هيبت بافي حلبجة
إن العلاقة الجدلية التي تحكم الأشياء في طبعها وطبائعيتها لاتكمن ، على الإطلاق ، في واحديتها ولا في وحدة الإئتلاف فيما بينها ، إنما في السمة السائدة ، ذات العلاقة الوحيدة المستحكمة في مفهوم التناقض ، والتي لاتقف عند حد البنى التحتية ، بل تتجاوزها لإنجاب الوعي المرادف وتمثيله في ما بعد تمثيلها ، هي بالذات .
كما إن هذه العلاقة الجدلية لاتظهر على السطح دائماُ ، بل هي تبقى على الأرجح مثل اللاشعور المعرفي ، يرانا ونحن لانراه ، يتجسد فينا كما يتجسد الضوء في الظلام ونحن نعتقد ، بل نحن واثقون كل الثقة ، كالأغبياء ، من إننا أحرار مدركون ، الإدراك كله ، لقوة النفاذ إلى (الحقيقة) ، وكأننا جزء سرمدي من الوعي الذي يتأبد ويقهر التناقض ويهشم السمة السائدة و يهرس تلك العلاقة الجدلية ،
كما إن هذه العلاقة الجدلية لاتظهر على السطح دائماُ ، بل هي تبقى على الأرجح مثل اللاشعور المعرفي ، يرانا ونحن لانراه ، يتجسد فينا كما يتجسد الضوء في الظلام ونحن نعتقد ، بل نحن واثقون كل الثقة ، كالأغبياء ، من إننا أحرار مدركون ، الإدراك كله ، لقوة النفاذ إلى (الحقيقة) ، وكأننا جزء سرمدي من الوعي الذي يتأبد ويقهر التناقض ويهشم السمة السائدة و يهرس تلك العلاقة الجدلية ،
بل وكأننا ذاك السر الدفين في الذات الإلهية ، كذروة الإئتلاف في مبدأ وحدة الوجود .
وإذا كانت هذه العلاقة الجدلية لاتظهر ، لاتستبان ، فلإن ، من زاوية أولى ، وعينا ليس جزءاُ من التاد الصيني ،ولا من دهارما في الفلسفة الهندية ، ولا من اللوغوس الهيراقليطيسي ، ولا من النوس الأناكساغوراسي ، إنما هو وعي للتاريخ البشري ، ليس مفارقاُ عنه ، وعي للتجربة الإنسانية كبعد مولود منها وبها لكنه فاعل ينجب ، كألوحدة في اللاكثرة ، كأللاكثرة في الواحد ( بعكس ما أعتقد لالاند ، وليفي شتراوس) ، ومن زاوية ثانية ، الوعي البشري مسكون ، للأسف ، وربما من حسن الحظ ، بالمكان ، مقهور بأبعاده ، منتهك بمكنوناته ، مستباح بأجتياحه ، ومن زاوية ثالثة ، الوعي الإنساني تكاملي وليس تفاضلياُ ، وهذه هي السمة والخاصية الأكثر سلبية في ماهيته ، والأكثر قبحاُ وشناعة في آدائه ، وفي اتساقه .
إن هذه الزوايا الثلاثة تميط اللثام عن مدى الغبن والإجحاف اللذان لحقا بالعلاقة الجدلية على يد فيلسوفين ، أحدهما ، كبير وهو هيجل ، والثاني ، أقل شأواُ وعظمة منه ، لكنه لايقل أجتهاداُ ، وهو هربرت ماركيوز .
فالأول ، أي هيجل ، أخضع بصفة مطلقة مفهوم العلاقة الجدلية لمحتوى الفكرة المطلقة ، وجعله وسيلة لتطور هذه الفكرة ، بحيث أمسينا إزاء الأنتقال من مقولة إلى أخرى بأصطناع حالة سيولية لاتمت إلى الحالة الوقائعية الفاعلة ، حسب تعبير جان بول سارتر ، وكأننا إزاء تاريخ الفكرة نفسها لبلوغ العقل الكلي أو الوعي المطلق .
أما الثاني ، أي هربرت ماركيوز ، فقد سعى جاهداُ إلى إنقاذ العلاقة الجدلية من التهيش الباهت بتقويم مسارها لدى سيده هيجل ، ومنحها شيئاُ من أبعاد الفلسفة و التاريخ والتمازج فيما بينهما ، بل حتى التماهي ، إلا إنه حينما أجتهد بإضافة منطوق الوعي ، أضحى فريسة لهذه الثلاثية (الفلسفة ، التاريخ ، الوعي) ، وأنكمش ضمن إشكالية الوعي السلبي ، فغدا التاريخ لديه تاريخ الأستلاب ، والفلسفة لديه هي فلسفة النفي ، والوعي كبح وأبطل لديه الحيوية المفترضة للعلاقة الجدلية .
وفي الجانب الآخر ، المعاكس ، لتأصيل هذه المسألة ، برز كارل ماركس وصاحبه أنجلس ، وكل من غرامشي ، وأرنستو كلاو ، ومهدي عامل .
لم يدرك كارل ماركس ولاصاحبه أنجلس ، في البداية ، الدور الوظيفي المناط بالعلاقة الجدلية ما بين الموضوع والمحمول ، أو الدور التاريخي في الأنتقال من مرحلة أدنى إلى مرحلة أعلى ، وحينما أدركا عظمة ووظيفة هذه المقولة ، أدركا بالتوازي وبصورة أفضل أرتباط المقولات السابقة فيما بينها ، لأنها ترسخت ، لديهما ، على قاعدة أكثر (تاريخانية ، فلسفية ، علمية) ، وتأكدا فيما بعد إن المقولة الوحيدة التي كانت تنقذهما ، على طول المتقاطعات ، هي الأستغلال .
أما غرامشي فقد أضفى إليها شيئاُ من العلمية في أدراك عظمة هذه العلاقة من خلال مفهوم الوظيفة الإفرازية لطبقات (وشرائح) المجتمع ، وأما أرنستو كلاو فقد أستكشفها من خلال محتوى مقولة القمع ، وأما مهدي عامل فقد أستنطقها من خلال تناقضات الواقع الفعلي .
وهذا المحتوى الإيجابي والأكيد للعلاقة الجدلية ، فيما يتعلق بالأحداث (الثورات) التي تجتاح الآفاق العربية ، هو مايبدو غائباً في ذهن المفكر العربي .
هذا الذهن الذي يسعى خطأ إلى ربط (هذه الثورات) سواء بإحدى هذه المفاهيم أو كلها مجتمعة (الفقر والجوع ، العطالة والبطالة ، القمع والعنف ، الأستبداد والظلم ، القهر والضغط ، الغبن والإجحاف) أو (عدم وجود أصلاحات ، تطبيق حالة الطوارىء ، عدم وجود قوانين للأحزاب ، عدم وجود تقنين للحريات العامة ، الأعتقالات التعسفية) أو (السلب والنهب ، أستشراء الفساد ، المحسوبية ) أو ( السياسة ومضامينها ومجالاتها المتعددة والمتباينة بالمعنى المحض لها) أو (أحتجاز كرسي الحكم إلى الأبد) .
من المؤكد إن هذه العوامل جميعها مجتمعة ، أو بصورة متفرقة ، ساهمت وتساهم في نفي العلاقة ما بين السلطة والنظام وبين مجمل شرائح المجتمع وأطيافه وفئاته ، لكن الذي يجري على الساحة العربية الآن تحديداُ يتعدى هذه الأمور رغم أهميتها القصوى بل القاتلة ، لإن العلاقة هنا هي علاقة تبادل ، توازن ، مقادير كمية ، فعل ورد فعل ، لاترتقي إلى مستوى العلاقة الجدلية التي هي جزء أصيل من فحوى الحدث وقيمته الإدراكية ، لذلك كيلا نغدر بها نحن ، نعتقد إنها ، أي العلاقة الجدلية ، في الحدث (الثورات) تماهت وتتماهى من ثلاثة مسائل هي ، المسألة الأولى ، إن الشعور العربي حايث كلياُ حالة الأغتراب ليس في مكنوناته ، إنما في كينونته ، فهو في الحقيقة لايتمرد على (السلطة والنظام) فقط ، إنما هو يتمرد قبل ذلك على ذاته ، على فشله التاريخي ، على تبعيته المقيته ، لذلك تصرف (ولم يقرر ، لإنه أصلاُ لايستطيع أن يقرر ، ومن هنا لم يدرك المفكر العربي عمق الحدث ) كي يقطع مع الحاضر على كافة الصعد ، السياسية ، الأجتماعية ، المعرفية ، الفكرية ، وكأن المسألة أنتقلت من مرحلة التراكم الجيولوجي (التعويض الأجتماعي ، السياسي ، الإقتصادي) إلى مرحلة التعويض الجيولوجي (أريد ذاتي حية ، أريد كليب حياً) ، ومن هنا تحديداً ، هو يرفض مفهوم الإصلاحات ، وينادي بإزاحة رأس السلطة ، ونظام السلطة ، وإنشاء دستور جديد ، لإن كل المعطيات الأخرى (الديمقراطية ، حقوق الأنسان ، الحريات العامة ، العيش بكرامة ..
ألخ ) ستحقق بعد أن تتحقق الأمور الثلاثة السابقة .
فإعادة الحياة إلى المستقبل (والذات المستلبة) لامحيص من إيقاف الحاضر أولاُ .
المسألة الثانية ، إن اللاشعور العربي العام (اللاشعور النفسي الفرويدي ، اللاشعورالمعرفي – جان بياجه ، اللاشعور العام اليونغي) قد تهدمت وأنهشمت مرتكزاته ، وولج ، هو ، في مرحلة الموت السريري ، ليبلغ نقطة اللارجوع ، نقطة التي عندها لم يعد له أي تأثير على النظام العام ولا على تحديد مقومات العقل ، المنطق ، ولا على أبعاد تحديد الهوية ، لذلك فإن التمرد لم يخضع للمقايسة ، ولا لمفهوم الشرط ، ولالمحتوى الركن ، ولا للأساليب السياسية المعهودة ، ومن هنا بالذات كان التمرد ضد (المعارضة) مثلما هو ضد ( النظام القائم) ، ضد السياسة ، ضد الفكر ، ضد السوسيولوجيا ، ضد التاريخ ، ضد الكل لولادة الكل ، لولادة لاشعور جديد ، (قد يستغرق لأكتماله عدة قرون) ، وليس أدل على ذلك من ، أولاُ ، إن هذه الثورات بدأ بها أناس (فتيان) لا لون سياسي لهم ولا إتجاه معرفي مسبق ، هم فتية يصرخون من الأعماق ، يصرخون وكفى ، يصرخون صرخة من اللاشعور ضد اللاشعور ، ثانياُ ، إن (النظام ، والأجهزة الأمنية ، والشرطة) يعترفون بضرورة (الإصلاحات ) حتى لو كان ذلك نفاقاُ ودجلاُ ، والآن لو بقي القذافي ، وصالح ، ورجع مبارك و بن علي إلى دست الحكم ، فإنهم سيكونون (أشباه ثوار) .
المسألة الثالثة ، إن الغرب الرأسمالي لايستطيع ، ولم يستطع إلا أن يتعامل مع الأحداث وفقاً لمعادلات مغايرة ، لإن الواقع جديد ، ولبروز عنصر جديد ، عنصر يغاير القديم ، عنصر لم يكتمل بعد ، لكنه قادم بكل ثقة ، بكل موضوعية ، وبصورة بنيوية ، عنصر صادر الحاضر لمصلحة المستقبل ….
وإذا كانت هذه العلاقة الجدلية لاتظهر ، لاتستبان ، فلإن ، من زاوية أولى ، وعينا ليس جزءاُ من التاد الصيني ،ولا من دهارما في الفلسفة الهندية ، ولا من اللوغوس الهيراقليطيسي ، ولا من النوس الأناكساغوراسي ، إنما هو وعي للتاريخ البشري ، ليس مفارقاُ عنه ، وعي للتجربة الإنسانية كبعد مولود منها وبها لكنه فاعل ينجب ، كألوحدة في اللاكثرة ، كأللاكثرة في الواحد ( بعكس ما أعتقد لالاند ، وليفي شتراوس) ، ومن زاوية ثانية ، الوعي البشري مسكون ، للأسف ، وربما من حسن الحظ ، بالمكان ، مقهور بأبعاده ، منتهك بمكنوناته ، مستباح بأجتياحه ، ومن زاوية ثالثة ، الوعي الإنساني تكاملي وليس تفاضلياُ ، وهذه هي السمة والخاصية الأكثر سلبية في ماهيته ، والأكثر قبحاُ وشناعة في آدائه ، وفي اتساقه .
إن هذه الزوايا الثلاثة تميط اللثام عن مدى الغبن والإجحاف اللذان لحقا بالعلاقة الجدلية على يد فيلسوفين ، أحدهما ، كبير وهو هيجل ، والثاني ، أقل شأواُ وعظمة منه ، لكنه لايقل أجتهاداُ ، وهو هربرت ماركيوز .
فالأول ، أي هيجل ، أخضع بصفة مطلقة مفهوم العلاقة الجدلية لمحتوى الفكرة المطلقة ، وجعله وسيلة لتطور هذه الفكرة ، بحيث أمسينا إزاء الأنتقال من مقولة إلى أخرى بأصطناع حالة سيولية لاتمت إلى الحالة الوقائعية الفاعلة ، حسب تعبير جان بول سارتر ، وكأننا إزاء تاريخ الفكرة نفسها لبلوغ العقل الكلي أو الوعي المطلق .
أما الثاني ، أي هربرت ماركيوز ، فقد سعى جاهداُ إلى إنقاذ العلاقة الجدلية من التهيش الباهت بتقويم مسارها لدى سيده هيجل ، ومنحها شيئاُ من أبعاد الفلسفة و التاريخ والتمازج فيما بينهما ، بل حتى التماهي ، إلا إنه حينما أجتهد بإضافة منطوق الوعي ، أضحى فريسة لهذه الثلاثية (الفلسفة ، التاريخ ، الوعي) ، وأنكمش ضمن إشكالية الوعي السلبي ، فغدا التاريخ لديه تاريخ الأستلاب ، والفلسفة لديه هي فلسفة النفي ، والوعي كبح وأبطل لديه الحيوية المفترضة للعلاقة الجدلية .
وفي الجانب الآخر ، المعاكس ، لتأصيل هذه المسألة ، برز كارل ماركس وصاحبه أنجلس ، وكل من غرامشي ، وأرنستو كلاو ، ومهدي عامل .
لم يدرك كارل ماركس ولاصاحبه أنجلس ، في البداية ، الدور الوظيفي المناط بالعلاقة الجدلية ما بين الموضوع والمحمول ، أو الدور التاريخي في الأنتقال من مرحلة أدنى إلى مرحلة أعلى ، وحينما أدركا عظمة ووظيفة هذه المقولة ، أدركا بالتوازي وبصورة أفضل أرتباط المقولات السابقة فيما بينها ، لأنها ترسخت ، لديهما ، على قاعدة أكثر (تاريخانية ، فلسفية ، علمية) ، وتأكدا فيما بعد إن المقولة الوحيدة التي كانت تنقذهما ، على طول المتقاطعات ، هي الأستغلال .
أما غرامشي فقد أضفى إليها شيئاُ من العلمية في أدراك عظمة هذه العلاقة من خلال مفهوم الوظيفة الإفرازية لطبقات (وشرائح) المجتمع ، وأما أرنستو كلاو فقد أستكشفها من خلال محتوى مقولة القمع ، وأما مهدي عامل فقد أستنطقها من خلال تناقضات الواقع الفعلي .
وهذا المحتوى الإيجابي والأكيد للعلاقة الجدلية ، فيما يتعلق بالأحداث (الثورات) التي تجتاح الآفاق العربية ، هو مايبدو غائباً في ذهن المفكر العربي .
هذا الذهن الذي يسعى خطأ إلى ربط (هذه الثورات) سواء بإحدى هذه المفاهيم أو كلها مجتمعة (الفقر والجوع ، العطالة والبطالة ، القمع والعنف ، الأستبداد والظلم ، القهر والضغط ، الغبن والإجحاف) أو (عدم وجود أصلاحات ، تطبيق حالة الطوارىء ، عدم وجود قوانين للأحزاب ، عدم وجود تقنين للحريات العامة ، الأعتقالات التعسفية) أو (السلب والنهب ، أستشراء الفساد ، المحسوبية ) أو ( السياسة ومضامينها ومجالاتها المتعددة والمتباينة بالمعنى المحض لها) أو (أحتجاز كرسي الحكم إلى الأبد) .
من المؤكد إن هذه العوامل جميعها مجتمعة ، أو بصورة متفرقة ، ساهمت وتساهم في نفي العلاقة ما بين السلطة والنظام وبين مجمل شرائح المجتمع وأطيافه وفئاته ، لكن الذي يجري على الساحة العربية الآن تحديداُ يتعدى هذه الأمور رغم أهميتها القصوى بل القاتلة ، لإن العلاقة هنا هي علاقة تبادل ، توازن ، مقادير كمية ، فعل ورد فعل ، لاترتقي إلى مستوى العلاقة الجدلية التي هي جزء أصيل من فحوى الحدث وقيمته الإدراكية ، لذلك كيلا نغدر بها نحن ، نعتقد إنها ، أي العلاقة الجدلية ، في الحدث (الثورات) تماهت وتتماهى من ثلاثة مسائل هي ، المسألة الأولى ، إن الشعور العربي حايث كلياُ حالة الأغتراب ليس في مكنوناته ، إنما في كينونته ، فهو في الحقيقة لايتمرد على (السلطة والنظام) فقط ، إنما هو يتمرد قبل ذلك على ذاته ، على فشله التاريخي ، على تبعيته المقيته ، لذلك تصرف (ولم يقرر ، لإنه أصلاُ لايستطيع أن يقرر ، ومن هنا لم يدرك المفكر العربي عمق الحدث ) كي يقطع مع الحاضر على كافة الصعد ، السياسية ، الأجتماعية ، المعرفية ، الفكرية ، وكأن المسألة أنتقلت من مرحلة التراكم الجيولوجي (التعويض الأجتماعي ، السياسي ، الإقتصادي) إلى مرحلة التعويض الجيولوجي (أريد ذاتي حية ، أريد كليب حياً) ، ومن هنا تحديداً ، هو يرفض مفهوم الإصلاحات ، وينادي بإزاحة رأس السلطة ، ونظام السلطة ، وإنشاء دستور جديد ، لإن كل المعطيات الأخرى (الديمقراطية ، حقوق الأنسان ، الحريات العامة ، العيش بكرامة ..
ألخ ) ستحقق بعد أن تتحقق الأمور الثلاثة السابقة .
فإعادة الحياة إلى المستقبل (والذات المستلبة) لامحيص من إيقاف الحاضر أولاُ .
المسألة الثانية ، إن اللاشعور العربي العام (اللاشعور النفسي الفرويدي ، اللاشعورالمعرفي – جان بياجه ، اللاشعور العام اليونغي) قد تهدمت وأنهشمت مرتكزاته ، وولج ، هو ، في مرحلة الموت السريري ، ليبلغ نقطة اللارجوع ، نقطة التي عندها لم يعد له أي تأثير على النظام العام ولا على تحديد مقومات العقل ، المنطق ، ولا على أبعاد تحديد الهوية ، لذلك فإن التمرد لم يخضع للمقايسة ، ولا لمفهوم الشرط ، ولالمحتوى الركن ، ولا للأساليب السياسية المعهودة ، ومن هنا بالذات كان التمرد ضد (المعارضة) مثلما هو ضد ( النظام القائم) ، ضد السياسة ، ضد الفكر ، ضد السوسيولوجيا ، ضد التاريخ ، ضد الكل لولادة الكل ، لولادة لاشعور جديد ، (قد يستغرق لأكتماله عدة قرون) ، وليس أدل على ذلك من ، أولاُ ، إن هذه الثورات بدأ بها أناس (فتيان) لا لون سياسي لهم ولا إتجاه معرفي مسبق ، هم فتية يصرخون من الأعماق ، يصرخون وكفى ، يصرخون صرخة من اللاشعور ضد اللاشعور ، ثانياُ ، إن (النظام ، والأجهزة الأمنية ، والشرطة) يعترفون بضرورة (الإصلاحات ) حتى لو كان ذلك نفاقاُ ودجلاُ ، والآن لو بقي القذافي ، وصالح ، ورجع مبارك و بن علي إلى دست الحكم ، فإنهم سيكونون (أشباه ثوار) .
المسألة الثالثة ، إن الغرب الرأسمالي لايستطيع ، ولم يستطع إلا أن يتعامل مع الأحداث وفقاً لمعادلات مغايرة ، لإن الواقع جديد ، ولبروز عنصر جديد ، عنصر يغاير القديم ، عنصر لم يكتمل بعد ، لكنه قادم بكل ثقة ، بكل موضوعية ، وبصورة بنيوية ، عنصر صادر الحاضر لمصلحة المستقبل ….