هؤلاء أميون وطرشى، لكنهم يعرفون من أين تؤكل الكتف، ويتملقون أمام السلطان عسى يتعرف على وجوههم، ويوصي أزلامه الرخيصين ، ليضعوا هؤلاء أشباه الرجال في حسبانهم بالقوائم السوداء التي تأتي من فوق جاهزة، ومأخرجة سلفاً للتمثيل في مسرحية مجلس الشعب التي تضحك الموتى من قبورهم.
البارحة أحسست لأول مرة كم الشعر صار مبتذلاً ، وكم الشعراء الذين كنت أحفظ لهم في قلبي المودة الكبيرة، كيف سقطوا من عيني، لكني وفي أوج حقدي على الشعر والشعراء لم أعمم كلامي على الشعراء العظام سواء أكانوا عرباً أو كرداً أو من أمم أخرى هؤلاء الذين قاوموا الاستبداد وفضحوا المستبدين، ودفعوا حياتهم ثمناً لحرية شعوبهم.
لقد كان الشعب السوري المسكين البارحة على موعد مع القصائد غير العصماء لجوقة الصفيقة الرخيصين وهم يكيلون المديح لسيدهم، وسيدهم راض ومصدقاً عن ما يسمعه منهم، وينفش ريشه ويكاد يطير من السعادة وهو يسمع هذه البطانة النتنة والعفنة، وهي ترتطن بالكلام المعظم الذي يصل السيد إلى مرتبة الإله، لا بل أن الحماسة اشتد في قلب أحد أعضاء مجلس الشعر.
يبدو أن الملكة الإبداعية خانته، ونسي دوزان وأوزان بحور الخليل والفراهيدي، فاستعان بالنثر الرخيص أسفاً وبدأ يقول دون أن يخجل، ودون أن يخجل سيده من كلامه: سيدي الرئيس، أنت رئاسة العرب قليلة عليك، لازم تكون رئيس العالم، فتصوروا يا رعاكم الله، عضو في مجلس الشعب ينطق بهذه الجواهر؟؟
فماذا يؤمل منه، وهو الذي تفاجأ الشعب بأنه صار ممثله غصباً واغتصاباً، والأنكى من ذلك أن السيد كان يتعرق وجهه من الفرح، وفاته، ولم يتذكر، أن العرب عندما تبالغ في المديح فكأنها تهجو، والمبالغة في المدح هو الجانب الآخر من الذم، لكن السيد فاتته هذه المعلومة، فكان كلما يسمع قصيدة” رائعة تخرج من فم – على الأغلب بلا أسنان طبيعية من أحدهم، كان – وبكل احترام وتقدير- يقطع جواهر كلامه ليستمع ويستمتع ويمتع العالم بما سيقوله الشاعر عضو مجلس الشعر لا الشعب..
أدعو جميع الشعراء المحترمين أن يتركوا هذه المهنة البطّالة، ويتوجه إلى كتابة الروايات الطووووويلة، والقصص ذات الحبكات المعقدة كي يفشل هؤلاء الأقزام في التطبيل والتبجيل والتأليه للأسياد، وطالما أن الشعر وكتابته أصبحت بهذا الرخص المشين.