رسالة عاجلة إلى الأحزاب و الفعاليات السياسية الكوردية في سوريا

زيور العمر

الأخوة المحترمين قيادات و كوادر و قواعد الأحزاب و الفعاليات السياسية و الحقوقية الكردية،
المناضلين الشباب من أبناء شعبنا الكردي في سوريا،
تحية أخوية و بعد،

ليس خافياً على أحد منكم حساسية الوضع الراهن و خطورته و ما يترتب عنه من أحداث و مستجدات في داخل الوطن السوري منذ أن إنطلقت موجات الإحتجاجات و التظاهرات السلمية في سوريا، على غرار ما يحدث في باقي دول منطقة الشرق الأوسط، بحيث بات من الضروري جداً أن نتكاتف جميعاً من أجل صياغة موقف كوردي مشرف يليق بنضالات و تضحيات شعبنا، و ينسجم مع دوره الريادي في تحديد و رسم ملامح مستقبل الوطن السوري الذي يشكل فيه قومية أساسية و متميزة، و يتمتع بتاريخ مشرف في الزود عن ترابه و سيادته و وحدة ترابه الوطني، إسوة بباقي مكونات و أطياف النسيج الوطني في البلاد.
أيها الأخوة المحترمين،
بالرغم من أنني كنت في السنوات السابقة من أشد المعارضين و المنتقدين لسياسة و مواقف الأحزاب الكردية من منطلق الحرص و المسؤولية.

و كتبت في الشأن السياسي الكردي العام، و الحزبي بشكل خاص، عشرات المقالات النقدية و الغير المتسامحة، في مضمونها و صياغتها، مع الأخطاء الفادحة و التراكمات السلبية في جسد الحركة السياسية الكردية.

و أدركت من خلال موقعي ككاتب كوردي مستقل، ذو تجربة ممتدة لأكثر من عقدين من الزمن في داخل الحركة الكردية، و منهمك و منشغل بهموم و شجون الحالة الكردية المترتبة عن إستمرار سياسة البطش و القمع و الإنكار بحق شعبنا في سوريا، و ممارسات الإرهاب و التنكيل بحق النشطاء و الأحرار من شعبنا في مسيرة النضال من أجل إنتزاع الحقوق القومية و الديمقراطية، أن الإستمرار في النهج و الممارسات و الأساليب المتبعة لا تجد نفعاً في الوصول الى تحقيق الأهداف المشتركة لنا جميعاً.

و قلنا مراراً ًو تكراراً أن إستمرار الواقع المزري المتمثل في التشرذم و الإنقسام و عدم التوافق حول أساليب و آليات و أهداف الحراك الكردي في سوريا، يضعف من جبهتنا الداخلية و يفسح المجال للنظام الديكتاتوري العنصري للتمادي أكثر في سياساته القمعية و التعسفية بحق شعبنا، الأمر الذي يزيد من معاناته و عذاباته، و هو ما يستدعي منا جميعاً التعاضد و التكاتف و الوقوف معاً جنباً الى جنب من أجل تجاوز الحالة السلبية الراهنة في الساحة الكردية.
أيها الأخوة الكرام،
إن الظروف الراهنة و التطورات الخطيرة في بلدنا سوريا تستدعي منا الترفع عن الصغائر و الإرتقاء بآداءنا السياسي و الجماهيري إلى مستوى الحدث التاريخي الراهن، الذي يشكل فرصة لشعبنا و لباقي مكونات سوريا، القومية و الدينية و المذهبية الأخرى، للتحرر و العيش في أمن و سلام تحت مظلة نظام ديمقراطي تعددي، يضمن الحرية و المساواة و العدالة الإجتماعية و الحياة السياسية الطبيعية القائمة على التنوع و التعدد في إطار وحدة البلاد.

و إذا كانت تجارب الشعوب إثبتت على إمتداد مراحل تطورها على أن النظام الديمقراطي هي أفضل النظم السياسية و أكثرها قدرة على تلبية حاجات و متطلبات العيش الكريم و الحر للإنسان، فإن من واجبنا نحن الكرد أن نكون سباقين الى مسيرة النضال في سبيل تحقيق التغيير الديمقراطي في سوريا، بإعتباره السبيل الوحيد لتحقيق أهداف شعبنا في الحرية و المساواة و التمتع بكامل حقوقه القومية الديمقراطية، و ليس من خلال نظام رسخ دعائم حكمه من خلال إغتصاب الحقوق و إنتهاك الحريات و إنكار المكونات الوطنية و التنكيل بقوى المجتمع السياسية و الثقافية و الإجتماعية و الحقوقية و غيرها.

فنظام بهذا الشكل لا يمكن المراهنة عليه و لا يمكن تحصيل أي حق منه عبر المراهنة على الحوار و التفاهم و الإتفاق معه، بل لم يعد مجرد التفكير في هذا المسار مقبولاً في ظل الظروف الراهنة، بعد أن تلطخت أيادي عناصره بدماء السوريين بمختلف مشاربهم و إتجاهاتهم القومية و الدينية.
إن المراهنة على النظام، من قبيل إستغلال ضعفه و عزلته أو قبول وعوده لإنتزاع حق منه، يلحق الضرر بنضالنا القومي و الديمقراطي و يسئ الى المعاني و القيم التي جسدها شهداءنا و مناضلينا في سجون و معتقلات الديكتاتورية.

و لعل من المهم التذكير بأن التصريحات المتكررة الغير مبررة من قيادات الأحزاب الكردية منذ بداية الأزمة و القائلة بأن الشعب الكردي لن يكون سباقاً إلى الإنتفاض و النزول الى الشارع، كانت خطئاً تكتيكياً قد يبدو للبعض على أنه غير مهم، و لكنه في الواقع أعطى إشارات للنظام الديكتاتوري على أن الشعب الكردي غير معني بالحديث و الحملات الجارية على مواقع التواصل الإجتماعي و الداعية الى الثورة و إسقاط النظام القائم.

و كان من الأجدى أن تقر جميع قيادات الأحزاب الكردية بأهمية التغيير و أن تعلن عن مساندتها للأصوات المطالبة بتحقيق التغيير الديمقراطي في البلاد لأنها مصلحة مشتركة للجميع مع إختيار التوقيت المناسبة للحركة و الإنطلاق.
أيها الأخوة الكرام،
لقد كانت لتصريحاتكم التأثير السلبي على الحراك الوطني الديمقراطي الكردي في سوريا، بحيث أنها لم تلقى القبول و الإستحسان بين الجمهور و الشارع الكرديين، خاصة و أنها جاءت قبيل الترتيبات التي تمت للإحتفال بعيد نوروز.

و بدى واضحاً أن النظام إستفاد من تلك الإحتفالات عبر تغطيتها على قنواته التلفزيونية والمواقع الإلكترونية التابعة له والتي خلقت إنطباعاً لدى الرأي العام الوطني بأن الكرد غير مهتمين بما يجري، الأمر الذي أدى إلى إتهام القيادات الكردية من قبل شرائح و جهات متعددة بعقد إتفاق مع السلطات من أجل ضمان إحتفالات هادئة برعاية التنظيمات الكردية مع وعد من السلطات بعدم التواجد في أماكن الإحتفالات.
لقد أثبتت الوعود و القرارات الجديدة من القيادة القطرية لحزب البعث و التي أعلنت عنها بثينة شعبان، مستشارة رئيس الجمهورية في مؤتمر صحفي أمس الخميس، أن القيادة السورية غير جادة في إجراء أية إصلاحات حقيقية، و أنها تحاول إستغلال عامل الوقت من أجل المراهنة على إنحسار حالة الغضب لدى الشارع السوري.

و كل ما نخشاه الآن هو أن تنطلي هذه الوعود و القرارات على الأحزاب الكردية و قياداتها، فتقوم بتهدئة الشارع الكردي بذريعة إعطاء المجال و الوقت لهذا النظام من أجل وضع حسن نواياه على المحك.

لذا فأننا نهيب بكم و نشد على أيديكم آملين أن تكونوا على مستوى الحدث، لأن ضياع هذه الفرصة التاريخية ستكون لها عواقب و نتائج وخيمة على شعبنا في المستقبل، و سيكون سبباً آخر لإتساع الهوة بين الشارع الكردي و التنظيمات و الأحزاب الكردية، بحيث ستعجز كل محاولات التصالح في المستقبل عن ردم هذه الهوة و معالجة آثارها و تداعياتها على المشهد السياسي الكردي.
و لهذا أقترح عليكم ما يلي، راجياً إبداء الإهتمام اللازم به قبل أن يفوت الآوان:
1ـ  مطالبة النظام بإلغاء حكم الطوارئ في البلاد فوراً،
2ـ مطالبة النظام بالإفراج فوراً عن جميع المعتقلين السياسيين و من بينهم أبناء الشعب الكردي،
3ـ مطالبة النظام بإلغاء المرسوم 49 السئ الصيت بالنسبة للمناطق الحدودية و بشكل فوري،
4ـ مطالبة النظام بإقرار الحقوق القومية للشعب الكردي في سوريا، كمكون أساسي في النسيج الوطني السوري،
5- منح النظام مدة 72 ساعة لتحقيق هذه المطالب أو إبداء الإستعداد رسمياً للحوار بشأنها على الأقل، و تحذيره من أن الشارع الكردي لن يبقى مكتوف الأيدي حيال عدم تجاوب النظام مع هذه المطالب و لن تكون بإستطاعة الحركة منع حدوث حالة الإنفجار لدى الجماهير الكردية،
6- الدعوة إلى عقد حوار وطني بمشاركة جميع القوى و الفعاليات السياسية السورية و من بينها الحركة الكردية، لمناقشة حزمة من الخطوات الواجب القيام بها من أجل إخراج البلاد من حالة الإنسداد السياسي من خلال السعي لتوفير الحريات و تحقيق المساواة و إستقلالية القضاء و الدعوة إلى إنتخابات برلمانية حرة و نزيهة و تحت إشراف منظمات و مؤسسات دولية.
و في الختام نرجو منكم أيها الأخوة أن تنصتوا الى صوت شعبكم و تعملوا على إستعادة ثقته بكم، و أن تكونوا على مستوى المسؤولية و المهمة الملقاة على عاتقكم في التعبير عن معاناة الشعب و الدفاع عن مطالبه العادلة و المشروعة.
مع فائق الإحترام،
25  آذار 2011
زيور العمر

كاتب كوردي مستقل  

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اعتبر الزعيم الكوردي رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني، يوم الجمعة، أن الارضية باتت مهيأة لإجراء عملية سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط للقضية الكوردية. جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال انطلاق أعمال منتدى (السلام والأمن في الشرق الأوسط – MEPS 2024) في الجامعة الأمريكية في دهوك. وقال بارزاني، في كلمته إنه “في اقليم كوردستان، جرت الانتخابات رغم التوقعات التي…

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…