النجاح في دمقرطة سوريا يمر عبر حل القضية الكردية

نتيجة لإصرار النظم الاستبدادية و الشمولية الحاكمة في أغلب دول الشرق الأوسط وبقائها على نهجها، ونتيجة لتعنتها الرافض لأي تغيير أو تحول ضمن نمط إداراتها وأنظمتها، وبسبب إصرارها على التعامل مع مجتمعات بلدانها بمنطق الراعي والرعية وعلى أساس تهميش دور المجتمعات وشل إراداتها على مر العقود، فإن ذلك الواقع فتح المجال على مصراعيه ليصبح الشرق الأوسط ساحة للتدخلات الخارجية إضافة إلى تعمق نقمة شعوبها ضد حكامهم المستبدين، فبدلاً من أن يتم التغيير والتحول بشكل يتناسب مع حقيقة التاريخ الحضاري والمشرف للشرق الأوسط إلا أننا نجد هذه المنطقة تعيش التغيير بمخاضات ومآس قاسية وثقيلة الوطأة بحيث يتم دفع ثمن تغيير مهما كان بسيطاً بهدر دماء الأبرياء وصراعات دموية وتناقضات تخلف ورائها الآلام والمآسي،
 هكذا أرادت هذه الأنظمة أن تواجه مجتمعاتها وترفض الإذعان لمطالب شعوبها رغم كون تلك المطالب مشروعة وطبيعية تستحقها الشعوب وهي ليست بمنة أو هبة تقدمها الأنظمة، بل هي حق طبيعي تم سلبه في حقيقة الأمر، حاول زين العابدين ومن بعده حسني مبارك و القذافي وعلي عبد الله الصالح التملص من تقديم تلك الاستحقاقات لكن ما آلت إليه أوضاعهم معروفة للجميع.

الآن ومع انتشار مد الانتفاضات الشعبية إلى سوريا وقيام الشعب السوري برفع صوته والمطالبة بالحرية والكرامة، ورفض الذل والهوان الذي يلحق به جراء الممارسات التي يتعرض لها، والدعوة إلى سوريا ديمقراطية تتميز بالانفتاح وقبول الآخر، سوريا من دون حالة طوارئ فيها إعلام حر ومنابر للتعبير عن الرأي وقانون لتنظيم الأحزاب والجمعيات والمؤسسات، سوريا ذات مكونات وغنى تاريخي عريق يجد كل مكون تعبيره فيها، سوريا ذات دستور ديمقراطي جديد يعترف باللغات والثقافات الأخرى، وطن يجمع شمل الجميع تحت سقفه، وطن مشترك يحس الجميع فيه بالأمان والاستقرار، ومع وجود شعب كردي محروم من هويته وثقافته ولغته، شعب يتعرض للاعتقالات والممارسات اللاإنسانية، شعب يتم إنكار وجوده بكل معنى الكلمة، سلبت منه أراضيه وفرضت عليه لغة غير لغته، وأسماء غير أسماءه، وثقافة غير ثقافته، هذا الشعب يتعرض للتهجير والتجويع والبطالة في ظل كل تلك الممنوعات، لم يجد بداً سوى أن يقوم بالمطالبة بحقه في أن يحيا كما تحيى الشعوب الأخرى بحرية وسلام.
أراد الشعب السوري أن يقنع نفسه بأن يستبشر خيراً من نبأ عزم السيدة بثينة شعبان المستشارة السياسية لرئيس الجمهورية عن الإفصاح عن خطة للإصلاح سيقوم بها النظام من خلال مؤتمر صحفي ستعقده، لكنها أكدت على الحقيقة التي كانت متوقعة في الأساس حول كون النظام لم يأخذ العبرة من تجربة أسلافه الحكام، بل على العكس تماماً رغم اعترافها بوجود قضايا تنتظر الحل إلا أنها وبالنيابة عن النظام طرحت جملة من الدراسات المستقبلية التي تفتقر إلى الجدية والتكامل، حيث أنها أثبتت أن الترقيع ومحاولات تخفيف وطأة الغضب الشعبي والمماطلة والتأجيل وأخذ المواضيع ببساطة وكأن هذا الشعب ناقم من أجل بعض النقود أو أنه سيرضى بالفتات الذي يقدمونه له، مع العلم أن هذا الشعب عندما يطلق شعاراته فإنه وقبل كل شيء يطالب بالحرية والكرامة.
 لم نجد في أجندة الإدارة السورية أية مشاريع أو خطط تتعلق بالشعب الكردي وقضيته، فناهيكم عن أخذها موضوع الإصلاحات الشكلية المستقبلية بشكل بسيط وعدم التحدث عن تغيير في المواد الأساسية في الدستور بدءاً من الاسم العروبي لسوريا مروراً بالحزب الواحد القائد للدولة والمجتمع وصولاً إلى جميع الدساتير والقوانين الجائرة والظالمة، فإنها لم تقدم ما يقنع الرأي العام الكردي وما يثبت جدية رؤى ومشاريع هذه الإدارة، فإصرارهم على إنكار وجود الشعب الكردي وعدم تقديم ضمانات دستورية واستمرار القمع والمنع والاكتفاء بالنظر إلى القضية الكردية من منظار إعادة حق المواطنة السورية أو تعديل بعض المراسيم الجائرة السابقة لن يقنع الشعب الكردي بل أنه يزيده تمسكاً بمطالبه ومواقفه ويشجعه على تصعيد نضاله الديمقراطي المشروع للمطالبة برفع التمييز العنصري الممارس بحقه والاعتراف بوجوده وهويته وقبول التعليم بلغته وتداولها وإزالة جميع الضغوطات وسياسات التشويه والمنع التي تتعرض لها ثقافته، إلى جانب ضرورة توفير شروط الحياة الديمقراطية الحرة والكريمة للشعب الكردي ولعموم الشعب السوري.

اللجنة التنفيذية لحزب الإتحاد الديمقراطي
(PYD)

25-3-2011

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…