د.
فيصل القاسم
فيصل القاسم
لا يستطيع المرء وهو يشاهد بعض الفضائيات العربية الرسمية والخاصة الدائرة في فلكها، وهي تغطي أحداث الثورات المباركة، إلا أن يضحك ملء شدقيه رغماً عنه، لأن تلك الفضائيات بفبركاتها الهزلية، وحركاتها الغوبلزية، وأكاذيبها الثخينة جداً، تفرض عليك أن تضحك ضحكاً مجلجلا لكوميديتها الهابطة وصبيانيتها الصارخة، وتشويهها السخيف للوجه الجميل للثورات.
فعلاً تلفزيونات «هبلة ومسكت طبلة».
لا شك أن معظمنا شاهد بعض التلفزيونات العربية قبل أشهر أثناء إحدى الثورات وهي تعرض لنا صوراً للشوارع والساحات والميادين في بعض البلدان وهي تنعم بسكينة وهدوء تامين، لا بل إن أحدها كان يركز كاميراته على ضفاف أحد الأنهار الشهيرة في المدينة وقد جلس على مقاعدها الوثيرة العشاق في جو رومانسي بديع، بينما كان الملايين من الثائرين في واقع الأمر يصرخون بأعلى أصواتهم في مختلف المدن والمناطق الأخرى، مطالبين بسقوط النظام على الشاشات العالمية.
فعلاً تلفزيونات «هبلة ومسكت طبلة».
لا شك أن معظمنا شاهد بعض التلفزيونات العربية قبل أشهر أثناء إحدى الثورات وهي تعرض لنا صوراً للشوارع والساحات والميادين في بعض البلدان وهي تنعم بسكينة وهدوء تامين، لا بل إن أحدها كان يركز كاميراته على ضفاف أحد الأنهار الشهيرة في المدينة وقد جلس على مقاعدها الوثيرة العشاق في جو رومانسي بديع، بينما كان الملايين من الثائرين في واقع الأمر يصرخون بأعلى أصواتهم في مختلف المدن والمناطق الأخرى، مطالبين بسقوط النظام على الشاشات العالمية.
وفي بلد عربي آخر سمع أحدهم من التلفزيون المحلي أن إحدى المناطق الملتهبة جداً التي تشهد يوميا مظاهرات عارمة وأحداثاً مأساوية، سمع أنها أصبحت هادئة جداً، فذهب إليها ليجدها في حالة رهيبة، بحيث بدا المشهد وكأنه ساحة حرب، فسأله الجنود لماذا أنت قادم إلى هنا، فقال: «لقد سمعت من الفضائية الفلانية أن الوضع هنا هادئ جداً»، فأجابه الجندي: «إلى جهنم أنت وتلك الفضائية، ألا ترى يا مجنون أننا في حالة حرب مع الشعب هنا؟».
لقد استماتت بعض القنوات الرسمية والخاصة التابعة لبعض الأنظمة المحاصرة بالثورات كي تعطي المشاهدين انطباعاً أن البلاد في حالة عادية جداً، وأن ما تبثه القنوات «المغرضة» مجرد تلفيقات، مع العلم أن الحقيقة على الأرض أفظع بعشرات المرات مما يبثه الإعلام الخارجي بسبب منعه من التغطية.
وكم يضحك المشاهد عندما يستمع إلى أحد الأبواق الحكومية وهو يخبر المشاهدين بأن الناس سيخرجون يوم العطلة ليس للتظاهر، بل للنزهات وشرب الشاي وتدخين الشيشة، فلما جاءت تلك العطلة، انطلقت المظاهرات في مدن عديدة لتتحول البلاد إلى ساحة وغى.
وبينما كانت عشرات المناطق تشتعل بالتظاهرات الصاخبة والدموية بسبب وحشية السلطات، كانت التلفزيونات المحلية تصور مشاهد لأناس يشترون البقدونس والخس في محاولة مفضوحة للغاية للضحك على ذقون المشاهدين.
لقد حاولت بعض الفضائيات الرسمية تغطية عين الشمس بغربال فعلاً، إلى حد أن أحد المذيعين فيها وصف ملايين الشباب الذين كانوا يتجمعون يومياً في أحد الميادين الشهيرة بأنهم حصلوا على وجبة دجاج «كنتاكي» مقابل المشاركة في المظاهرات المليونية، وأن جهات أمريكية كانت تدفع للواحد منهم دولاراً مقابل إطلاق شعارات مناهضة للنظام الحاكم.
وفي بلد آخر، تخبرنا الفضائيات الرسمية بأن كل المتظاهرين عبارة عن إرهابيين خطرين لا بد من سحقهم إلى جهنم وبئس المصير، مع العلم أنها كذبة من العيار الثقيل.
لا عجب أنها عللت الاجتياح العسكري لبعض المناطق ومحاصرتها وترويع أهلها بالجيش وفرق الموت بأنه جاء استجابة لدعوات ومناشدات سكان المنطقة لتخليصهم من هؤلاء المتطرفين، وكأن السكان هناك من النوع السادي الذي يستمتع برشقات المدفعية الثقيلة وجنازير المدرعات وبلطات القتلة.
ولا شك أن المشاهد سيضحك كثيراً عندما يستمع إلى إحدى الفضائيات الحكومية وهي تقول إن القناصة الذي يقتلون المتظاهرين استطاعوا دخول أحد السجون ثم اعتلوا سطح السجن وراحوا يقتنصون المتظاهرين، وكأن السجن عبارة عن مقهى يمكن للقاصي والداني أن يدخله.
أما المشاهد المروعة التي ترتكبها القوات الحكومية وبلطجيتها السفلة بحق بعض المتظاهرين، فهي مشاهد حدثت في بلدان أخرى.
يا سلام!
ولعل أكثر المشاهد إثارة للضحك تلك التي ظهر فيها ثلاثة شبان مع مذيع، فسألهم الأخير عن عشرات الألوف من الشبان الذين كانوا يصرخون في أحد الميادين المجاورة، فأجابوه بأن مطرباً مشهوراً سيحيي حفلة غنائية هناك، لهذا تجمع الناس هناك بأعداد غفيرة لمشاهدة مطربهم المحبوب.
لا بل إن الشبان الثلاثة برروا حمل الجموع المحتشدة للأعلام الوطنية بأن المطرب معروف بوطنيته الشديدة، فلهذا جاء محبوه إلى الحفلة ليحيوه على مواقفه الوطنية «الشريفة».
وانتهى اللقاء بين المذيع والشبان الثلاثة بأنهم جميعاً راحوا يكيلون الشتائم إلى قناة فضائية عربية مؤثرة جداً كانت تقض مضاجع النظام الحاكم بتغطيتها المباشرة والعظيمة للثورة في ذلك البلد.
إنها أشبه بمباراة بين الفضائيات الرسمية وشريكاتها في فن التزييف والهزل والكوميديا السوداء والاستخفاف بعقول الناس.
فقد وصل الأمر ببعض الفضائيات المحسوبة على إحدى الحكومات إلى استضافة رهط من المطبلين والمزمرين والمأجورين والكذابين المحترفين من داخل البلاد وحتى خارجها للردح ضد هذه الفضائية أو تلك، لا لشيء إلا لأنها كانت تنقل عشرة بالمئة فقط، وليس كل ما يحدث من جرائم فاشية على أيدي الأنظمة العربية الفاشية والوحشية هنا وهناك بحق المتظاهرين السلميين.
ولعل أكثر ما يضحك أن بعض الفضائيات الرسمية كانت تتحدث دائماً عن الشرف والمصداقية في مهاجمتها للقنوات الأخرى التي كانت تصفها دائماً ب»المغرضة وغير الشريفة»، وكأن الإعلام الرسمي يمتلك ذرة شرف أو صدق.
لا أدري لماذا تناسى ذلك الإعلام أنه كان وما زال يكذب حتى في إعلان درجات الحرارة، فما بالك الآن والأنظمة التي يتبع لها تخوض حرباً شعواء ضد الشعوب الثائرة للبقاء في السلطة.
إن اتهامات بعض الفضائيات الرسمية العربية للإعلام الحر أشبه بالعاهرة التي تحاضر في الشرف والعفة.
طبيب يداوي الناس وهو عليل.
رمتني بدائها وانسلت.
أو بالأحرى لا يسع المرء إلا أن يقول للقنوات الرسمية: إذا أتتك مذمتي من ناقص.
تصوروا أن إحدى الفضائيات الرسمية الهزلية عرضت مشاهد لرجال جمارك وهم يعرضون أكياساً من حبوب الهلوسة التي زعموا أن إحدى القنوات الفضائية «المغرضة» أرسلتها للشعب في ذلك البلد كي يهلوس ويدمن المخدرات.
وقد وصل الأمر ببعض الفضائيات الحكومية إلى قمة الفكاهة، حيث عللت خروج مئات الناس إلى الشوارع ليس للمطالبة بإسقاط النظام، بل للدعوة إلى الله لإسقاط المطر.
وبعد أن سقط المطر، جاء في خبر عاجل لتلك الفضائية أن الألوف خرجت لتشكر الله على الاستجابة لطلبها بهطول الخير.
هل هناك كوميديا أحط وأردئ من هذا النوع من الفبركة المفضوحة؟
ولعل أكثر ما يثير الضحك في روايات وأخبار الفضائيات الرسمية أنها تستطيع بأريحية منقطعة النظير أن تختلق نعوتاً ما أنزل الله به من سلطان للمتظاهرين السلميين كي تبرر للدولة سحقهم تحت جنازير المدرعات والدبابات، لا لشيء إلا لأنهم طالبوا بمجرد استعادة حقوقهم المهدورة منذ عشرات السنين لا أكثر ولا أقل.
ما أسهل أن تقوم بعض الفضائيات الرسمية بكوميدية هابطة للغاية بتقزيم ثورات الشعوب وأحلامها في التحرر من ربقة المستعمر الداخلي إلى مجرد مؤامرة خارجية وتزوير جموع الجماهير إلى مجرد عصابة شريرة من الخونة والمخربين، وكأنها توحي لنا بأن الشعوب العربية تعيش في نعيم ما بعده نعيم، فهي لا تعاني من الفقر والفاقة والفساد الرهيب والقهر والظلم والاضطهاد والقمع والسحق والمحق.
ولو انتظرتا قليلاً لربما سمعنا تلك الفضائيات تؤنب الشعوب قائلة: «عيب عليك أيتها الشعوب.
لماذا تثورين على النعمة التي تعيشينها»؟
لقد ظننا أن جوزيف غوبلز وزير إعلام هتلر الشهير قد نفق مع سيده بعد الحرب العالمية الثانية، لكنه في الواقع يعيش بيننا هذه الأيام مستنسخاً بالفضائيات الحكومية وبعض الفضائيات التي تزعم أنها خاصة، بينما هي في الواقع أردئ من الحكومية في دفاعها عن الطغيان.
غير أن غوبلز يبدو هذه المرة معتوهاً ومهزوزاً ومضحكاً وركيكاً في أكاذيبه وفبركاته.
حتى إنه أصبح كذاباً فاشلاً بامتياز.
وحسبه أن ينجو من سخرية الناس وضحكهم عليه وازدرائهم واحتقارهم الشديدين له.
أخيراً نصيحة لوجه الله: إذا كنتم من هواة النكات السمجة والمبتذلة لا مانع من متابعة ما تبثه الفضائيات الحكومية العربية في زمن الثورات.
وإذا كنتم لا تطيقون الكذب مهما كان شكله، وهو الأرجح بالنسبة للسواد الأعظم من الجماهير العربية، فأنصحكم بتجنب مشاهدة تلك الفضائيات وذلك كي تحافظوا على أعصابكم من التلف السريع، وكي لا تصابوا بارتفاع الضغط الشديد والسكري وغيره من الأمراض الخطيرة، لأنها تستطيع وبقدرة قادر أن تزور حتى لون الثلج من أبيض فاتح إلى أسود غامق.
وبإمكانها أيضا أن تبرهن لك ببراعة فائقة أن لون الدم ليس أحمر أبداً، بل يمكن أن يكون أخضر فستقياً.
أما إذا كنتم تتابعون وسائل الإعلام العربية الرسمية والفضائيات التي تدعي الاستقلالية الدائرة في فلكها لمعرفة ما يجري على صعيد الثورات المندلعة في أكثر من مكان، وتصدقون ما تبثه من سخافات وترهات وفبركات وتلفيقات عجيبة غريبة، فهذه كارثة عظمى بكل المقاييس.
لقد استماتت بعض القنوات الرسمية والخاصة التابعة لبعض الأنظمة المحاصرة بالثورات كي تعطي المشاهدين انطباعاً أن البلاد في حالة عادية جداً، وأن ما تبثه القنوات «المغرضة» مجرد تلفيقات، مع العلم أن الحقيقة على الأرض أفظع بعشرات المرات مما يبثه الإعلام الخارجي بسبب منعه من التغطية.
وكم يضحك المشاهد عندما يستمع إلى أحد الأبواق الحكومية وهو يخبر المشاهدين بأن الناس سيخرجون يوم العطلة ليس للتظاهر، بل للنزهات وشرب الشاي وتدخين الشيشة، فلما جاءت تلك العطلة، انطلقت المظاهرات في مدن عديدة لتتحول البلاد إلى ساحة وغى.
وبينما كانت عشرات المناطق تشتعل بالتظاهرات الصاخبة والدموية بسبب وحشية السلطات، كانت التلفزيونات المحلية تصور مشاهد لأناس يشترون البقدونس والخس في محاولة مفضوحة للغاية للضحك على ذقون المشاهدين.
لقد حاولت بعض الفضائيات الرسمية تغطية عين الشمس بغربال فعلاً، إلى حد أن أحد المذيعين فيها وصف ملايين الشباب الذين كانوا يتجمعون يومياً في أحد الميادين الشهيرة بأنهم حصلوا على وجبة دجاج «كنتاكي» مقابل المشاركة في المظاهرات المليونية، وأن جهات أمريكية كانت تدفع للواحد منهم دولاراً مقابل إطلاق شعارات مناهضة للنظام الحاكم.
وفي بلد آخر، تخبرنا الفضائيات الرسمية بأن كل المتظاهرين عبارة عن إرهابيين خطرين لا بد من سحقهم إلى جهنم وبئس المصير، مع العلم أنها كذبة من العيار الثقيل.
لا عجب أنها عللت الاجتياح العسكري لبعض المناطق ومحاصرتها وترويع أهلها بالجيش وفرق الموت بأنه جاء استجابة لدعوات ومناشدات سكان المنطقة لتخليصهم من هؤلاء المتطرفين، وكأن السكان هناك من النوع السادي الذي يستمتع برشقات المدفعية الثقيلة وجنازير المدرعات وبلطات القتلة.
ولا شك أن المشاهد سيضحك كثيراً عندما يستمع إلى إحدى الفضائيات الحكومية وهي تقول إن القناصة الذي يقتلون المتظاهرين استطاعوا دخول أحد السجون ثم اعتلوا سطح السجن وراحوا يقتنصون المتظاهرين، وكأن السجن عبارة عن مقهى يمكن للقاصي والداني أن يدخله.
أما المشاهد المروعة التي ترتكبها القوات الحكومية وبلطجيتها السفلة بحق بعض المتظاهرين، فهي مشاهد حدثت في بلدان أخرى.
يا سلام!
ولعل أكثر المشاهد إثارة للضحك تلك التي ظهر فيها ثلاثة شبان مع مذيع، فسألهم الأخير عن عشرات الألوف من الشبان الذين كانوا يصرخون في أحد الميادين المجاورة، فأجابوه بأن مطرباً مشهوراً سيحيي حفلة غنائية هناك، لهذا تجمع الناس هناك بأعداد غفيرة لمشاهدة مطربهم المحبوب.
لا بل إن الشبان الثلاثة برروا حمل الجموع المحتشدة للأعلام الوطنية بأن المطرب معروف بوطنيته الشديدة، فلهذا جاء محبوه إلى الحفلة ليحيوه على مواقفه الوطنية «الشريفة».
وانتهى اللقاء بين المذيع والشبان الثلاثة بأنهم جميعاً راحوا يكيلون الشتائم إلى قناة فضائية عربية مؤثرة جداً كانت تقض مضاجع النظام الحاكم بتغطيتها المباشرة والعظيمة للثورة في ذلك البلد.
إنها أشبه بمباراة بين الفضائيات الرسمية وشريكاتها في فن التزييف والهزل والكوميديا السوداء والاستخفاف بعقول الناس.
فقد وصل الأمر ببعض الفضائيات المحسوبة على إحدى الحكومات إلى استضافة رهط من المطبلين والمزمرين والمأجورين والكذابين المحترفين من داخل البلاد وحتى خارجها للردح ضد هذه الفضائية أو تلك، لا لشيء إلا لأنها كانت تنقل عشرة بالمئة فقط، وليس كل ما يحدث من جرائم فاشية على أيدي الأنظمة العربية الفاشية والوحشية هنا وهناك بحق المتظاهرين السلميين.
ولعل أكثر ما يضحك أن بعض الفضائيات الرسمية كانت تتحدث دائماً عن الشرف والمصداقية في مهاجمتها للقنوات الأخرى التي كانت تصفها دائماً ب»المغرضة وغير الشريفة»، وكأن الإعلام الرسمي يمتلك ذرة شرف أو صدق.
لا أدري لماذا تناسى ذلك الإعلام أنه كان وما زال يكذب حتى في إعلان درجات الحرارة، فما بالك الآن والأنظمة التي يتبع لها تخوض حرباً شعواء ضد الشعوب الثائرة للبقاء في السلطة.
إن اتهامات بعض الفضائيات الرسمية العربية للإعلام الحر أشبه بالعاهرة التي تحاضر في الشرف والعفة.
طبيب يداوي الناس وهو عليل.
رمتني بدائها وانسلت.
أو بالأحرى لا يسع المرء إلا أن يقول للقنوات الرسمية: إذا أتتك مذمتي من ناقص.
تصوروا أن إحدى الفضائيات الرسمية الهزلية عرضت مشاهد لرجال جمارك وهم يعرضون أكياساً من حبوب الهلوسة التي زعموا أن إحدى القنوات الفضائية «المغرضة» أرسلتها للشعب في ذلك البلد كي يهلوس ويدمن المخدرات.
وقد وصل الأمر ببعض الفضائيات الحكومية إلى قمة الفكاهة، حيث عللت خروج مئات الناس إلى الشوارع ليس للمطالبة بإسقاط النظام، بل للدعوة إلى الله لإسقاط المطر.
وبعد أن سقط المطر، جاء في خبر عاجل لتلك الفضائية أن الألوف خرجت لتشكر الله على الاستجابة لطلبها بهطول الخير.
هل هناك كوميديا أحط وأردئ من هذا النوع من الفبركة المفضوحة؟
ولعل أكثر ما يثير الضحك في روايات وأخبار الفضائيات الرسمية أنها تستطيع بأريحية منقطعة النظير أن تختلق نعوتاً ما أنزل الله به من سلطان للمتظاهرين السلميين كي تبرر للدولة سحقهم تحت جنازير المدرعات والدبابات، لا لشيء إلا لأنهم طالبوا بمجرد استعادة حقوقهم المهدورة منذ عشرات السنين لا أكثر ولا أقل.
ما أسهل أن تقوم بعض الفضائيات الرسمية بكوميدية هابطة للغاية بتقزيم ثورات الشعوب وأحلامها في التحرر من ربقة المستعمر الداخلي إلى مجرد مؤامرة خارجية وتزوير جموع الجماهير إلى مجرد عصابة شريرة من الخونة والمخربين، وكأنها توحي لنا بأن الشعوب العربية تعيش في نعيم ما بعده نعيم، فهي لا تعاني من الفقر والفاقة والفساد الرهيب والقهر والظلم والاضطهاد والقمع والسحق والمحق.
ولو انتظرتا قليلاً لربما سمعنا تلك الفضائيات تؤنب الشعوب قائلة: «عيب عليك أيتها الشعوب.
لماذا تثورين على النعمة التي تعيشينها»؟
لقد ظننا أن جوزيف غوبلز وزير إعلام هتلر الشهير قد نفق مع سيده بعد الحرب العالمية الثانية، لكنه في الواقع يعيش بيننا هذه الأيام مستنسخاً بالفضائيات الحكومية وبعض الفضائيات التي تزعم أنها خاصة، بينما هي في الواقع أردئ من الحكومية في دفاعها عن الطغيان.
غير أن غوبلز يبدو هذه المرة معتوهاً ومهزوزاً ومضحكاً وركيكاً في أكاذيبه وفبركاته.
حتى إنه أصبح كذاباً فاشلاً بامتياز.
وحسبه أن ينجو من سخرية الناس وضحكهم عليه وازدرائهم واحتقارهم الشديدين له.
أخيراً نصيحة لوجه الله: إذا كنتم من هواة النكات السمجة والمبتذلة لا مانع من متابعة ما تبثه الفضائيات الحكومية العربية في زمن الثورات.
وإذا كنتم لا تطيقون الكذب مهما كان شكله، وهو الأرجح بالنسبة للسواد الأعظم من الجماهير العربية، فأنصحكم بتجنب مشاهدة تلك الفضائيات وذلك كي تحافظوا على أعصابكم من التلف السريع، وكي لا تصابوا بارتفاع الضغط الشديد والسكري وغيره من الأمراض الخطيرة، لأنها تستطيع وبقدرة قادر أن تزور حتى لون الثلج من أبيض فاتح إلى أسود غامق.
وبإمكانها أيضا أن تبرهن لك ببراعة فائقة أن لون الدم ليس أحمر أبداً، بل يمكن أن يكون أخضر فستقياً.
أما إذا كنتم تتابعون وسائل الإعلام العربية الرسمية والفضائيات التي تدعي الاستقلالية الدائرة في فلكها لمعرفة ما يجري على صعيد الثورات المندلعة في أكثر من مكان، وتصدقون ما تبثه من سخافات وترهات وفبركات وتلفيقات عجيبة غريبة، فهذه كارثة عظمى بكل المقاييس.
السبيل