لنغير ما بأنفسنا حتى نطالب غيرنا بالتغيير

  بقلم : لاوكي عامودي

لنغير من أنفسنا حتى نطالب غيرنا بالتغيير غالبا ما تتميز حركات الشعوب بالفجائية, لتكون بعكس التوقعات, وهذا لا يعني أنها تأتي من فراغ, بل هي نتاج تراكمات مزمنة تتفاعل داخل المجتمع حتى تبلغ مرحلة الأزمة التي لا يمكن للقوى صاحبة القرار, طمسها بوسائل القمع والبطش والإقصاء, وكذلك لا يمكنها معالجة الأزمة بالطرق المعتادة لان زمن الإصلاح يكون قد فات, وهنا يأتي دور الشعب على شكل ثورة عارمة, تطيح بالأوضاع القائمة وتسير نحو الحل الجذري إلا وهو التغيير,
 وهذا ما نشهده اليوم في بلدان المنطقة, حيث نهضت الشعوب تصنع مصائرها, على عكس ما خطط لها الطغاة والجبابرة, ومن السذاجة الاعتقاد أن هذه الثورات مجرد حركة عفوية أو ردات فعل, بل هي أفكار ونظريات جديدة لم تعد تتقبل الانتهاكات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي ترتكب بحق الشعب, وحالة غضب مبدع ومدرك من الحكومات الاستبدادية التي لم تبقي للشعب كرامة أو لقمة خبز, وكذلك غضب من أحزاب المعارضة التقليدية التي فشلت في خلق أدوات التغيير أو في ردع فراعنة العصر عن قهر الشعوب, فجاء الحل من الشارع من الشباب من السواد الأعظم من الناس, ممن تم إبعادهم قسرا عن المشهد السياسي, وإذا كانت ثمة حسنة للدكتاتورية فأنها بممارساتها العدوانية ضد الشعب قد خلقت الظروف المناسبة للثورة.

وهذا يدفعنا إلى السؤال عن موقع الأكراد من هذه المتغيرات التاريخية, وعلينا التمييز بين الأكراد كشعب والأكراد كأحزاب, فالشعب الكردي نتيجة ظروف الاضطهاد القومي والتمييز العنصري وسياسات الإنكار, هو من أكثر شعوب المنطقة وعيا وإدراكا وجاهزية واستعدادا للقيام بدور محوري في عملية التغيير, وهو أكثر شعوب المنطقة شجاعة وإقداما للتضحية والفداء والمساهمة في الثورة, كي ينال حريته وحقوقه و يصنع مصيره, ولا أدل على ذلك من انتزاعه قصب السبق إلى الثورات الشعبية التي تحدث اليوم, حين قدم نموذج انتفاضة 12 آذار 2004 , التي لم تفهمها الأطراف الأخرى, وامتنعت عن التجاوب معها فضيعت فرصة التغيير على نفسها وعلى مجتمعها, واليوم فان الشعب الكردي مهيأ نفسيا ومعنويا للقيام بدوره, أما بالنسبة إلى الأحزاب الكردية, فحالها مثل حال الحكومات الدكتاتورية, فقد تجاوزها الزمن, وباتت بعيدة جدا عن الشعب الكردي, وعاجزة ليس عن تمثيل مطالبه العادلة فحسب, بل عن تحقيق أدنى هذه المطالب, حيث انحرفت هذه الأحزاب كليا عن أهداف حركة التحرر الكردي الأصيلة, إن لم نقل إنها أصبحت عائقا أمام مسيرة الشعب نحو نيل حقوقه, ولهذا فأنها غير مستعدة وغير مهيأة للمشاركة الفاعلة في التحولات والمتغيرات العاصفة والسريعة التي تجتاح المنطقة, اللهم على صفحات منشوراتهم القروسطية البائسة أو البلاغات الميتة على صفحات الانترنت, ونحن لا نريد التجني على هذه الأحزاب ولكن نذكر الوقائع كما هي, لنجد أن تفاعل الزعامات والقيادات الحزبية الكردية مع المشهد السياسي الجديد في الشرق الأوسط يكاد يكون معدوما, وأن موقفها مما يجري لا يرتقي إلى مستوى الحدث, لأنها لم تستوعب ما حدث وما يحدث, ولم تدرك بعد أن البوعزيزي قد ادخل المنطقة في منعطف تاريخي جديد , أخذت كل القوى والأطراف تستعد له, للخروج من مرحلة الدكتاتورية بأقل الخسائر ودخول مرحلة الحرية بأكبر المكاسب, فأين هي استعدادات القيادات والأحزاب الكردية, والجميع يدرك أن المتغيرات تصيب المصير الكردي في الصميم سلبا أو إيجابا, وبالتالي فان المنطق يفرض على هؤلاء العباقرة أن يؤسسوا غرفة عمل مشتركة, تتابع التطورات والمستجدات على مدار الساعة, من مراكش إلى إيران ومن اليمن حتى تركيا, حتى يكون الجانب الكردي في قلب الحدث ليستوعب ما يجري, وعلى ضوء المعطيات المتواترة يبني مواقف ويضع الخطط ويستفيد من تجارب الثورات هنا وهناك, للحصول على الخبرات الجديدة المتوالدة ميدانيا, ولكن ليس هناك شيء مما ذكر, لا استعداد ولا هم يحزنون, فالأحزاب الكردية وقياداتها ما زالت أسيرة المرحلة الآفلة, موقفها من المستجدات هو موقف الترقب والانتظار والمفعول به, وليس موقف المراقبة والمتابعة والعمل والتخطيط والفاعلية, وهي لن تتخذ أي موقف إلا بعد ان يمسها الحدث, ومثل هذه المواقف لن تكون مدروسة لأنها ارتجالية وردات فعل, سوف تصيب أصحابها بخسائر فادحة, لو كان ثمة استعداد لدى الأحزاب الكردية, كنا وجدنا اليوم فصائلها وزعاماتها قد ارتفعت بمستوى الأحداث, وأجلت خلافاتها المضحكة إلى وقت لاحق, كي تلتقي على موقف كردي واحد مشترك يستطيع التعامل مع المرحلة الراهنة, حتى لا يخرج الشعب الكردي من هذا المنعطف التاريخي /من المولد بلا حمص/ مثل كل مرة, ولولا دقة المرحلة ربما قبل التفكير بالانتفاضة على الحكومات التي تضطهد الشعب الكردي, لانتفضت قواعد الأحزاب الكردية والكوادر الشبابية على قياداتها الدكتاتورية المتسلطة بعقليتها العجوزة, وأنهت أساليب عملها البالية وأفكارها العتيقة, التي لم تعد تستجيب لزخم الشارع الكردي الذي يتفاعل بحيوية دافقة مع الثورات الجارية, ولو أراد هؤلاء القياديون الاحتفاظ برهة إضافية بمناصبهم الورقية, فعليهم التحول العملي إلى الديمقراطية داخل مؤسساتهم الحزبية, لان ساعة التغيير في الداخل الكردي قد أزفت ولسوف يأتي الشباب الكردي بالبديل المنتظر, فلا يبقى للسكرتير أو الأمين العام غير منصبه الخلبي وهيكل عظمي لحزب صار من الماضي.

 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…