السيد الأمين القطري المساعد لحزب البعث، والقراءة الخاطئة للأحداث

خالص مسور

في وقت باتت تمر فيه سورية وشعبها بأزمة عصيبة قل مثيلها في تاريخ الشعوب، وفي الوقت الذي يحتاج فيه كل شيء للتهدئة وسط صيحات من هنا وهناك تطالب بفتح باب الحوار بين المحتجين والنظام، في هذا الوقت الشديد الحساسية للجميع وفي وقت لايحتاج فيه الوضع إلى صب المزيد من الزيت على النار كما يقال، يخرج السيد الأمين القطري العام المساعد لحزب البعث على الملاً وبشكل يدعو إلى الدهشة والإستغراب، بتصريحين يؤججان الوضع ولايهدئانه، وكأنهما ليسا صادرين من سياسي متمرس في عمله، وبدا كأنه لايدرك مغزى صرخات الإحتجاج في الشارع السوري.
في تصريحه الأول يقول السيد الامين المساعد: وحسب ما تناقلته الأنباء: إننا مستعدون للتضحية بثلث الشعب السوري للحفاظ على الحكم.

والتصريح الآخر الذي أدلى به هو قوله إن حزب البعث غير مستعد لرفع المادة الثامنة من الدستور وسيبقى حزب البعث قائداً للدولة والمجتمع ما دامت المعارضة لن تفوز بأغلبية في مجلس الشعب.


فمثل هذه التصريحات النارية إن صدق الرواة، وفي وقت باتت النيران في كل مكان وفي كل ركن من أركان سورية، قد تفسر على عدم توفر النية في الحوار والإصلاح لدى البعض منا وقد نكشف بهذا قمصاننا المسرودة من نسيج القومية المهلهل الذي بات لايكاد يستر أبداننا.

فالقومي حقاً هو من يرى الآخر إلى جانبه ويبسط قلبه لشعبه ويقدسه ويشعره بحريته وكرامته ويضحي من أجله بكل ما أوتي من قوة وحكمة، لا أن تبسط يده لقتل ثلث شعبه وثلث الشعب السوري اليوم هو 8 ملايين نسمة بالتمام والكمال وهذا شيء فظيع بكل المقاييس الإنسانية.


نعم بهذه البساطة المتناهية يتم تحليل الأوضاع لدى البعض من أعضاء القيادة السورية وكأن الدنيا أمن وأمان وليست هناك أزمة سياسية في سورية، ومن الأصول المرعية ولمصلحة الطرفين النظام والمحتجين معاً ولمصلحة الوطن السوري ككل، أن يكون للتصريحات التي ندلي بها صدى إيجابي في الشارع السوري وخاصة في مثل هذه الأوقات العصيبة التي تمر بها سورية، وأن تحظى التصريحات من المسؤولين برضى المحتجين على الأقل يطمئنهم ويهديء من روعهم.

فالتصريحات غير المدروسة وبعقلية تعود إلى ما يقرب من نصف قرن هو ليس في مصلحة الوطن والشعب في شيء ولا في مصلحة النظام ذاته، بل أقل ما يقال بأن هذه التصريحات تشتم منها رائحة المصلحة الشخصية ليس إلا، تصريحات تبدو كأنها لم تصدر من قومي يؤمن بقدسية شعبه وعدالة قضيته في الإصلاح والتقدم والتحرر والرسالة الإنسانية الخالدة، ويتحتم علينا جميعاً أن نعلم بأن الوطن والشعب هما أقدس من الحزب أي حزب مهما كان ممانعاً وغير ممانع.


وبشكل أوضح إذا ما أردنا أن نضع كلام السيد الأمين القطري المساعد في ميزان المصلحة الوطنية العليا لنعرف من أي منظور انطلق الرجل في تصريحيه هذين أهو الغيرة على الشعب والوطن..

الغيرة على سورية وشعبها…؟ أم أنها المصلحة الشخصية لاغير…؟ ولنناقش الأمرين بروية حتى نتأكد من دوافع وخلفيات هذين التصريحين الخطيرين على الشأن السوري.
فمن حيث الغيرة الوطنية والحرص على المصلحة الوطنية العليا، نراها لاتتحقق هنا على الإطلاق، ولم يكن ما صرح به داخلاً ضمن المقاييس الآنفة الذكر ولايبعث على التهدئة المنشودة للشارع السوري، لأن من مصلحة الشعب أي شعب في العالم أن يتمتع أفراده بالحرية والديموقراطية السياسية في تيسير شؤونه ومن مصلحته الا يتحكم فرد أو حزب واحد في مصيره وأقداره، فبالحرية والديموقراطية تزدهر الشعوب وتتقدم الحضارات ويرتفع مستوى وعي الذات الفردي منه والجمعي على السواء، ضمن منظومة قيم تعود ريعها لصالح الأفراد والدولة والمجتمع، والجميع يعلم أن وطن وشعب مختزلان في إيديولوجية حزب واحد كوصي على الشعب والوطن في هذه الحال، لن يؤدي فقط إلى تراجع تقدم الوطن والشعب وازدهاره بل تنشأ حالة ما يمكن أن نسميه بدولة في حزب، والحزب يتألف في العادة من مجموعة من الأشخاص أي تصبح دولة لمجموعة من الأشخاص ويجري تهميش وإقصاء بقية مكونات الشعب، لنجد أنفسنا أمام حالة فيها ابن الجارية وابن الست ومواطن من الدرجة الأولى وآخر من الدرجة مابعد الثانية، وأعتقد هذا ما لايرضاه أي سوري غيور على شعبه ووطنه، فحكم الحزب الواحد مهما كان أهدافه و تعداده، يدل على سياسية بيروقراطية متكلسة المفاصل وظاهرة أنتي حضارية في تاريخ الشعوب.

ولهذا كان الشق الأول من التصريح هو خطأ خطير وخسارة فادحة للوطن وللشعب السوري معاً.

وفي الجانب الآخر من السؤال المتعلق هل المصلحة الشخصية هي المنطلق والمحك، نقول أن الامور في هذه الحال لا تقل كارثية عن النتيجة الأولى، ففي هذا الوقت العصيب الذي تمر بها سورية وشعبها وحكومتها نرى من يقدم مصالحه الشخصية قبل مصلحة الشعب والوطن وحتى قبل مصلحة النظام ذاته، ومن هنا يأتي النسف الديناميكي لركائز القومية والممانعة معاً، لأن من يكون وطنياً غيوراً وقومياً ممانعاً ويريد لشعبه الخير والتقدم، يقدم على التضحية – وبدون تردد – بمصلحته في سبيل المصلحة الوطنية العليا مهما كلفه ذلك من تضحيات ومصائب ومحن، والنتيجة المنطقية لمثل هذه التصريحات وفي هذا الوقت بالذات هو تأجيج للأوضاع وموت للشعب على الطريقة السليمانية وضعف في مستوى المفاهيم الحضارية بكل المقاييس، والشعب الضعيف اليوم والذي يسره حزب واحد وحيد لايمكن أن يكون ممانعاً بالمطلق، فمن شروط القوة والممانعة الإستعداد للتضحية لدى قادته واعتزاز الشعب بكرامته وحريته وتقدمه وازدهاره.

 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…