وهذا يدفعنا إلى السؤال عن موقع الأكراد من هذه المتغيرات التاريخية, وعلينا التمييز بين الأكراد كشعب والأكراد كأحزاب, فالشعب الكردي نتيجة ظروف الاضطهاد القومي والتمييز العنصري وسياسات الإنكار, هو من أكثر شعوب المنطقة وعيا وإدراكا وجاهزية واستعدادا للقيام بدور محوري في عملية التغيير, وهو أكثر شعوب المنطقة شجاعة وإقداما للتضحية والفداء والمساهمة في الثورة, كي ينال حريته وحقوقه و يصنع مصيره, ولا أدل على ذلك من انتزاعه قصب السبق إلى الثورات الشعبية التي تحدث اليوم, حين قدم نموذج انتفاضة 12 آذار 2004 , التي لم تفهمها الأطراف الأخرى, وامتنعت عن التجاوب معها فضيعت فرصة التغيير على نفسها وعلى مجتمعها, واليوم فان الشعب الكردي مهيأ نفسيا ومعنويا للقيام بدوره, أما بالنسبة إلى الأحزاب الكردية, فحالها مثل حال الحكومات الدكتاتورية, فقد تجاوزها الزمن, وباتت بعيدة جدا عن الشعب الكردي, وعاجزة ليس عن تمثيل مطالبه العادلة فحسب, بل عن تحقيق أدنى هذه المطالب, حيث انحرفت هذه الأحزاب كليا عن أهداف حركة التحرر الكردي الأصيلة, إن لم نقل إنها أصبحت عائقا أمام مسيرة الشعب نحو نيل حقوقه, ولهذا فأنها غير مستعدة وغير مهيأة للمشاركة الفاعلة في التحولات والمتغيرات العاصفة والسريعة التي تجتاح المنطقة, اللهم على صفحات منشوراتهم القروسطية البائسة أو البلاغات الميتة على صفحات الانترنت, ونحن لا نريد التجني على هذه الأحزاب ولكن نذكر الوقائع كما هي, لنجد أن تفاعل الزعامات والقيادات الحزبية الكردية مع المشهد السياسي الجديد في الشرق الأوسط يكاد يكون معدوما, وأن موقفها مما يجري لا يرتقي إلى مستوى الحدث, لأنها لم تستوعب ما حدث وما يحدث, ولم تدرك بعد أن البوعزيزي قد ادخل المنطقة في منعطف تاريخي جديد , أخذت كل القوى والأطراف تستعد له, للخروج من مرحلة الدكتاتورية بأقل الخسائر ودخول مرحلة الحرية بأكبر المكاسب, فأين هي استعدادات القيادات والأحزاب الكردية, والجميع يدرك أن المتغيرات تصيب المصير الكردي في الصميم سلبا أو إيجابا, وبالتالي فان المنطق يفرض على هؤلاء العباقرة أن يؤسسوا غرفة عمل مشتركة, تتابع التطورات والمستجدات على مدار الساعة, من مراكش إلى إيران ومن اليمن حتى تركيا, حتى يكون الجانب الكردي في قلب الحدث ليستوعب ما يجري, وعلى ضوء المعطيات المتواترة يبني مواقف ويضع الخطط ويستفيد من تجارب الثورات هنا وهناك, للحصول على الخبرات الجديدة المتوالدة ميدانيا, ولكن ليس هناك شيء مما ذكر, لا استعداد ولا هم يحزنون, فالأحزاب الكردية وقياداتها ما زالت أسيرة المرحلة الآفلة, موقفها من المستجدات هو موقف الترقب والانتظار والمفعول به, وليس موقف المراقبة والمتابعة والعمل والتخطيط والفاعلية, وهي لن تتخذ أي موقف إلا بعد ان يمسها الحدث, ومثل هذه المواقف لن تكون مدروسة لأنها ارتجالية وردات فعل, سوف تصيب أصحابها بخسائر فادحة, لو كان ثمة استعداد لدى الأحزاب الكردية, كنا وجدنا اليوم فصائلها وزعاماتها قد ارتفعت بمستوى الأحداث, وأجلت خلافاتها المضحكة إلى وقت لاحق, كي تلتقي على موقف كردي واحد مشترك يستطيع التعامل مع المرحلة الراهنة, حتى لا يخرج الشعب الكردي من هذا المنعطف التاريخي /من المولد بلا حمص/ مثل كل مرة, ولولا دقة المرحلة ربما قبل التفكير بالانتفاضة على الحكومات التي تضطهد الشعب الكردي, لانتفضت قواعد الأحزاب الكردية والكوادر الشبابية على قياداتها الدكتاتورية المتسلطة بعقليتها العجوزة, وأنهت أساليب عملها البالية وأفكارها العتيقة, التي لم تعد تستجيب لزخم الشارع الكردي الذي يتفاعل بحيوية دافقة مع الثورات الجارية, ولو أراد هؤلاء القياديون الاحتفاظ برهة إضافية بمناصبهم الورقية, فعليهم التحول العملي إلى الديمقراطية داخل مؤسساتهم الحزبية, لان ساعة التغيير في الداخل الكردي قد أزفت ولسوف يأتي الشباب الكردي بالبديل المنتظر, فلا يبقى للسكرتير أو الأمين العام غير منصبه الخلبي وهيكل عظمي لحزب صار من الماضي.