مجلس التهليل و مسيرات الصور

صالح دمي جر- بيروت
    

بدلاً من أن يكون الضمانة والوازن بين الآراء المختلفة  في وطن تتنوع فيه الطوائف والملل, يقرر الرئيس السوري بشار الاسد مرة ً اخرى أن يتحدى الشعب أو نصفه في مشهد لافت بدا وكأنه إستفزاز ورد على ثورة الشعب السوري التي راح ضحيتها العشرات من المواطنين العزل حيث تحداه أولاً عندما تناسى المطلب الشعبي بالخروج إليهم بكلمة ربما كانت ستلقى منهم اذاناً صاغية لو أنها جائت في الوقت المناسب.
 خروج الحشود الهائلة من السوريين في مسيرات سميت وفقاَ للإعلام الرسمي السوري بمسيرات الوفاء للوطن في العديد من المحافظات والمدن السورية, أكّد التخبط الذي يعانيه النظام وسلوكه الطريق الخطأ مرة  اخرى كما سلكت الأجهزة الأمنية  الطريق الخطأ بتصديها للمسالمين بالنار والرصاص والبارود.

هذا التخبط الذي تجسد في تسمية طالبي التغيير بالمندسين والمرتزقة والمتآمرين وعملاء لأمريكا وإسرائيل, وفر فرصة  لتأجيج نار الفتنة في وطن مفجوع حديثاً بشهداء راحوا ضحية تعبيرهم السلمي وتظاهرهم الحضاري في درعا واللاذقية وحمص وحماة ودمشق.

وإذا كانت عفوية التحركات و التظاهرات المطالبة بالتغيير من قبل المعارضة برزت جلياً جنوح الشعب السوري لغدٍ أفضل تنتفى فيه كل أشكال الذل والقهر فإن التخطيط للمسيرات ومقابلة الشارع بشارع موال عنوة ً قبل خطاب الرئيس, كشفت بكل وضوح عدم نية النظام إجراء إصلاحات جذرية حقيقية تطال المضامين الأساسية لمكامن الخلل فيه, ليتضح انّ  كل ما قيل عن شرعية مطالب الشعب وحزمة الإجراءات  الإصلاحية لم تكن إلا محاولة لكسب الوقت وتجييش الموظفين والعاملين في المؤسسات الرسمية وطلاب المدارس والجامعات للخروج بإرادتهم أو رغماً عنهم , في بلد لم تتبلور فيه صورة المعارضة بشكلٍ واضح  بعد, وما زالت الثورة الشعبية في مرحلتها الجنينية .
و كلمة الرئيس التي كانت من المنتظر أن ( تسعد) الشعب في مجلس الشعب أتت تتويجاً لهذا التوجه الإستفزازي ومخيبة لآمال الشعب السوري بشكل عام وخاصة للكرد الذين راهنوا على إمكانية أن ياتي الخطاب بجديد يرفع الغبن عنهم ويعيد لهم جزءاً من حقوقهم المسلوبة.

رهانٌ سقط بسقوط أي ذكر لكلمة الكرد- أو ما يدل عليها- من خطاب الرئيس ووردها سهواً أو (تجاوزاً) في خطاب المستشارة.
تفائل الكرد خيراً من رئيس شاب إعتقدوا أنه سيرد جميل هدوئهم و(تعقلهم) و(عدم تعاملهم لا مع جهات خارجية ولا داخلية), بتنويه يثلج صدورهم وينصرهم على حزب إنكار وجود الكرد في سوريا .

لكن الخطاب –للأسف الشديد- وضع حداً لهذا التفاؤل وذاك الشك, وأفرزت اللحظات التالية للكلمة يقيناً أن الرئيس نفسه من ذاك الحزب, مما ترك إنطباعاً بالخيبة وشعوراً بما يشبه الغدر.
وإذا كان الخطاب دون مستوى تطلعات الشعب السوري ومخيباً لآماله, فإن وقع سلوك أعضاء مجلس الشعب معه, كان أشدّ خيبة ً على المواطنين  والمراقبين الذين  تفائل بعضهم عن إمكانية أن يُسأل الرئيس الأسد  في مجلس الشعب عن حقيقة ما جرى في درعا و يُطلب منه محاسبة المتسببين بقتل المدنيين العزل .

من قبل نواب يفترض أنهم يمثلون هؤلاء  الضحايا وذويهم , نواب ما كانوا ليبلغوا هذا المجلس لولا أصوات المواطنين.
نعم تبين أن هؤلاء المراقبين قد بالغوا بتفاؤلهم عندما تم  تحويل مجلس الشعب من منبر موقر وسلطة تشريعية مهيبة تحترم آراء كل المواطنين وتجسد تطلعاتهم وتشعرهم أن هذا المجلس منبرهم , قبل ان يكون للمسؤول وحاشيته , إلى حفلة زجل رديئة لا يجيد فيها الزجالون سوى التصفيق والتهليل.

31-3-2011

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

نبذة عن الكتاب: يسعدني أن أقدم لكم العمل البارز لصديقي العزيز، ريبرهبون، مؤلف كتاب ” نقد السياسة الكوردية (غربي كوردستان أولاً)”. هذا الكتاب هو استكشاف عميق للمشهد السياسي الكردي، يقدم نقداً ورؤية للمستقبل. إنه رحلة فكرية تمزج بين التحليل التاريخي والواقع الحالي، وتبحث في الحلول للتحديات التي يواجهها الشعب الكردي، خاصة في غربي كوردستان (روجافا). يقدم المؤلف تأملات صادقة في…

د. محمود عباس الزيارة المفاجئة التي قام بها أحمد الشرع، رئيس الحكومة السورية الانتقالية، إلى إسطنبول، لم تكن مجرد جولة مجاملة أو لقاء بروتوكولي، بل بدت أقرب إلى استدعاءٍ عاجل لتسلُّم التعليمات. ففي مدينة لم تعد تمثّل مجرد ثقلٍ إقليمي، بل باتت ممرًا جيوسياسيًا للرسائل الأميركية، ومحورًا لتشكيل الخارطة السورية الجديدة، كان الحضور أشبه بجلوس على طاولة مغلقة،…

جليل إبراهيم المندلاوي   في عالمنا الإسلامي، لا شيء يُوحِّدنا كما تفعل الخلافات، فبينما تفشل جهود الوحدة السياسية والاقتصادية، نثبت مرارا وتكرارا أننا نستطيع الاختلاف حتى على المسائل التي يُفترض أن تكون بديهية، وآخر حلقات هذا المسلسل الممتد منذ قرون كان “لغز” عيد الفطر المبارك لهذا العام، أو كما يحلو للبعض تسميته: “حرب الأهلة الكبرى”. فبعد أن أعلن ديوان الوقف…

قدم الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية أحمد الشرع، السبت، تشكيلة الحكومة الجديدة، والتي تكونت من 22 وزيراً. وقال الشرع في كلمته خلال مراسم الإعلان عن الحكومة في قصر الشعب: “نشهد ميلاد مرحلة جديدة في مسيرتنا الوطنية، وتشكيل حكومة جديدة اليوم هو إعلان لإرادتنا المشتركة في بناء دولة جديدة.” وجاءت التشكيلة الوزارية على الشكل التالي: وزير الخارجية والمغتربين أسعد الشيباني وزير…