مؤتمر توركيا «للمعارضة السورية» في المهجر

  د.

وليد شيخو

إن الثورة الشبابية السورية بلا شك شكلت ومازالت تشكل إنعطافاً تاريخياً في مصير البلد ، حيث إن القضبة الأمنية تحكمه منذ عدة عقودٍ من الزمن بعد إستلاء البعث على السلطة في سوريا عام 1963 ، والتي إشتدت وتيرتها بعد إنقلاب 1970 الذي قام به الرئيس السابق حافظ الأسد عام 1970 ، وإستطاع فرض سيطرته الكاملة على ما تبقى من السلطات “التشريعية” في سوريا بعد تأسيس “الجبهة الوطنية التقدمية” وفرض إرادته على الأطراف المنضوية في الجبهة وتصميم برلمان “مجلس الشعب” يطابق مقاييسه وإصدار دستور تسلطي وإستبدادي يضع السلطة المطلقة بيد رئيس الجمهورية .

كما أن أحداث الثمانينات مكنت النظام من فرض سلطته المطلقة على كل منافذ الحياة في سوريا ، الأمر الذي أدى إلى توريث السلطة للرئيس الحالي بشار الأسد دون أي إعتراض علني .

وبهذا الصدد نحتاج إلى مجلدات كثيرة لكي نقف بصدق على كل ماجرى في تلك الفترات المتعاقبة من تاريخ سوريا.
وجاءت الثورة الشبابية السورية التي إندلعت منذ 15 آذار 2011 في كافة مدنها وفي سائر أرجائها وجلبت معها خريطة سياسية جديدة لبناء سوريا حديثة وطن الجميع وللجميع .

وما تسمية يوم الجمعة الماضية بيوم جمعة آزادي سوى سمة من سمات هذا التضامن الوطني للوطن بكل مكوناته العرقية والأثنية والمذهبية ، ورؤية شعبية ووطنية لسوريا المستقبل ، الأمر الذي يتطلب منا صيانتها وتعميقها في نفوسنا وحياتنا المستقلبية ، لكي لا نعيش مرة أخرة التشرذم وحياة الذل التي ذقناها طيلة العقود الماضية من الحرمان لأبسط حقوق الإنسان.
أما بصدد المؤتمر”للمعارضة السورية” في المهجر المرتقب في توركيا ، هناك نقطتان لابد الإشارة لهما ، وخاصة نحن نعايش معاً فترة حساسة ، وأي خطأ نرتكبه سيكلفنا ويكلف الأجيال القادمة معاناة طويلة ، وفي تاريخ الشعب الكوردي خاصةً والشعب السوري عامةً أمثلة كثيرة دفعنا ومازلنا ندفع أثماناً باهظاً لها.
أولاً: إختار توركيا دولة راعية لهذا المؤتمر
إن التحرك التوركي أصبح واضحاً في المنطقة وخاصة بعد حرب تحرير العراق من الطاغية صدام حسين وخروج توركيا من المشهد العراقي وخسارتها للملف الكوردي هناك .

كما أن توركيا تحاول سلوك في هذا المنحى مسارين سياسيين:
دولياًً تعمل توركيا من خلال هذا المؤتمر إلى إرسال إشارات في عدة إتجاهات منها إلى الإدارة الأمريكية وإطمئنانها بأنها “قادرة” على إدارة أزمات سياسية وتمثيلها في منطقة الشرق الأوسط.
سورياً تعمل توركيا من خلال هذا المؤتمر على خلق جو هدنة مؤقتة وإعطاء النظام السوري فرصة لقمع الشعب وترتيب وضعه من جديد ، بحيث إذا نجح النظام في لجم حصان الثورة الشعبية والشبابية كسب هذا النظام مستقبلاً أيضاً ، وخاصةً لإرتباطها مع النظام في سوريا بإتفاقات إستراتيجية منذ عام 1992 وحتى الآن (برغم التصريحات الظاهرية والشكلية لرئيس وزراء التوركي طيب رجب أردوغان الأخيرة حول الأحداث في سوريا) .

وإذا نجحت الثورة السورية فمن مصلحة توركيا رسم خريطة سياسية لسوريا المستقبل وفق أجندة توركية لا سورية وخاصة تحديد مستقبل الكورد فيها ، ولا تريد هنا إضاعة الفرصة كما فعلت في العراق سابقاً.
ولكن المراهنة على الحصان التوركي (الدور العثماني ومن يغنون في فلكه ولأمجاده التي أنتهت في فرساي في القرن الماضي وإلى الأبد) هو ركوض وراء السراب لأن فاقد الشئ لايعطيه .

وعليهم السؤال: إن كانت توركيا قادرة فعلاً على حل قضايا مصيرية في المنطقة ، كما تحاول إظهار ذلك ، فلماذا لم تحل حتى الآن ملفاتها الخاصة والحرجة ، وعلى رأسها القضية الكوردية منذ أكثر من قرون والقضية القبرصية منذ عدة عقود وقضايا حقوق الإنسان والمجتمع المدني وفق معايير كوبنهاغن والتي تمثل مؤهل لإنضمام إلى الإتحاد الأوروبي…الخ .
ثانياً إختار شخصيات كوردية دون الحركة الوطنية الكوردية
إن إلتجاء الجهات المنظمة للمؤتمر إلى شخصيات محددة دون سواها ، كما جرى في لقاء “معارضة السورية” الماضي في إسطنبول ، وعدم التوجه إلى العنوان الحقيقي للشعب الكوردي وهو الحركة الوطنية الكوردية ، بالرغم أن شباب الكورد أعلنوا صراحةً ومن خلال مظاهراتهم في المدن وبلدات الكوردية في سوريا ، بأنه لا ممثل شرعي للشعب الكوردي سوى الحركة الوطنية الكوردية.
كما أن إصرار توركيا والجهات التي تقف وراء تنظيم هذه المؤتمرات على تحييد الكورد ، سيشكلُ عملاً مدروساً ضد الحركة الوطنية الكوردية ومحاولة إخراجها من هذه الحوارات والعمل على رسم خريطة سوريا المستقبل بدونها .

في النهاية سيدل هذا التصرف على عدم صفوة وحسن نية الجهات الداعية للمؤتمر تجاه الشعب الكوردي في سوريا وإلتفافاً واضحاً على قضيته القومية الديمقراطية والوطنية بإمتياز ، وتدخلاً سافراً في الشأن الكوردي والعمل على شق الشارع الكوردي ووحدته.
وإن كان المقصود من الأخوة العرب إخراج الكورد وحركتهم الوطنية من هذه الحوارات ومحاولة الإلتواء على حل قضية الشعب الكوردي في سوريا ولا أمل ذلك ، فهذا تحولٌ خطير في سياسة بعض من أطراف المعارضة السورية “العربية” ، سيكون له عواقب كثيرة لايمكن التكهن بها حالياً وسيدفع الشعب السوري ثمناً غالياً له في المستقبل .

وبقناعتي لا أحد منا يريد سفك المزيد من دماء السوريين الأبرياء الغالية علينا جميعاً ، وإن الشعب السوري في ثورته الحالية تخطى هذا التشرذم وهذا التشتت السياسي ، وعبر عن هذا بشكلٍ جليل في مظاهرات جمعة آزادي الماضية في كل بقعة من الوطن ورسخ وحدته الوطنية ، وإن معادلة فرق تصد أصبحت في خبر كان.
وهنا قد يقول البعض إن باب الحضور لهذا المؤتمر مفتوحاً للجميع ولم يستثنى أحداً ، ولكن أن تُدعى لحضور مؤتمرٍ ما شئ وأن تكون من المنظمين له شئٌ آخر ، وللحركة الكوردية باع طويل في هذا الصدد.
ويبقى السؤال المطروح هنا ، ما هو الحل في الفترة الراهنة؟
إن الحوار بلا أدنى شك هو أفضل سبل لحل القضايا المستعصية ، ومن خلاله يمكن الخروج من هذا الوضع ووقف حمام الدم اليومي في الساحات والشوارع ، والعمل جميعاً على الإتفاق على برنامج عمل وطني وتوافقي وإنتقالي لكي نأسس معاً بنية متينة لوطننا و لمستقبل شبابنا.

ووفق قراءتي طلما أقرَ التحضير لهذا المؤتمر ، فعلى الجهة المنظمة سواء توركية أو معارضة سورية منها ، إن كانت جادة ، إستدراك الأمر ودعوة الحركة الكوردية للمشاركة فيه ، ليس فقد الدعوة للحضور بل المشاركة في لجنته التحضيرية وفي صياغة مسودة جدول عمل المؤتمر ووثائقه .

والكف عن محاولات وسياسات تهميش الشعب الكوردي وإستبعاد حركته الوطنية ، والعمل معاً لتأسيس قاعدة وطنية جديرة بصفة الشعب السوري ، للعمل على وضع سياسات إستراتيجية واضحة المعالم لسوريا المستقبل ، لإنتقال إلى دولة عصرية على مبدأ الحرية والمساواة والعدل ، طلما قررنا معاً بأن سوريا وطن لكل الأحرار ووطن الجميع وللجميع.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…