(قبل أن يذوب الثلج)

بقلم:فؤاد عليكو
عضو اللجنة السياسية لحزب يكيتي الكردي في سورية

هذا العنوان مقتبس من عنوان مسرحية حضرتها قبل أربعين عاماً في مدينة حلب, و كان بطل المسرحية حسب ما تسعفني الذاكرة الفنان عبد الرحمن حمود و نخبة كبيرة من الفنانين و كان مضمون المسرحية تدور حول تبوأ موقع المسؤولية في بلدة نائية في منطقة جبلة وعندما حل فصل الشتاء و هطلت الثلوج بغزارة و انقطعت الطرقات كلياً و كان المسؤول يحمل أفكاراً جديدة لا تتناسب و سياسة النظام السائد في بلده,فأراد هذا المسؤول استغلال حالة انقطاع الاتصالات مع الدولة ليسرع في تطبيق أفكاره في تلك البلدة الصغيرة , فقام بمحاربة الفساد و المفسدين و إعادة الحقوق و الممتلكات للذين تم الاعتداء عليهم من قبل موظفي الدولة و تعيين الكفاءات المؤهلة محل المفسدين
 و هكذا تم إصدار العشرات من القرارات الإصلاحية الهامة و المخالفة لنظام الدولة السائد و كان يذيل قراراته دائماً بعبارة ” ينفذ قبل أن يذوب الثلج” لأنه كان يدرك تماماً بأنه و بمجرد ذوبان الثلج وفتح الطرقات فإن الاتصالات ستعود مع جهاز الدولة و تتدخل القيادة لوقف إجراءاته الإصلاحية .

ذكرتني رواية هذه المسرحية بما نحن عليه الآن حيث النظام يعيش في وادٍ و يعشعش في جسده الفساد و المفسدين و الشعب السوري و التحركات الجماهيرية الثورية ذات الطابع السلمي الديمقراطي في العالم العربي في وادٍ آخر و بدأت قلاع الأنظمة الدكتاتورية و الشمولية و الأمنية تنهار واحدة تلو الأخرى (تونس , مصر) و أنظمة أخرى تقاوم بضراوة بغية الحفاظ على وجودها و مكتسباتها التاريخية /ليبيا , اليمن , البحرين / وأنظمة أخرى باتت تدرك حراجة ما هم فيه وتحاول جاهدة مواكبة هذه التحولات الكبيرة وتبدأ بعملية إصلاح و تصحيح ما أمكن في محاولة منها لتجنب السقوط المريع مثلما حصل لأقرانهم الآخرين /المغرب, الأردن, الجزائر, العراق/ وهناك أنظمة تدفع الرشوة السياسية بسخاء أملاً منها في إسكات الأفواه المطالبة بالحرية و الكرامة /السعودية ,عمان ,……./
أما في سورية فلا يزال النظام يعتمد على الأساليب التقليدية التي عفى عليها الدهر باستخدامه وسائل القمع الأمني المفرط و المحاكم الاستثنائية و فتح أبواب السجون على مصراعيها أمام أصحاب الرأي المخالف مستغلاً حالة جليد الخوف المتراكم منذ نصف قرن لدى الشعب السوري وكذلك استغلال الشعارات القومية و الوطنية التي لم يعد أحد يريد سماعها و أضحت خاوية من كل مضامينها النبيلة التي كانت قبل عقود من الزمن و من الواضح اليوم ان جليد الخوف الأمني لدى الشعب السوري بدأ بالذوبان التدريجي و إن كان ببطء لكن بقوة و ما حصل من تحركات جماهيرية ضاغطة منذ أيام في دمشق و القامشلي و درعا وحمص وبانياس ودير الزور ما هو إلاَ إنذار بقرب ذوبان الثلج وحدوث سيول وفيضانات مستقبلية لا قدرة للنظام على مواجهتها بوسائله التقليدية المعتادة /القمع الأمني , المحاكم الاستثنائية وكليشات التهم الجاهزة/ مثل (النيل من هيبة الدولة – إثارة الشغب ……) و ما يقصد به النظام النيل من هيبة الأجهزة الأمنية وهنا تبدو الصورة واضحة في اختزال الدولة بالأجهزة الأمنية لأنه لايوجد في سورية من يرغب أو يعمل على النيل من هيبة الدولة /كوطن و جغرافية/ لكن بالتأكيد هناك جهود حثيثة وقوية للنيل من هيبة الأجهزة الأمنية لكسر جليد الخوف الأمني المتراكم.

لأن رياح الحرية و الديمقراطية عاتية و قادمة بقوة و سوف تشمل جميع الدول العربية ولن تكون سوريا استثناءً للقاعدة بل تعتبر مثالاً نموذجياً للقاعدة , خاصة إذا علمنا أن العالم أصبح صغيراً جداً بحجم كمبيوتر أو جهاز خليوي و إن الوسائل الإعلامية المتطورة في يد كل مواطن و في كل بيت بحيث لم يعد يسمح لأي نظام استبدادي بممارسة قمعه دون حسيب أو رقيب , كذلك لم يعد بمقدور الحليف الخارجي و مهما كان قوياً أن يقف في وجه تطلعات الشعوب المطالبة بالحرية و العدالة و المساواة, وخير مثال على ذلك تخلي أمريكا و إسرائيل عن حليفهم القوي في المنطقة/ حسني مبارك/ و أُرغموا على تأييد ثورة الشباب و الحرية للشعب المصري و تركوا مبارك وحيداً لقدره المحتوم /المحاكمة العادلة له ولطاقمه/.
كما أن مفهوم السيادة الوطنية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية بدأت هي الأخرى تتهاوى أمام هدير الشعوب الطامحة للحرية و أرغمت جامعة الدول العربية و لأول مرة في تاريخها على سحب اعترافها بالنظام الليبي و الطلب من الأمم المتحدة بالتدخل  لصالح الشعب الليبي الثائر و على إثره اتخذ مجلس الأمن القرار/1973/ في 17/3/2011 بالتدخل عسكرياً و المساهمة في إسقاط نظام القذافي لصالح الشعب وفق البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة , كما إن الرئيس اليمني بدأ يتهاوى أمام ضربات الجماهير و يستعد للرحيل أيضاً.
وإذا كانت هذه هي اللوحة السياسية اليوم فما على النظام إلاَ أن يترك كل سياساته و ممارساته السابقة و يبدأ باتخاذ القرارات الملائمة للمرحلة و للظرف السياسي الجديد وقد ذكرتُ بعضاً منها في مقالي السابق /النظام السوري و الخيار الاستراتيجي /و ان يذيل كل قرار او إجراء بعبارة (ينفذ قبل أن يذوب الثلج).

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…