وقد كتبنا مراراً وتكراراً في مقالاتنا السابقة عن ضرورة لجوء الحكومة السورية إلى الحوار والتفاهم مع الشعب السوري وخاصة المكون الكردي منه، وذلك للإطلاع عن كثب على رغبات الشرائح الشعبية الملحة والآنية حتى لاتصل الأمور إلى ما وصلنا إليه اليوم من اضطرابات سياسية، أدت إلى إراقة الدماء السورية في درعا وفي العدييد من المدن السورية الاخرى كما جرى مثلها في الجزيرة في 12 آذار عام 2004م ضد الكرد السوريين.
وقد أسهم الاستهتار بالبنى الفوقية ومنها التخبط السياسي على الخصوص في الدول النامية ومنها سورية إلى تخلف هذه الدول أشواطاً عن الدول التي تنتهج في سياساتها ركائز عصرية متقدمة من الديموقراطية والإنفتاح السياسي، كما هو الحال مع الدول الأوربية التي سبقتنا كثيراً في هذا المضمار فبينما تقدموا هم في جميع نواحي الحياة الاجتماعية والإقتصادية والسياسية، تخلفنا نحن في العالم الثالث، لنعاني من الجهل والخوف من التجديد ومحدودية الأفكار والارتكاز على عقل تكتيكي دون الإستيراتيجي، وانعدام القدرة على مسايرة العصر والذي هوعصر المعلوماتية والمخترعات والديموقراطية والحريات العامة.
وهو ما يتوجب علينا – كعالم ثالثيين – السير بخطى عجلى نحوها واعتماد لغة الشفافية والتجديد والبعد عن المكرس وما هو قارسياسياً وزحزحة ما هو هامشي في مسيرتنا الديموقراطية والسياسية، وقد أثبتت الأحداث أن الشعب الذي لايتمتع بحريته واستقلاليته الإقتصادية سيبقى على الدوام عالة على غيره، بل سيفرخ جملة من الإضطرابابت والمشاكل السياسية المؤدية إلى حالة من الهيجان والتفجير الشعبي، كما جرى في كل من تونس ومصر واليوم في ليبا واليمن وسورية والله يعلم غداً أين سيكون هذا التسونامي الكاسح من الثورات الشعبية.
ولهذا نكرر بأن على الحكومة السورية أن تحاور شعبها وعلى السيد الرئيس أن يحاور شعبه، ولاعيب في ذلك وليس ضعفاً ونقصان هيبة، بل بالعكس هو ظاهرة في منتهى القوة والعقلانية والحضارية، محاورة بين نظام وشعبه فعن طريق هذا الحوار كان يمكن إزاحة وقشط كل غيوم المنذرة بالسوء، ومعرفة ماوراء الأكمة والإطلاع الحي والمباشر على مايجول في خواطر الناس وما يهمهم في حياتهم اليومية المعيشية والسياسية، دون الإعتماد على تقارير أمنية قد تصدق وقد لاتصدق، فمن شأن هذا الحوار أن يتيح الوقوف على كثب على رغبات الجماهير ومصالحها.
ومن الإستخفاف بأقدار الناس ومصائرهم ان تحاول الجهات المسؤولة شلف القرارات الرسمية حسبما يجول في خاطرها وتنفيذها على أرض الواقع دون دراسة وتمحيص ومعرفة آثارها على الناس ومصالحهم، والتي كانت على مايبدو في الحالة السورية انها كانت قرارات تصدر لمصلحة حفنة من الفاسدين يحفظون مصالحهم وتنتفي فيها المصلحة العليا للبلد.
وكنموذج لهذه القرارات المتسرعة واللامعقولة أكثر من مسرح اللامعقول ذاته هو عرقلة نمو مؤسسات المجتمع المدني، وتجريد شريحة واسعة من المكون السوري من الجنسية، والقرار 49 الذي ليس له مثيل في كل قرارات الدول العربية وحتى العالمية.
وما نقوله هو أن هذه القرارات جاءت في الغالب ضد مصلحة النظام قبل غيره وها هي نتائجها تظهر في الشارع الآن.
بعدما خلفت حالة من التذمر والإستياء والغليان الشعبي العارم، وكانت الدولة قبل ذلك تصم أذنيها عن صرخات الشعب المطالب بإلغاء مثل هذه القرارات وأولها القرار 49.
ولذلك أقول وبكل ثقة من أن الحكومة السورية بدت أنها لم تكن على دراية كافية حتى بمصالحها الإستراتيجية البعيدة المدى، أو مصلحة الدولة ذاتها لتجر عليها اليوم النقمة الشعبية عليها وعلى النظام معاً.
حقاً لقد أصبحت الحكومة السورية بقراراتها المتسرعة وغير المدروسة او تلك التي تظن بانها تحميها وبالاً على نفسها و شعوبها معاً.
واليوم وبعد الاحداث المأساوية التي جرت في كل من درعا وفي عدد من المدن السورية الأخرى، أصدرت الحكومة السورية عدداً من القرارات التي كانت يجب أن تصدر قبل الآن بوقت كثير، أي كان يجب ان تصدر منذ أن تولى الرئيس السلطة ومناداته بالشفافية وحرية التعبير لكن مع وقف التنفيذ، مما أدى إلى حدوث أزمة ثقة بين النظام والشعب، فلم يستجب المحتجون لهذه القرارات والتي لم تستجب بدورها لمطالبهم، وقد جاءت المطالب الرئيسية منها بصيغة المستقبل من قبيل: سنعمل كذا وسندرس كذا … في الوقت الذي يتطلب الموقف التنفيذ الفوري لإحداث نوع من الثقة بين الشعب والحكومة، ودون اللجوء إلى الغموض الشاعري والتلاعب بالألفاظ، وهو ما أدى إلى عدم توقف الشارع السوري عن مواصلة الإحتجاج.
ولكني أقول الوقت لم يفت بعد وعلى الحكومة السورية تنفيذ ما وعدت به وأعلنته من خلال المؤتمر الصحفي وعلى لسان مستشارة السيد الرئيس فوراً ودون إبطاء، وإلا فستحمل الجهات المسؤولة نفسها كافة مايترتب على هذا التأخير وما يجري اليوم للشعب السوري من قتل وفواجع ومآس.
ولهذا نرى أن الموقف يتطلب اليوم السير بخطوات متسارعة نحو تنفيذ الإصلاحات السابقة وإضافة الإصلاحات التالية:
1- تطبق مبدأ الشفافية في التعامل مع الداخل السياسي وإطلاق سراح السجناء السياسيين على الفور، والعمل على ايجاد حالة من التناغم والتعاون بين مؤسسات الدولة والمؤسسات الشعبية او المجتمع المدني لتطبيق مبدا العدالة الاجتماعية في البلاد.
2- الارتقاء بمتطلبات الحياة الامنة للمواطن وترسيخ حكم القانون ومحاربة الفساد الاداري للنهوض بالمجتمع السوري وتنمية قدراته الاقتصادية الى مستويات متقدمة ولائقة.
3- رفع حالة الطوارئ فوراً، فلا حاجة لطوارئ مستدامة فحالة الطواريء تتبع ظروف البلد فإن لم يكن في البلاد حالات إضطرارية فليست هناك حاجة لمثل هذه الحالة، لأن فرض حالة الطوارئ يوحي بجود اضطراب وبلد مثل سورية لم تكن لتعاني من شيء من هذا القبيل، وحتى وإن دعت الضرورة إلى فرضه فيجب أن يكون لأمد محدود، أي أن تنتهي حالة الطوارئ حينما ينتهي ما يستوجب فرضه، ولهذا أن إلغاء حالة الطوارئ الآن هو من الأولويات التي يتطلع إليها الشعب السوري كله.
4- إطلاق الحريات العامة أو السماح بحرية تشكيل الأحزاب الوطنية وإعطاء التراخيص لما هو موجود على الساحة السياسية، لأن الأحزاب هي المتنفس الوحيد للتعبير عن رأي الشعب بحرية وديموقراطية وبما يخدم مصلحة البلد والشعب.
5- فصل السلطات القضائية والتنفيذية أي استقلالية القضاء ودون تدخل أحد في شؤونها لأن في القضاء الحقوق البلاد والعباد ويجب عدم التفريط بهذه الحقوق.
6- الإحتكام إلى صناديق الاقتراع وإجراء انتخابات ديموقراطية ونزيهة في الإنتخابات البرلمانية، وتطبيق الديموقراطية في مفاصل الدولة حتى يصار إلى وضع الرجل المناسب في المكان المناسب.
7- العمل على توفير أجواء من المحبة والأخوية بين مكونات الشعب السوري والذين هم أخوة في الأصل منعاً لأي حزازيات واضطرابات مستقبلية وقطع الطريق على الشوفينيين وكل من لايريد الخير للشعب السوري.
8- رفع الغبن عن الاكراد السوريين المحرومين من الجنسية بموجب إحصاء 1962م والذي قسم الشعب السوري شيعاً وأحزاباً ويعود سنه إلى عهود الانفصال الرجعية، فلا يجب أن تسعى الحكومة الحالية إلى تطبيق اخطاء هي ليست لها.
9- السماح للأحزاب الكردية بالعمل بحرية ضمن ما هو الصالح العام وإعطائها الفرصة للتغبير عن آرائها وتقديم طروحاتها، كأحزاب سياسية سورية ووطنية أسوة بغيرها من الاحزاب الموجودة على الساحة السياسية السورية، وعلى الحكومة السورية أن تحاور أكرادها بما هو مثمر ومفيد للبلد ككل، وأن مايروج له من اقتطاع أجزاء من سورية وإلحاقها بدولة أجنبية هي كلمة ثقيلة على الكرد السوريين، لأن فيها تشكيك بوطنيتهم وإخلاصهم لوطنهم الذي أخلصوا له طوال عهود مديدة، فلا يمكن تجريمهم بجرة قلم في هذا السبيل.
فكل الأحزاب السورية وبدون استثناء تعتبر إسرائيل عدوة لها، وينبغي التصدي لها بجميع الوسائل وحملها على الإعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة وبالشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة في إقامة دولته على أراضيه وعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أراضيهم، فنحن السوريون جميعاً نعتبر أن تقسيم سورية هو خط أحمر ولايجب حتى التفوه به أصلاً ولايجب على الدولة ان تتخذه ذريعة لضرب الصف الوطني وإثارة النعرات القومية فيه فكلنا سوريون نريد الخير لسورية وشعبها.
10- يتوجب على الحكومة السورية وحتى لاتطيل معاناة مكون رئيس من مكونات هذا الشعب، أن تنصت إلى ما يريده المكون الكردي سواء في المجال السياسي أو في المجالات الأخرى ضمن إرادة مصلحة الشعب والدولة الواحدة الموحدة، وأن تساهم في إدماج الكرد بالنسيج السوري، وتحس بوجودهم كأخوة وأشقاء متساوون في الحقوق والواجبات على قدم المساواة مع باقي مكونات الشعب السوري، والعمل على إنصافهم وتحسين أوضاعهم المعاشية وحقوقهم الثقافية والسياسية، ودوماً ضمن الدولة السورية وليست خارجها فالحل أولاً واخيراً هو الحوار والأخوة والتفاهم ولاشيء آخر غيره.