في شرح اللوحة

غسان جان كير

 الحائطُ في دائرة السّجل المدني بعامودا يحتوي على لوحةٍ تشكيلية لا تحتاجُ لتوقيع فنان عالميّ مشهور كي تسترعيَ انتباهَ النُقّاد والعوام للمُشاركة في تحليل اللوحة أو تأويلها.

واللوحة لا يحتويها إطارٌ يُحدّد مساحتها , أو قُماشٌ يُرسمُ عليه , وليس لها اتجاهٌ يسير بعينيك بينَ معالمها , فلكل مُشاركٍ في رسمها اتجاهُه الخاصّ في محو آثار الحبر التي بقيتْ على أصابعه العشرة , مِن اليمين لليسار أو بالعكس أو مِن فوق لتحت أو بالعكس , وبتركيزٍ مُكثّف في بدايتها المُقابلة لطاولة مُدير السّجل لتبدأ بالتلاشي كلما ابتعدتَ عن الدائرة.
واللوحة بما تحويه مِن البصمات تُذكّركَ بِعشرات العرائض كانت تحتوي إلى جانب التواقيع  فكيف بالبصمات , مُطالبة بِحل مشكلة المُجرّدين من الجنسية السورية , وما مِن عينٍ تقرأ وما مِن أُذنٍ تسمع.


اللوحة لا تحتاجُ شرحا مِن مُوظفي تلك الغرفة , وحين يستعصي عليك الفهمُ , فلن تجدَ الجرأة في الاستفسار من وجوهٍ سِمتُها التجهّم خُلقة واكتساباً مِن الوظيفة التي تُحيلك إلى عوالم شخصية (بيتروفيتش) في (قصة المعطف).

 
والرمزية المُتوخاة مِن اللوحة يُمكن مُلاحظتها في تداخُل البصمات في مركز اللوحة؛ حيث يُمكن قِراءتها ب (اللُحمة الوطنية) التي كثُرَ الحديثُ والتغنّي بها هذه الأيامَ بالتوازي مع تدنّي أسعار بورصة اللحمة الوطنية (بفتح اللام), بعد أنْ فقدَ الوطنُ الكثيرَ مِن الأرواح زادتها الفجيعة بأنْ تتحوّل إلى مُجرد أرقام تُقسّم على المناطق أو الأيام.

هذه الفجيعة التي أفقدتْ مُعظم مَن استردوا الجنسية السورية السرورَ والفرح , وهي ذاتها الفجيعة التي ما كان لها أنْ تحدُث فيما لو رأى كُل مسؤول نفسَه خادما للمواطن وليس العكس.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…