سورية: إصلاح النظام الأمني

عبد الرحمن الراشد

اختفت ابتسامات الفرح والشماتة، تلك التي صاحبت أيام سقوط الرئيسين التونسي والمصري، هللت للحدثين الجللين المجالس الرسمية والإعلامية في سورية وإيران، وتعجل السيد حسن نصر الله بإلقاء خطبة مجلجلة فرحا بما أصاب حسني مبارك من مذلة بطرده من الرئاسة المصرية، وأقيمت الاحتفالات ابتهاجا بإفلات عملاء حزب الله الذين كانوا مسجونين في مصر بتهمة التآمر لتنفيذ عمليات إرهابية.
وها هي سورية تشتعل بالمظاهرات والهتافات التي تصم الآذان، تندد بنظامها وبإيران وحزب الله أيضا، وبالتالي لم يعد أحد معصوما من أحداث الحاضر الرهيبة.

ولم يعد أحد يحتاج إلى وعظ الآخرين، لأن الدروس كثيرة والذين لا يعجلون بمسايرة العالم الجديد مهددون.

المعضلة الوحيدة أن الذين اعتادوا على امتلاك كل شيء يصعب عليهم التنازل عن أي شيء.

هذه كانت معضلة الرئيسين المصري والتونسي، اللذين عز عليهما تقديم تنازلات صغيرة مبكرا، حتى «وقع الفأس في الرأس» وخسرا كل شيء.


الوضع في سورية أصعب وأخطر، لأن النظام يرفض فكرة التنازل، ربما غير مدرك بعد حجم الخطر الذي يحيط به ومتشبث بقراءة الحدث على أنه تدبير خارجي، تماما كما فعل السابقون الذين فقدوا كل الحكم.

الأزمة مخطط لها في الخارج، وبالتالي الحل يصدر إلى الخارج.

إن صواريخ حماس على إسرائيل لن تمنح ما يكفي من الدخان لحجب أدخنة الحرائق في درعا وبقية الحواضر السورية.

وبدل البحث عن مخرج في غزة أو العراق أو لبنان، على النظام السوري أن يعالج المشكلة داخليا؛ حيث لا يزال هناك وقت كاف للمصالحة بالاستجابة لبعض المطالب الرئيسية.

لا يزال معظم المتظاهرين يتحاشون استخدام عبارات المطالبة بإسقاط النظام لأنهم يفضلون عدم الانجرار نحو الانهيار، ومع التصالح وفق صيغة جديدة تحافظ على أركان المعبد.


المشكلة الرئيسية كما عبر عنها كثيرون في الحالة السورية هي أجهزة الأمن الشرسة التي دون إصلاحها لن تتوقف المطالبات، وسيتدهور الوضع في سورية إلى نقطة اللاعودة.

المطلب في سورية يختلف عما نادى به المتظاهرون في تونس ومصر واليمن والبحرين.

المطلب إنهاء حالة الاستبداد الأمني التي استشرت كثيرا.

وكلنا ندرك أن الحديث عن إصلاح الأمن السوري يكاد يكون أصعب من المطالبة حتى بإسقاط النظام، إنما الناس صريحة في هدفها بإصلاح المؤسسة الأمنية التي هي في هيكلتها وممارساتها نسخة عن الأنظمة الأمنية الشرق أوروبية في زمن الاتحاد السوفياتي.

لقد تسببت شراسة تلك الأجهزة في إغضاب شعوبها وإسقاط أنظمتها منذ عقدين، وهي مماثلة أيضا لأنظمة صدام حسين التي جلبت عليه شرور العالم.

إن إصلاح النظام الأمني السوري سيدخل النظام في عالم أكثر تصالحا ويفتح النوافذ المغلقة منذ أربعة عقود على كل الأصعدة من إدارة الحكومة إلى تطوير الاقتصاد، وبالطبع إنهاء حالة الاضطهاد والسجون.



alrashed@asharqalawsat.com

الشرق الأوسط

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…