عن دور الأكراد في التحول السوري

شيرزاد اليزيدي *

   مع إرهاصات الثورة الشعبية السورية من درعا ضد السلطة البعثية وقمعها في درعا وغيرها من مدن وبلدات، كثر الحديث عن سبب عدم مشاركة الأكراد بفعالية في هذه الموجة الاحتجاجية.

هذا علماً أن الأخيرة اذا ما تواصلت وتوسعت، فستتحول ولا ريب الى ثورة كبرى تعم ارجاء الوطن السوري وفي مقدمه كردستان السورية التي كانت سباقة في الانتفاض الشعبي.

لكنْ، لماذا غاب الحضور الكردي هذه المرة، يتساءل البعض؟
بداية لا حاجة الى التأكيد ان الاكراد يشاركون قلباً وقالباً السوريين المنتفضين توقهم الى الحرية والكرامة والعدالة، وهم سيكونون في طبيعة الحال رقماً صعباً في معادلات الثورة على الاستبداد.

لكن ما لم تتبلور ملامح ثورة شعبية عامة ضد النظام، لا سيما على صعيد الشارع العربي السنّي (ولنسمّ الامور بأسمائها) في مدنه الكبرى فضلاً عن العاصمة دمشق، فإن تحرك الشارع الكردي قد يشكل فرصة ذهبية للنظام للحصول على مشجب يعلّق عليه أفعاله القمعية بحق الجماهير المنتفضة، أكان في كردستان سورية او باقي المناطق السورية.

وعليه، فالتحرك الكردي سيتبلور في حال حصول تحرك وطني عام كي لا يستفرد النظام بالأكراد ويحرض عليهم ويعمل مجدداً على افتعال صراع عربي – كردي.
نعم، الاكراد في طليعة المطالبين بالتحول الديموقراطي والمستفيدين منه، اذ إن تحولاً كهذا لا بد من ان يترافق مع اقـرار حـل ديـمـوقراطي عادل لقضيتهم.

لكن لا ينبغي اعطاء النظام اوراقاً مجانية ليتاجر بها ويحاول الخروج من الازمة الوجودية التي تطبق عليه.

فللمرة الأولى ينتفض الشارع العربي السوري، وهذا بحد ذاته تطور نوعي بالغ الاهمية.

وهنا يراهن الاكراد على اتساع رقعة هذا التحرك وشموليته تماماً كما فعلوا هم سابقاً وكما هم مستعدون لفعله مجدداً.


ولعل في تجربة كردستان العراق دروساً بليغة ينبغي على اكراد سورية الاستفادة منها والأخذ بها في هذه اللحظة التاريخية التي تمر بها منطقتنا.

فأكراد العراق لم ينتفضوا في 1991 إلا تزامناً مع انتفاضة الجنوب الشيعي، خصوصاً ان المناطق السنية العراقية لم تكن في وارد الانتفاض اصلاً، ما اضفى طابعاً وطنياً عاماً على تلك الانتفاضة العظيمة التي ليس من المبالغة القول إنها أسـسـت لـسـقوط نـظام صدام ولو بعد حين.
فما لم تحرك دمشق وحلب ساكناً، فإن درعا او القامشلي او اي مدينة طرفية اخرى لن تتمكن من التأسيس لثورة كبرى شاملة ضد النظام.

ولنا في تجارب الثورات الشعبية العربية خير مثال: فالقاهرة قادت الثورة، وفي ليبيا قادتها بنغازي المدينة الثانية بعد العاصمة طرابلس.

فعندما تنتفض الشعوب بمئات الآلاف وبالملايين في شوارع المدن الكبرى المسلطة عليها أضواء العالم كله، عند ذاك تعجز آلة القتل والقمع السلطوية عن الايغال في ارتكاب جرائمها، بخاصة اننا في عصر الصورة والانترنت وسقوط السرديات الأيديولوجية الاستبدادية.
والحال ان اكراد سورية يعون مصالحهم وحقوقهم، وهم لن يكونوا كبش فداء او ورقة في يد أحد: لا السلطة المستبدة ولا بعض قوى معارضتها التي إن استتب الامر السلطوي لها لن تكون افضل من النظام، بخاصة في ما يتعلق بالقضية الكردية.
ولن يطول الامر كثيراً حتى ينتفض الاكراد، ليس بقرار من أشباه الاحزاب الكردية المصطنعة، والتي لو اجتمعت بمجلسيها العرمرميين، السياسي والعام، فإنها بالكاد تستطيع تسيير تظاهرة من بضعة آلاف.


فالشارع السياسي الكردي في سورية، بحنكته وتمرسه النضاليين الديموقراطيين، سينتفض وفق تقديراته لتوقيت بدء هذا التحرك وأشكاله وطروحاته، مرتكزاً الى إرث انتفاضة آذار (مارس) التاريخية التي كان لها الفضل في كسر ذاك الجدار الرهيب، جدار الخوف والسلبية الذي بنته السلطة.

* كاتب كردي.

دار الحياة

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اعتبر الزعيم الكوردي رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني، يوم الجمعة، أن الارضية باتت مهيأة لإجراء عملية سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط للقضية الكوردية. جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال انطلاق أعمال منتدى (السلام والأمن في الشرق الأوسط – MEPS 2024) في الجامعة الأمريكية في دهوك. وقال بارزاني، في كلمته إنه “في اقليم كوردستان، جرت الانتخابات رغم التوقعات التي…

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…