ما الذي لدى الأسد ليقوله غداً؟

إبراهيم اليوسف
elyousef@gmail.com

“يعجبني في الرجل إذا سيم الذل أن يقول “لا” بملء فيه”
                                      عثمان بن عفان رضي الله عنه

نقلت وكالات الأنباء، أن الرئيس الأسد سيلقي ظهر غد الاثنين كلمة، يتناول فيها الأوضاع السورية الراهنة- صح النوم سيادة الرئيس- بعد أن دفع غيابه المزمن، عن الشعب السوري، والعالم، منذ خطبته العصماء في “جوقة المهرجين”، إلى أن يخيل إلينا أننا بلد من دون رئيس، وأن منصب الرئيس” شاغر”لأن ليس من المعقول أن يقبل أي صاحب ضمير، أن يقتل شعبه، على أيدي قوات الشبيحة والأمن والجيش، وهو في بيته، لا يحرك ساكناً، ولا يقول كلمة فصل، ولاسيما أنه كان في موقع يستطيع أن يحسم فيه الأمر، منذ إطلالته التاريخية الأولى، تلك، لحقن الدماء، بمجرد كلمة واحدة، لا غير،
 بل كان قادراً منذ اعتقال أطفال درعا الذين كتبوا بعض العبارات –وإن كانت تعبيراً عن الرأي- على جدران مدرستهم، مدونين بها أولى وأعظم أسطورة في النضال، في تاريخ العالم، أن يضع أصبعه على جرح مواطنه،  ويشخص –وهو الطبيب كما يفترض وحامل الجنسية البريطانية إلى جانب السورية- حالة معاناة هذا المواطن، ومدى درجة الظلم الذي لحق به، لوضع حدّ له، لا أن يروح ليحقق خطوات- الوصفة التي يقرؤها أو يستظهرها منذ استلم الحكم و قد اعتاد أن يخطها له الحرس القديم وهو أول هؤلاء الحراس-ليصرح لوكالات الأنباء أن سوريا ليست مصر ولا تونس، كيف أن سوريا ليست مصر ولا تونس؟؟، مع أن استبداد نظامه، هو أسوأ من استبداد الطاغية صدام حسين،وثمة الكثير المشترك، المتشابه، بينهما، إلا في ما يتعلق بإعلان الحروب على الآخرين، حتى ولو للدفاع عن أرض محتلة، أو انتهاك حرمة الوطن بظل طائرة إسرائيلة قذرة، تستطلع أجواء الوطن في نزهة، وحتى لو استطاعت هذه الطائرة المرور من فوق أحد قصوره، أو قصف موقع سوري هنا، أو هناك، وحتى عبر إطلاق رصاصة، دفاعاً عن دماء طاهرة لشباب يقال لهم: اعبروا حدودنا مع إسرائيل، وها نحن هنا قاعدون.

الكلمة، كلمة غد الاثنين، أية كانت، حتى ولو قال الرئيس: سأرحل، وأحتاج إلى جدول زمني لتسليم مقاليد الحكم، بشكل سلمي للشعب السوري، وحتى لو قال: سيتم إلغاء المادة الثامنة من الدستور التي ظل حزب البعث يحكم بوساطاتها كل هذه العقود المريرة، من القتل والسجن والتجويع، وانتهاك الكرامة والفساد، وحتى لو قال: إن إعلاميي الدنيا وشقيقاتها-وهم أسوأ إعلاميي الدنيا قاطبة- سوف يحاكمون على كذبهم ودجلهم، وهكذا بالنسبة لمحللي الدم السوري المنافقين، وإن محمد رستم كان ضحية، لا قاتلاً، وتم إظهاره على فضائية الدنيا، معترفاً أنه هو من أطلق الرصاص على مركبة أطفال المدرسة، لا كما قال الأطفال بأن قاتليهم هم من أفراد الجيش،  ليقدم جثمانه إلى أهله، بعد أن مثل به، كما مثل بحمزة الذي تم قطع عضوه الذكري في رسالة واضحة….

تعتبر امتداداً لمقولة ذلك الضابط الأمني في درعا، كيف تم ذلك؟، أجل، من دون أية محاكمة شفافة، بعد أن مثل بها، والأمثلة تكثر، وحتى لو قال: سأقدم كل من….

كل من…….

كل من…..

أمر بالقتل للمحاكمة-وهو الأب ويعرف كم الابن غال عند أبويه-فإن لم يكن لديه جواب، فلم صمته هذا، كل هذه الأسابيع وبلده يحترق.


ما الذي سيقوله بشار الأسد لأم نكبت بطفلها، أو زوجة نكبت بزوجها، ما الذي يقوله لذوي أكثر من ألف وثلاثمئة شهيد قتلوا برصاص الشبيحة والأمن، ولن تعيدهم مليارات الخطب إلى الحياة، أياً كان خطابه، السحري، النوراني،فليس بين كل من خرج رافعاً صوته بإعادة الكرامة إلى السوري، بعد أن أذله النظام وسرقه، من خرج لجاه، أو كرسي أو مأثرة، وإنما خرج هؤلاء-وسيستمرون في مواصلة اعتصاماتهم السلمية، رافعين أغصان الزيتون، والورد، في وجوه قاتليهم المجرمين، سيخرجون ، ولو بقي في بلدنا سوري واحد- ليحققوا ما طلبوه، وهوأن يكون بلداً لا تتوحش مخابراته على مواطنه، بل أن يكونوا وكل مسؤول من أجل خدمة هذا المواطن،  لكي  يعيشوا في وطن تكون صحافته حرة، وانتخاباته نزيهة، وطن لا سجون فيه إلا للمجرمين واللصوص، ممن يجب إصلاحهم، وطن لا يخون فيه إلا المتواطىء مع العدو الإسرائيلي، وطن لا يبلغ فيه الناشط المحب لسوريا بأن عليه مراجعة الفرع الأمني الفلاني، ويلاقي المهانة في التحقيق، ولا أن يمنع فيه من السفر إلا المجرم، واللص، لا صاحب الرأي،  وطن يقول فيه الطفل لرئيسه على غرار طفل إبسن، ما يراه، بعينه: امبراطورنا عار…، لا ما يقال له، ليردده ببغاوياً، مادام أنه رمز للنقاء، والطهر، والصدق، والنبل، لا أن تقلع أظافره، ويشتم في  أمه، أوعرض أبيه، إن راح يطالب به، وهو سجين؟؟؟ -من يسجن أطفالاً على خلفية رأي؟- وألا يقول لأبيه ضابط أمن، لا ميزة له في سجل المواطنة عن أي جامع قمامة، وربما كان هذا أفيد منه، ومن الآلاف من  سواه ولاسيما الفاسدين المتجبرين، الظالمين، وأنا أحددهم هنا، ألا يقال له: انس ابنك، وفكر ببديل عنه، وإن لم تستطع فارسل إلينا أمه، إنها ذروة اللاأخلاق، ومن المؤلم بعد كل هذا أن تقول لوفد من أبناء جوبر يلتقيك: هو الآن طليق، لأن لا دعوى ضدّه، فمن يجرؤ أن يدعي على قتلة النظام،  بعد أن تحصن الأمن-بأمر منك- بما يجعله في حرز عن المحاسبة، ولو قتل ثلاثة وعشرين مليوناً من أسود سوريا؟، ومن يقتلون الآن في مدننا وقرانا، هم هؤلاء الذين قتلوا في قامشلي والرقة والحسكة وعفرين وديريك ورأس العين وغيرها مواطنيك الكرد في العام 2044 و2007 و2008 و 2010، ولم تتم محاكمتهم، وها ضباط الأمن وعناصر الجيش الذين أطلقوا النار وفي مقدمهم المجرم سليم كبول طلقاء، مكرمين، يعلقون صورك  ونياشينهم وأوسمتهم الخلبية،في مكاتبهم بعد كل ما فعلوه من أعمال إجرامية، أو لم يكن ببالك- وأنت تأمر بتشكيل الحكومة الأخيرة من عهد الظلام- أن هناك مواطنين كرداً، يشكلون القومية الثانية، في الفسيفساء السوري الجميل، ولم يتم تمثيلهم، وهم صناع سوريا التي تشغل فيها مهمة رئيس جمهورية، ماذا يعني لك أن لا محافظ كردي، ولا مدير منطقة كردي، وهل أشير لك من هم الكرد؟؟؟.
أسألت نفسك  وأنت لم تقدم لسوريا أكثر من أي موظف سوري مخلص، لم يتسبب في قتل نملة،كيف أنه كان على الجموع المساقة للاحتفالات أن يقولوا: الله وسوريا وبشار وبس، فمن من أبناء جيلك، أو من هم أكبر وأصغر منك سناً خدمت سورياهم بأكثر منهم؟.
إن كلمتك التي ستقولها عليها أن تستند لرواية الشعب الذي يهتف في الشوارع، وعددهم أكبر من أعداد من نزلوا لساحات التحرير في مصر وفي تونس،وأوسع منها، وليعذرني هؤلاء وأشجع منهم،وهم معلمونا في الثورة،  وعلى كلمتك أن تنطلق من ذلك القهر الذي يدفع مواطنك ليحرق صورة، أو يكسر تمثالاً، من دون أن يتقنع، أمام كاميرات التصوير، وهو عارف ماذا ينتظره؟
أعترف أن مهمتك جد صعبة، ولن  تستطيع دموعك-إن سالت… ولن تسيل- بعد أن كنت تضحك في كلمة التحدي المخطط لها، في مجلس” المهرجين”-وكنت أحد من كتبوا عن تلك المسرحية- بعد استشهاد عدد من أبناء درعا، وكان في مقدورك آنذاك تطويق المسألة، ومحاكمة المجرمين،  وإطلاق سراح “الشعب المعتقل”، المطعون في كرامته، لكنك لم تفعل أي شيء، و لم تعلن حرصك على أبناء سوريا الذين يهانون في المنفردات، والزنازين، وفي الفروع والأقسام الأمنية، وتمارس بحقهم كل الإهانات، بل ويتم تسليم جنازات بعضهم إلى ذويهم، وعليها آثار التعذيب، ويتم إطلاق الرصاص على مشيعي الجنازات وهذا ما لم نجده إلا على أيدي الإسرائيليين بحق أبناء فلسطين الأبية، وهو ما كان يتم  في سوريا–قبل ثورة أبنائها-وهم أنفسهم الذين تفاءلوا بك، ولم ينظروا إليك من خلال إرث ارتكبه سواك، وهذا ما يدل بجلاء على أن الشعب السوري مسالم، حضاري، جبّار، تهمه مصلحة وطنه وإنسانه، وقد قدم كل ما لا يصدق من التضحيات من جراء “تحمل” الاستبداد عقداً بعد عقد، وبات الآن يتهم بأنه مندس، ومتآمر،  وليس بين أبناء سوريا من يلجأ إلى شوكة ضد قاتله، لئلا يساء لثورته السلمية والنبيلة.
سأكتب إليك غداً أيضاً-وقد لا يصلك ما أكتب- بعد كلمتك التي لا أعول عليها أي حلم، بعكس حالتي وأنا أترقب كلمتك الأولى التي خيبت خلالها ظني وظنون المليارات في العالم، وكانت أكبر إساءة بحقك، وحق شعبك.
18-6-2011

    

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اعتبر الزعيم الكوردي رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني، يوم الجمعة، أن الارضية باتت مهيأة لإجراء عملية سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط للقضية الكوردية. جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال انطلاق أعمال منتدى (السلام والأمن في الشرق الأوسط – MEPS 2024) في الجامعة الأمريكية في دهوك. وقال بارزاني، في كلمته إنه “في اقليم كوردستان، جرت الانتخابات رغم التوقعات التي…

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…