درعاغراد

إبراهيم يوسف

يكاد أحد لا يصدق البتة، أن مدينة كدرعا الأبية، باتت تحت الحصار، منذ ما يقارب الأسبوع، وهو حصار لايشبه حصار ستالينغراد1942 ، ولا حصار غزة 2008، لأن  المحاصر بكسر الصاد في الأولى كان ألمانياً، أثناء الحرب العالمية الثانية، وأنه في الثانية كان إسرائيلياً، بينما الحصار الذي يتم الآن هو حصار من نوع مختلف، إنه حصار يفترض أن يكون وطنياً.

لا أعرف كيف أن جنرالات الحصار الوطني، يستطيعون أن يقنعوا أبناءهم، وزوجاتهم بأن ما يقومون به منذ بضعة أيام، بل منذ أسابيع هو حرب مقدسة، شريفة، وأن القاتل والمقتول فيهما ليسا من وطن واحد، كما تفترض الوطنية في أنموذجها الحق،
 ما يدفع بمسوغي هذه الحرب الشعواء المسعورة، والمجنونة، واللئيمة، إلى أن يتنمروا على مواطن أعزل، لا يرفع في وجههم إلا أغصان الزيتون، والورد، وهو يواصل احتجاجه: ” سلمية..

سلمية…” ضد أي ضرب من التفريق، والتصنيف، اللذين ليسا من ألف باء روح مواطننا، الذي ظل طويلاً يوقن- وهي الحقيقة- أن كل أبناء هذا الوطن هم أفراد أسرة واحدة، لولا أن الأجندات السياسية الطارئة على ثقافته، لا تزال مصرة على فعلها التضليلي، من دون أن يكون لهذا الخطاب أي مستقبل في هذا البلد، وإن كانت الضريبة قد دفعت غالية من قبل بعض مواطنينا الكرد، نتيجة مؤامرات لا تزال تحاك منذ عقود، إلا أنه وفي كل المحطات أكد أنه – بالرغم من مطالبه الخاصة- وطني من الطراز الأول، وها بات الاستفراد الآن بأهلنا في درعا العز، ليتم” تأديب سوريا كاملة بهم، في عرف الجناة، الذين لا يفتؤون حصارها بكل شراسة، معتقدين أنهم بذلك يرفعون من أسهم بسالتهم، من دون أن يعرفوا بأنهم بكل رصاصة تطلق على صدر وجمجمة مواطن بريء إنما يطلقونها على وطنهم ، ليتقهقر في مواجهة أعدائه، وإن كانوا يفعلون ذلك تحت يافطات أخرى تزعم الوطنية وهي ليست في المحصلة إلا دفاع عن حفنة مكاسب ينالونها على حساب إفقار أبناء وطننا جميعاً.

إن الأنباء الواردة حول درعا تؤكد أن تنكيلاً بعيداً عن الأخلاق، والقيم، بل بعيداً عن الوطنية يتمّ في هذه المدينة الصامدة، بحق بنيها الأبرار، حيث لا تزال الجثث على قارعات الطرق، ملقاة، تفوح منها الروائح، بل إن هذه المدينة لما تزل تعيش مفردات الحصار الفعلي، الأرعن، الحصار الذي لا علاقة له بالوطنية، من قطع للماء والكهرباء والاتصالات والوقود والأدوية، بل والأغذية، والهواء….

أجل والهواء…..

، في ظل دخان الدبابات والأسلحة الرشاشة، وهو ذروة العار….أو حضيضه، ناهيك عن مداهمات البيوت، من قبل الملثمين، والاستمرار في إطلاق النار على الأبرياء، واعتقال المزيد من بنيها بغرض بثّ الرعب في هذه المدينة الوادعة التي هي أنموذج للوطنية والبسالة والكرامة والإنسانية، وهي تأبى وجود أي ضرب من الإرهابيين فيها- وتباً لهم إن وجدوا في أي مكان- وإن أمثال هؤلاء لا ينتمون إليها البتة، بل أن وجودهم افتراضي، لا ترجمة له على أرض الواقع، وهو ما يدفع إلى المطالبة بفكّ الحصار عن هذه المدينة، حالاً، والاعتذار عن أية نقطة دم سيلت فيها، ومحاكمة الجناة أية كانت مواقعهم، وإن كل ما تم فيها من قتل سواء للمدنيين أو للمجندين المساقين عنوة إلى حرب أهلية معلنة من طرف واحد، معني بحماية المواطن لا قتله، إن كل ذلك هو مسؤولية النظام ومن كان وراء الإيعاز إلى الدبابات والجيش لغزو المدينة، وإن ما يتم الحصول عليه من وثائق عبر أجهزة تصوير بدائية إنما تمثل الحقيقة التي تجري هناك، وإن كان مزور الإعلام كما هو معروف به منذ عقود، سوف يرمي بسوءته على الآخر، كمن يرمي قمامته الشخصية على إزار جاره النظيف، فلا أحد من بلدنا يرغب البتة في أن يكون هناك تدخل أجنبي في شؤوننا، ولا يوجد من بين شعارات الشباب السوري من قامشلي وحتى درعا من يطرح شعاراً غير وطني، بل إن من يوجه الدبابة لتدمير بلده، يسعى لتحقيق شعار ” علي وعلى سواي” المهزوم، والمأزوم، متصرفاً بجاهلية لم تعد تليق بروح العصر، في هذا العالم، الذي غدا-بحق- قرية واحدة، فإن رضى من يتوجه إلى صدره الرصاص هو من يمنحه الشرعية في أن يكون قائداًشرعياً في أي موقع.


ولقد خطر ببالي، لو أن  أخوة لنا في بلد آخر، غير سوريا، قد تعرضوا لما تعرض له أهلنا في درعا، لكان إعلام النظام يروح لتكذيب بدعة وجود “سلفيين إرهابيين” ولطالب بإيصال المؤن والغذاء والأدوية إليهم، ولتبارى ممن يسمون ببرلمانيينا لركوب البواخر لإيصال الأدوية والمساعدات إليهم، ولئلا أظلم “البرلماني” وحده، فإن ما أقوله عنه لينسحب على ممثل الحزب الجبهوي، في موقعه الرفيع، وهو يفكر بتعزيز مكانته في ما بعد درعا، وهو ما ينسحب على الوزير، وكل ساكت عن الجريمة النكراء في درعا، بل وأي جريمة إطلاق رصاص على مواطن… هو أشرف من قاتله ولا وجه للمقارنة بينهما البتة.
إن حصار درعا – بهذا الشكل- لطخة عار على جبين كل سوري، ومن هنا، فإن على كل إنسان سوري شريف أن يرفع صوته ، عالياً، ليجاهر بالحقيقة- ولا أقصد جوقة المنتفعين والببغاوات المأجورين- من أجل إيقاف حمام الدم في بلدنا، بل من أجل ألا يتمادى- القتلة- في غيهم، لأن أنموذج القاتل، من هذا النوع هو مستعد أن يضحي بثلاثة وعشرين مليون سوري، كي يبقى هو…..

هو وحده…، متخلصاً،في حربه الظالمة على أهله،من الأسلحة الكاسدة التي لم نستخدمها منذ ثلاثة عقود في أقل تقدير وحتى الآن…….

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…