عبد الباسط سيدا
بعد طول انتظار، ظهر الرئيس بشار الأسد ليلقي الخطاب الذي هلّلوا له، وباركوه، وأشادوا بحكمته وعمق دلالاته، وبأهميته الاستثنائية قبل أن يلقيه الرجل.
خطاب مهّدوا له بحشد عرمرم من “العراضات” في كل من دمشق وحلب، عراضات يعرف السوريون جيداً كيف تُبرمج وتسيّر من أجل التزييف والتضليل.
فالزمرة اللامرئية التي تتحكّم بمفاصل الدولة والمجتمع تُوهم ذاتها قبل غيرها بأن الزمن ما زال هو نفسه قبل أربعين عاماً؛ وأن الشعب هو ذاته قبل أربعين عاماً؛ وأن المعادلات الإقليمية والدولية وثقافة حقوق الإنسان والنظرة إلى حقوق الشعوب ما زالت هي هي قبل أربعين عاماً.
خطاب مهّدوا له بحشد عرمرم من “العراضات” في كل من دمشق وحلب، عراضات يعرف السوريون جيداً كيف تُبرمج وتسيّر من أجل التزييف والتضليل.
فالزمرة اللامرئية التي تتحكّم بمفاصل الدولة والمجتمع تُوهم ذاتها قبل غيرها بأن الزمن ما زال هو نفسه قبل أربعين عاماً؛ وأن الشعب هو ذاته قبل أربعين عاماً؛ وأن المعادلات الإقليمية والدولية وثقافة حقوق الإنسان والنظرة إلى حقوق الشعوب ما زالت هي هي قبل أربعين عاماً.
فهذه الزمرة التي تمكنت في عام 1970 بقيادة حافظ الأسد من الانقضاض على رفاق الأمس الذين كانوا يمثلون “الشرعية الثورية” – وهي لم ولن تكون شرعية أبداً- بموجب مزاعم أصحابها؛ هذه الزمرة هي ذاتها التي أطاحت بـ “الشرعية الدستورية” التي فصّلها الرئيس حافظ الأسد على مقاسه الخاص؛ واليوم ها هي المجموعة عينها تلتحف بشرعية شعبوية زائفة في مواجهة الغضب السوري العارم الذي سيمتلك عاجلاً أم آجلاً شرعيته الشعبية الديمقراطية، ليكون الشعب أخيراً سيد نفسه ومصدر سائر الشرعيات.
لقد خرج علينا الرئيس الشاب في مشهد تهريجي لا يليق بسورية والسوريين.
حفنة من المنافقين الذين لا يمثلون الشعب من قريب أو من بعيد؛ هؤلاء الذين وصلوا إلى ما يسمى بمجلس الشعب بإرادة الأجهزة الأمنية المنضوية تحت لواء الزمرة المعنية صاحبة السلطة الفعلية في سورية.
حفنة لم تحترم أرواح الشهداء من السوريين، ولم تأبه بعذابات الثكالى، حفنة من المتملقين لم تشعر بأن البلد أمام استحقاقات مصيرية كبرى، بل تصرفت وكأنها في عرس يتبارى فيه الواحد تلو الآخر للتغني بمآثر العريس المؤله.
إنه عرس الدم الذي تراقصت فيه دمى مجلس الشعب على دماء شهداء درعا والصنمين والمعضمية واللاذقية، أولئك الذين ضحوا بأرواحهم النبيلة ليوقدوا لنا شعلة الربيع السوري القادم.
لقد بدأ الرئيس – الذي ورث الجمهورية عن أبيه قبل أحد عشر عاماً في مشهد تهريجي مماثل- خطابه الإنشائي المتلعثم من جهتي الشكل والمضمون بعبارات عامة خاوية من أي محتوى ملموس؛ وأسهب في سرد تفصيلات مملة لم يكن السوريون ينتظرونها، وهي تفصيلات سئموها لكثرة ذكرها من دون جدوى.
تفاخر بخطاب القسم الذي لم يعد له أي أثر بعد أن أدى وظيفته التمريرية؛ ومنّن الناس بقرارات المؤتمر القطري العاشر 2005 الخاصة بالإصلاح، وهي قرارات صادرة عن حزب لا يقر السوريون جميعاً بشرعية تحكّمه بالدولة والمجتمع؛ قرارات لم تجد طريقها إلى النور بعد على الرغم من مرور ست سنوات عليها ،كما اعترف الرئيس نفسه قبل غيره، وهذا ما يؤكد بأنها كانت لذر الرماد في الأعين، وتخدير الناس، وإيهامهم بان الفرج قادم في مستقبل الأيام.
لم يقدم الرئيس وعداً صريحاً؛ ولم يعلن عن أية قرارات واضحة المعالم قابلة للتنفيذ الفوري؛ بل اكتفى بوعود هلامية ضبابية عامة لا تعني شيئاً.
والأنكى من هذا و ذاك، أنه خوّن المطالبين بالتغيير الديمقراطي، متهماً إياهم بأنهم وراء الفتنة في درعا، والحل وفق رأيه هو أن يتعاون أهل درعا مع النظام لقتل أبنائهم من أجل وأد الفتنة المزعومة.
ولم يكتف بذلك فحسب، بل ذهب إلى الأبعد حينما ربط بين بواكير الثورة الشعبية السورية المباركة- التي لن تتوقف حتى تبلغ أهدافها السامية- وبين سلسلة المؤامرات التي استهدفت وتستهدف سورية صاحبة نهح المقاومة والممانعة على حد تعبيره.
ومن الواضح أن مثل هذه التخريجات اللامسؤولة لم يعد يشتريها أحد، لإدراك الجميع بأن هذا النهج الشعاراتي إنما هو – كما كان دائماً- ذريعة لقمع الداخل الوطني.
الأزمة في سورية عميقة، داخلية، باعثها النظام الاستبدادي المتحالف مع كبار الفساد الذين دفعوا بغالبية الشعب السوري -على الرغم من إمكانيات سورية الكافية- إلى ما دون حد الفقر.
نظام متكلّس لا يحترم الشعب ولا يعترف بحقه في الحرية والعيش الكريم ، وذلك بعد أن خص نفسه بكل أسباب القوة من سلطة وثروة وإعلام وسلاح .
من جهة أخرى، يُشار هنا إلى إن ما لمّح إليه الرئيس ، وصرحت به مستشارته السياسية قبله بخصوص الفتنة الطائفية، إنما هو مجرد فزّاعة أخرى تُضاف إلى تلك التي عمل عليها النظام من أجل تخويف الداخل الوطني، والخارج الدولي، بالمخاطر التي ستترتب على رحيل النظام؛ وهي مخاطر بدّدها بقوة الشعب السوري على مدار أربعين عاماً من الممارسات غير المتوازنة المثيرة للجدل؛ هذا على الرغم من هول المعاناة، وجسامة التبعات.
كما بدّدها يوم أمس عشرات المثقفين والحقوقيين السوريين ممن وقّعوا على وثيقة العهد الوطني مطالبين بالسعي لبناء الدولة الديمقراطية المدنية الحديثة التي تقوم على أساس “احترام التنوع المجتمعي ومعتقدات ومصالح وخصوصيات كل أطياف الشعب السوري”.
أما الأمر الآخر اللافت في خطاب الرئيس فهو استهتاره بإرادة السوريين، وتبجّحه بأن الضغط عليه لن يزيده ونظامه سوى قوة ومنعة، متجاهلاً أن النظام الذي لا يمتلك المشروعية الشعبية إنما هو نظام عائم لا جذور ولا مستقبل له.
إنها مأساة سورية، نعيشها جميعا منذ عقود.
مأساة نعلم أن ضريبتها باهظة التكاليف؛ كما نعلم أن الطريق نحو أهدافها طويل شاق مفعم بالآلام.
ولكن لا خيار أمامنا سوى خيار الإصرار على استرداد الحق السليب.
السوريون بكل انتماءاتهم يستحقون الحرية والكرامة عن جدارة، وهم قد قرروا العيش المشترك من دون أي تمييز أو إقصاء في إطار وحدة وطنية جامعة، وحدة ستكون عصيّة أمام تهديدات الرئيس الذي أعلن بأنه على استعداد للحرب مع شعبه إذا ما فُرضت عليه.
تُرى هل استوعب رئيسنا الدرس الليبي ليتمكن من تلافي الخطأ القاتل الذي وقع فيه القذافي وابنه.
الشعب السوري العزيز لديه حكمة أصيلة غنية لا تُقدّر بثمن، حكمة تراكمت عبر الأجيال، سيتمكن بفضلها من تجاوز المرحلة الحرجة التي نمر بها جميعاً.
أما النظام فعليه أن يختار النموذج الذي يريد من بين تلك النماذج التي تجسّد مآل من يتمادى في رفض الإنصات إلى الصوت الحقيقي للشعب..
لقد خرج علينا الرئيس الشاب في مشهد تهريجي لا يليق بسورية والسوريين.
حفنة من المنافقين الذين لا يمثلون الشعب من قريب أو من بعيد؛ هؤلاء الذين وصلوا إلى ما يسمى بمجلس الشعب بإرادة الأجهزة الأمنية المنضوية تحت لواء الزمرة المعنية صاحبة السلطة الفعلية في سورية.
حفنة لم تحترم أرواح الشهداء من السوريين، ولم تأبه بعذابات الثكالى، حفنة من المتملقين لم تشعر بأن البلد أمام استحقاقات مصيرية كبرى، بل تصرفت وكأنها في عرس يتبارى فيه الواحد تلو الآخر للتغني بمآثر العريس المؤله.
إنه عرس الدم الذي تراقصت فيه دمى مجلس الشعب على دماء شهداء درعا والصنمين والمعضمية واللاذقية، أولئك الذين ضحوا بأرواحهم النبيلة ليوقدوا لنا شعلة الربيع السوري القادم.
لقد بدأ الرئيس – الذي ورث الجمهورية عن أبيه قبل أحد عشر عاماً في مشهد تهريجي مماثل- خطابه الإنشائي المتلعثم من جهتي الشكل والمضمون بعبارات عامة خاوية من أي محتوى ملموس؛ وأسهب في سرد تفصيلات مملة لم يكن السوريون ينتظرونها، وهي تفصيلات سئموها لكثرة ذكرها من دون جدوى.
تفاخر بخطاب القسم الذي لم يعد له أي أثر بعد أن أدى وظيفته التمريرية؛ ومنّن الناس بقرارات المؤتمر القطري العاشر 2005 الخاصة بالإصلاح، وهي قرارات صادرة عن حزب لا يقر السوريون جميعاً بشرعية تحكّمه بالدولة والمجتمع؛ قرارات لم تجد طريقها إلى النور بعد على الرغم من مرور ست سنوات عليها ،كما اعترف الرئيس نفسه قبل غيره، وهذا ما يؤكد بأنها كانت لذر الرماد في الأعين، وتخدير الناس، وإيهامهم بان الفرج قادم في مستقبل الأيام.
لم يقدم الرئيس وعداً صريحاً؛ ولم يعلن عن أية قرارات واضحة المعالم قابلة للتنفيذ الفوري؛ بل اكتفى بوعود هلامية ضبابية عامة لا تعني شيئاً.
والأنكى من هذا و ذاك، أنه خوّن المطالبين بالتغيير الديمقراطي، متهماً إياهم بأنهم وراء الفتنة في درعا، والحل وفق رأيه هو أن يتعاون أهل درعا مع النظام لقتل أبنائهم من أجل وأد الفتنة المزعومة.
ولم يكتف بذلك فحسب، بل ذهب إلى الأبعد حينما ربط بين بواكير الثورة الشعبية السورية المباركة- التي لن تتوقف حتى تبلغ أهدافها السامية- وبين سلسلة المؤامرات التي استهدفت وتستهدف سورية صاحبة نهح المقاومة والممانعة على حد تعبيره.
ومن الواضح أن مثل هذه التخريجات اللامسؤولة لم يعد يشتريها أحد، لإدراك الجميع بأن هذا النهج الشعاراتي إنما هو – كما كان دائماً- ذريعة لقمع الداخل الوطني.
الأزمة في سورية عميقة، داخلية، باعثها النظام الاستبدادي المتحالف مع كبار الفساد الذين دفعوا بغالبية الشعب السوري -على الرغم من إمكانيات سورية الكافية- إلى ما دون حد الفقر.
نظام متكلّس لا يحترم الشعب ولا يعترف بحقه في الحرية والعيش الكريم ، وذلك بعد أن خص نفسه بكل أسباب القوة من سلطة وثروة وإعلام وسلاح .
من جهة أخرى، يُشار هنا إلى إن ما لمّح إليه الرئيس ، وصرحت به مستشارته السياسية قبله بخصوص الفتنة الطائفية، إنما هو مجرد فزّاعة أخرى تُضاف إلى تلك التي عمل عليها النظام من أجل تخويف الداخل الوطني، والخارج الدولي، بالمخاطر التي ستترتب على رحيل النظام؛ وهي مخاطر بدّدها بقوة الشعب السوري على مدار أربعين عاماً من الممارسات غير المتوازنة المثيرة للجدل؛ هذا على الرغم من هول المعاناة، وجسامة التبعات.
كما بدّدها يوم أمس عشرات المثقفين والحقوقيين السوريين ممن وقّعوا على وثيقة العهد الوطني مطالبين بالسعي لبناء الدولة الديمقراطية المدنية الحديثة التي تقوم على أساس “احترام التنوع المجتمعي ومعتقدات ومصالح وخصوصيات كل أطياف الشعب السوري”.
أما الأمر الآخر اللافت في خطاب الرئيس فهو استهتاره بإرادة السوريين، وتبجّحه بأن الضغط عليه لن يزيده ونظامه سوى قوة ومنعة، متجاهلاً أن النظام الذي لا يمتلك المشروعية الشعبية إنما هو نظام عائم لا جذور ولا مستقبل له.
إنها مأساة سورية، نعيشها جميعا منذ عقود.
مأساة نعلم أن ضريبتها باهظة التكاليف؛ كما نعلم أن الطريق نحو أهدافها طويل شاق مفعم بالآلام.
ولكن لا خيار أمامنا سوى خيار الإصرار على استرداد الحق السليب.
السوريون بكل انتماءاتهم يستحقون الحرية والكرامة عن جدارة، وهم قد قرروا العيش المشترك من دون أي تمييز أو إقصاء في إطار وحدة وطنية جامعة، وحدة ستكون عصيّة أمام تهديدات الرئيس الذي أعلن بأنه على استعداد للحرب مع شعبه إذا ما فُرضت عليه.
تُرى هل استوعب رئيسنا الدرس الليبي ليتمكن من تلافي الخطأ القاتل الذي وقع فيه القذافي وابنه.
الشعب السوري العزيز لديه حكمة أصيلة غنية لا تُقدّر بثمن، حكمة تراكمت عبر الأجيال، سيتمكن بفضلها من تجاوز المرحلة الحرجة التي نمر بها جميعاً.
أما النظام فعليه أن يختار النموذج الذي يريد من بين تلك النماذج التي تجسّد مآل من يتمادى في رفض الإنصات إلى الصوت الحقيقي للشعب..