مدرعات في درعا ودروع للمدينة الباسلة

 إبراهيم يوسف

لا تزال مدينة درعا الباسلة، تدفع ضريبتها غالية، عالية، بعد أن عبر بعض بنيها عن آرائهم  ببراءة، وكتبوا على جدران مدرستهم عبارات عفوية، أياً كان سببها، من دون أن يعلموا أنها ستكون عنوان “حرية بلد كامل”، بملايين سكانه التي تفوق العشرين، ممن طالما تم التعامل معهم ب” البوط” أنى كان هناك مطلب خارج ديباجة الولاء.
وإذا كانت شرارة الحرية الأولى، قد انطلقت من هذه المدينة، بعد أن تعرض بنوها لأشرس تعامل وحشي معهم، وهم يتقدمون بمطالبهم بكل روح وطنية،

ليسجل الجلادون الذين اعتدوا على براءة الطفولة والوطنية فيها أسماءهم في أسوأ سجلات الوحشية في العالم طراً، فإن دائرة هذه الشرارة سرعان ما انتشرت في عموم مدن سوريا، شبراً شبراً، شرياناً شرياناً، قلباً قلباً، وهي ترفض جميعها أن يلحق بها الضيم الذي كان العقل الأمني يهندسه، وفق معادلاته،المتجبرة، ونجح في ألاعيبه طويلاً، إلا أنه أعلن عن فشله الذريع، في هذه المرة، فلم يبق ثمة أحد يصدقه البتة، على طول البلاد وعرضها، إن لم يكن غارقاً في الغباء، أو والغاً في جريمة الفساد، وهو ما جعل الحقد الأمني ينصب على هذه المدينة الطاهرة، ليتم العمل  فيها  وفي شقيقاتها الكليمات، وربما المرشحات الأخريات- وما من إحداهن خارج هذه الترشيح-  في مابعد للذبح على نطع الاستبداد، ليتم العمل فيها على جبهتين للتنكيل بها وهي الصورة عن بانياس وحمص وجبلة وبقية مدننا الباسلات الجريحات:
أولاها جبهة الرصاصة التي تقتل المواطن الذي يسمّى في كل أنحاء العالم، وهو يطالب بحقه من الحرية “ثائراً”، إلا أنه يسمى في عرف مطلقي الرصاصة مندساً، متآمراً، خائناً إلخ ما في معجم العقل الأمني من تسميات ملفقة.


والثانية: جوقة من الإعلاميين والكاذبين الرسميين ومحللي الجريمة و الدم -لا السياسيين- ومعلقي الخنوع، ممن يستبيحون القتل، ويسوغون إطلاق اليد المجرمة، وتقديمها في مظهر يد الملائكة، كي يقدموا اليد التي تكسرها هذه الأجهزة الهاتكة الذابحة، في مظهر الإجرام، معتمدين بذلك على “الشبيحة” و عناصر الأمن والجيش،  من دون أي حس وطني لدى هؤلاء وآمريهم – أياً كانوا- لأن أي شخص يأمر بقتل مواطنه ليس بوطني، ولو كنت أنا الآمر أو أبي.

وإن هذه الجوقة من  المهرجين، من شأنها أن تبدع القصص الخيالية، الممجوجة على شاشة الرائي أو ورق الجرائد، وفضاء الإلكترون، من دون أي رصيد من أخلاق، أو ضمير أو حس وطني، لنكون تارة أمام ثوار” مندسين”أو مأجورين، وتارة أمام سلفيين، وهكذا، مع أن جوهر المشكلة هو أن حالة الاستبداد والقمع الممارسة بحق جماهير سوريا الأبية، دفعها ألا تقبل بما ألحق بها من ضيم،  وثمة من لا يقبل-بدوره بهذا الأمر، ويريد لآلة القمع أن تستمر، لأن في زوالها رفعاً لورقة التوت التي تسترعريّه.
ولعل اللجوء إلى الدبابة، معاذ الله – أبشع فعل إجرامي حين تستخدم للجم صوت المواطن- للدخول على ظهرها إلى مدينة  من الوطن ،ولتكن الآن: درعا، عنوة، وقصف البشر والشجر والحجر، وقطع الكهرباء والماء، والهواء……..

ومداهمة البيوت الآمنة، وانتهاك كرامة المواطن، لينحر في بيته، أو ترمي “جثته على قارعة الشارع” ويصل عدد هؤلاء إلى حوالي الأربعين في درعا وملحقاتها الثكلى، بعد أن منعت سيارات الإسعاف من ممارسة مهماتها، ليبلغ التنكيل أوجه، ولاسيما في ظل غياب دخول الإعلام الحر المدينة المحاصرة من قبل من يفترض أنهم حماتها-وهذه جريمة كبرى ضد إرادة الإنسانية- و الشروع بقطع الهاتف الثابت والمحمول” مع أنه لا يوجد في عقد اشتراك المواطن مع شركة الخليوي مثلاً بند يقضي بتسييس هذا الهاتف ومنع استخدامه في طلب دواء أو سيارة إسعاف أو إطلاق صرخة استنجاد من الموت وهو ما يستوجب محاكمة هذه الشركة أو تلك- مدعين بأن هناك “من” استنجد بالسلطات للإقدام على هذه الجريمة النكراء، وهي “أم أكاذيب” القاتل في هذا الحال، وأي جريح يستنجد كي يجهز عليه نهائياً؟!.
إن الإيقاع بين الجيش الوطني والمواطن، وزجّ هذا الجيش في مهمات غير مقدسة، ولا وطنية، ومحاولة خلق الفتن بين مواطنينا، للظفربكرسي الاستعباد، بعد أن صدأت الرصاصات في بيوت نار أسلحتنا – في انتظار اختيار الزمان والمكان المناسبين- رداً على انتهاكات بحق كرامة و حرمة الوطن، وسمائه، وترابه، وكان في أقلّ تقدير أن من واجب هذه الدبابات أن تتوجه لوضع حد لأقذر دكتاتور في العالم، وهو القذافي الذي يمارس هو الآخر في مجازر وحشية بحق أخوتنا وأهلنا الليبيين الذين -هرموا- تحت وطأة الاستبداد الذي لا يزال يحكمهم بقبضة من نار وحديد ودمار، منذ بضعة وأربعين عاماً من المهانة والإذلال والنهب.
وإذا كان العالم الحر يتفرج على آلة الذبح والدمار باسم الشعارات الوطنية، وهي تعيث عربدة ودماراً، بحق وطننا ومواطننا، فإن لا أحد وطنياً –في الداخل-يرضى بمثل هذه المقدمات، لجعل بلدنا ملعباً لأحذية الغزاة ، إلا أن ظهور صوت شاز كشافيز الذي اكتشفت “راداراته” لحى السلفيين وسروايلهم  ورائحة مؤامراتهم، في درعا، وغيرها، وهو هناك، ما يدعو ل” البصاق عليه”، وعلى تضامنه البشع، لأن التضامن هو مع الشعوب لأنها الأبقى .
إن أية طلقة تطلق على صدر أو جمجمة مدني سوري أعزل، أو عسكري بريء، فهي تطلق على أبناء سوريا، من أقصاها إلى أقصاها، وهي تطلق على مستقبل” كرسي” من يفتعل هذه الجريمة ليواري فساده وعربداته.
من هنا، فإن الحكمة والعقل يقتضيان بأن نرفع بأعلى أصواتنا قائلين: كفى لحمامات الدم التي يعدها العقل الأمني في عدد من مدننا المستباحة، وهذا ما يؤكد يوماً بعد يوم، أنه عقل أحمق، أهوج، ظالم، سفاح، ولا علاقة له بمستقبل الوطن، وإنما يفعل كل ذلك من أجل مستقبل الاستبداد الذي يرفضه بلدنا، ولا مكان له بعد الآن بيننا، فالثورة السورية تصوغ نشيدها، وما على أي مجرم إلا أن يسمع، لأن من يقرر سيادته هو الشعب السوري، بكل أشكال فسيفسائه، وليس حفنة من اللصوص الذين يلغون في دمائنا وحريتنا وأرواحنا… فكفى….!

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…