سوريا و ضرورة المعالجة السياسية

د.

صلاح درويش

لاشك إن من يقوم بما يجري في سوريا كما في باقي الدول العربية هم شباب الفيسبوك ، و لا شك إن لديهم كما لدى شباب الدول العربية الأخرى إمكانات جيدة بالتعامل مع ذلك و خبرة في ميدان تحريض الشارع ، و هم من يحددون زمان و مكان الهبات أو الانتفاضات أو الثورات ,

و أثبتت التجارب إن تعامل الأنظمة مع هؤلاء صعب و معقد ، و في كل مرة يعرضون الأنظمة إلى الخسارة ، و تبقى انتصاراتهم دون مستوى تضحياتهم و طموحهم ، فما هي الأسباب و المبررات التي أدخلت هؤلاء الشباب إلى الساحات السياسية بهذه القوة ؟ و ما هي الأسباب التي تجعل من السلطات غير قادرة على المواجهة و تلبية متطلباتهم ؟ و ما هي الأسباب التي تجعل المعارضة السياسية غير مواكبة للأحداث بشكل كاف ؟
ترجع احد الأسباب الرئيسية للأسئلة السابقة إن السلطة المتمثلة في حزب البعث أعطت لنفسها الحق في قيادة الدولة و المجتمع من خلال الدستور  السوري الذي سن هكذا قانون ، و أبقت طوال عقود من الزمن تعمل على إلغاء الآخر ،  مستخدمة السلطة و الثروة اللتان تتحكم بهما ، و مارست جميع أساليب القمع و الملاحقة خدمة لهذا الغرض ، و أفقدت بذلك القوى السياسية المعارضة الكثير من قواها الجماهيرية و التنظيمية و أبقتها ضعيفة في الساحة السياسية ، بالرغم من إن وجود قوى معارضة سليمة و قوية هي حاجة ضرورية و خاصة في مثل هذه المرحلة التي تعيشها سورية ، كي تشارك هي أيضا فيما يجب فعله لتجنيب البلاد من ويلات و هزات محتملة .
و بقيت السلطة وحيدة في معالجاتها الخاطئة لهذه الأزمات ، لا شريك لها في التلاقي و الحوار ، و لا قوة إلى جانبها في دراسة أسباب الحدث و كيفية التعامل معه .
ففي الوقت الذي تغيب الخبرة لدى النظام في فهم الحدث و معالجته ، تبدأ من جديد بالتعامل معها كما تعاملت مع القوى السياسية المعارضة ، و هذا هو الخطأ الكبير ، فشباب الفيسبوك ليسوا قوى سياسية ، و الزمان ليس إلى جانبها في كل مرة .
و هنا يتخبط النظام في رؤيته ، فريق يصفق و لا يأبه بما يحدث و يتصرف بدون مسؤولية و همه الوحيد الانتعاش في أجواء الفساد ، و آخر ربما يفهم المطلوب منه ، لكنه غير قادر على فعل شيء .
و تعقيدات هذا الموضوع تكمن فيما يلي : إذا كانت السلطة جادة في إيجاد مخرج من الأزمة ، فذلك لن يكون عن طريق الاستماع إلى أولئك المصفقين الذين تقوم هذه الثورات ضدهم ، و الذين أوصلوا البلاد إلى هذا الوضع الخطير ، و هذا ما نلاحظه حتى الآن ، بل يجب التوجه إلى الاستماع إلى الصوت الآخر و هي المعارضة السورية عربا و كردا و آثوريين و التحاور معها ، إضافة إلى شباب المرحلة .
و بالرغم من أهمية هذا الحوار و ضرورته فإن من المنطقي القول إن هؤلاء الذين قمعوا و غيبوا لعقود من الزمن ليسوا هم من يحرك الشارع و يهدئه ، لأن ممارسات النظام تجاههم هدفت أولا و أخيرا إلى إخراجهم من الساحة السياسية و إبعادهم عن الجماهير و الشباب .
إذ إن البعث هو من احتكر السلطة و الثروة و معه بعض الأحزاب في الجبهة الوطنية التقدمية و ارتضى لنفسه أن يكون وحيدا في قيادة الدولة و المجتمع ، هو و الأحزاب المؤتلفة معه مسؤولون بالدرجة الأساسية أمام الوطن و الشعب  تجاه ما يجري ، لأن الآخرين غيرهم مبعدين عن المشاركة في القرار السياسي .
إن الحزب الذي لا يرضى بشركاء حقيقيين له في القرار ، لا شك أنه ليس من أنصار الحوار مع الآخر ، و لذلك نرى معالجاته إلى الآن تقتصر عمليا على القمع ، و نعت الشباب المنتفض بشتى النعوت ، كما نعتت طوال مراحل حكمه المعارضة السياسية بنعوت مثل خطر على امن الدولة ، إضعاف الشعور القومي ، الارتباط مع الخارج .

و إن نظرة متأنية إلى هؤلاء الشباب و مطالبهم المتمثلة بالحرية كهاجس رئيسي ، إنما يدل بما لا يدع مجالا للشك بان المطلب سوري داخلي بامتياز ، فهو مطلب قديم تفاعل معه الشارع هذه المرة نتيجة ما جرى في محيطه الإقليمي ، فإذا اعترفنا إن المطلب داخلي في جوهره ، فإن المعالجة تكون داخلية حتما من خلال مراجعة نقدية سريعة تضع في الحسبان عدم جدوى الاستمرار في المعالجات الأمنية و اللجوء إلى قرار سياسي جريء يهيئ الأجواء لحوار وطني شامل هدفه حماية الوطن و خدمة المواطن ، و إذا كانت هناك أيادي خارجية في تحريك الشارع السوري كما تقول السلطة ، فإن العمل على تعزيز الوحدة الوطنية يصبح أكثر إلحاحا ، و بالتالي فإن الحوار الوطني الشامل يصبح مسألة لا تحتمل التأجيل .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اعتبر الزعيم الكوردي رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني، يوم الجمعة، أن الارضية باتت مهيأة لإجراء عملية سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط للقضية الكوردية. جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال انطلاق أعمال منتدى (السلام والأمن في الشرق الأوسط – MEPS 2024) في الجامعة الأمريكية في دهوك. وقال بارزاني، في كلمته إنه “في اقليم كوردستان، جرت الانتخابات رغم التوقعات التي…

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…