال :
إن ضحايا – حادث – الحريق 34 مواطن فقط و (23) أجانب أو حاملي جنسية قيد الدرس كما أعلن الوزير المذكور عن إعدام (5) من السجناء بتهمة إحراق السجن دون توضيح الأسباب و الدوافع.
و كان هذا المؤتمر يعلن بوضوح طي هذه الصفحة و سد الباب أمام أية محاولة للتحقيق و كشف الملابسات و فضح المتورطين و بعد شهرين من عملية هولوكوست الحسكة أعدم المتهمون الخمسة وهم :
1) علي محمود قاسم   مواليد الحسكة 1966
2) فريد محمود الجبري مواليد الحسكة 1972
3) قهرمان جمهور محمد مواليد القامشلي 1961
4) محمد أمين محمد مواليد المالكية 1968
5) محمد فرحان سكفان مواليد القامشلي 1965
كما أنه قد تم الحكم على خمسة آخرين بالسجن واحدهم هو كاميران محمود الشريف الذي لم يكن متجاوزاً سن السابعة عشرة و قد حكم عليه بالسجن 12 عاماً و شددت عقوبته إلى السجن المؤبد بالأشغال الشاقة عملاً بالمادة 247 من قانون العقوبات العام كما حكم على خمسة أفراد من الشرطة بتجريدهم من الحقوق المدنية و الأشغال المؤقتة مدة ثلاث سنوات (وقد أوقف التنفيذ فيما بعد ) .
لسنا بصدد الدفاع عن مجرمين لكن القضية تفرض السؤال هل يستحق أبناء هذا الشعب ما يجري بحقهم حتى سلك الإجرام سببه الرئيسي هو السلطة القمعية في سورية التي تسد جميع أبواب العمل و المعيشة الشريفة أمام هذا الشعب الأعزل و المضطهد بكافة أشكال القهر و الحرمان و هذا الشكل النازي من التعامل .
أم أن طبيعة هذا النظام تفرض ذلك و تدفعه على الدوام للاستفادة القصوى من الفكر اللانساني و مشاريع التمييز كالحزام العربي مثلاً الذي جاء تقليداً للمشروع الإسرائيلي في الجولان السوري .
أم أن النظام سيستمر في هذه السياسة التي أثبتت فشلها ليقترب من نهايته بشكل أسرع في وقت هو بأمس الحاجة لتغيير سلوكه بشكل جذري و الحفاظ على الرقاب .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…