لو كنت عضوا في برلمان كوردستان

المحامي مصطفى ابراهيم

بداية لا يحق لي التصويت او الترشح لاية عملية انتخابية في كوردستان وفق الدستور العراقي وقانون الانتخابات لفقداني الجنسية العراقية لذا لجأت الى مصطلح (لو) مما يعني أنني أكتب كمراقب محايد بامتياز عن الاحداث الجارية وتداعياتها المستقبلية .

فمنذ الانتخابات الماضية وما افرزتها صناديق الاقتراع بحصول تحالف الحزبين الحاكمين على نسبة / 59% / من اصوات الناخبين وحصلت حركة  (كوران) التي تشكل العمود الفقري للمعارضة الحالية على / 25 / مقعدا فكان من الطبيعي وفق الأعراف واللعبة الديموقراطية في اي نظام برلماني في العالم ان يبادر رئيس الأقليم بتكليف رئيس الكتلة التي تمتلك أكثرية مقاعد البرلمان ولو بفارق صوت واحد بتشكيل الحكومة
وقد تمكن الرئيس المكلف الدكتور برهم صالح من تشكيلها خلال المهلة الدستورية ونالت الثقة من البرلمان بغالبية مريحة وفق المعايير الدولية مع معارضة بلغت او تجاوزت قليلا ثلث أعضاء البرلمان, وكنت كغيري من المسرورين والمرحبين لهذا التطور نحو السير قدما الى ترسيخ قيم ومبادئ الديمقراطية بوجود سلطة حاكمة ومعارضة بنّاءة تقف بالمرصاد لأداء الحكومة ومدى التزامها بالبرنامج الذي نالت الثقة عليه واعتبرناها ظاهرة صحية والخطوة الأولى نحو تعزيز وتعميق أركان تجربتنا الفتية في ممارسة الحياة البرلمانية لأننا كشعب عانى أكثر من اي شعب اخر الكوارث والويلات وعشنا عقودا متمردين على الدساتير والقوانين الصادرة من المركز التي كانت بمجملها تتنكر لهويتنا القومية وحقوقنا المشروعة بالكفاح المسلح على قمم الجبال حينا أو بالنضال السري في الأقبية والأوكار  وفي زنزانات تلك الأنظمة احيانا أخرى بحيث تشربت افكارنا وعقولنا بالرفض المطلق لأي نقد أو معارضة في صفوف أحزابنا ومقرات ثوارنا ولن أسهب كثيرا في هذا السياق لأنها من الماضي وان كان لازالت اثارها وتداعياتها ندية في ذاكرة الكثير من أبناء شعبنا والتي يعتبرها جيل الشباب بأن ليس له فيها ناقة أو جمل وربما قد يكون محقا في احدى الجوانب ومسألة فيها نظر من الجوانب الأخرى ولكنني اقول بمنتهى الصدق والأمانة لو كنت عضوا مستقلا غير منسوب للحزبين الحاكمين او لقوى المعارضة بتلاوينها المختلفة لكنت من السباقين لرفع اليد تأييدا لمطالب المعارضة للقضاء على افة الفساد على الصعيدين المالي والاداري ولكنت في صفوفهم لمحاربة الروتين والبيروقراطية في مفاصل بعض الهياكل الادارية الموروثة من العهد العثماني والمتوجة بأليات النظام البعثي البائد ورفعت عاليا راية اقامة سلطة قضائية مستقلة تتمتع بالكفاءة والنزاهة والحظر على جميع القضاة وهيئة الادعاء العام ومجلس القضاء الاعلى من ممارسة العمل السياسي والقضاء النزيه والمستقل تحصن الأوطان والمجتمعات من جميع الأفات والعلل وايلاء المزيد بل جلّ الاهتمام لجيل الشباب ومطاليبهم المشروعة وحقهم في حياة حرة كريمة بدخل متوازن مع متطلبات الحياة مع مسكن لائق وفق خارطة طريق واضحة المعالم زمانا ومكانا بعيدا عن المحسوبية والمنسوبية والمناطقية اضافة لباقي ما يحتاجه المواطنون من مياه نقية وكهرباء متواصلة وطرقات جيدة ورعاية صحية ورفع مستوى البرامج التعليمية بكافة مراحله ولكنت من أكثر وأشد المطالبين بحجب الثقة عن الحكومة بأكملها في حال فشلها او اخفاقها بالقيام بالواجبات المناطة بها وطلب استجواب الوزير المسؤول عن هذا التقصير وفق التقاليد والأعراف البرلمانية المتبعة في البلدان التي سبقتنا بعقود ان لم أقل بقرون في ممارستها للديموقراطية .

بيد انني كنت في ذات الوقت رفعت وصرخت باعلى صوتي شاجبا بقوة موقف المعارضة من تصديها ورفضها ادراج  (ميزانية البيشمركة) في ميزانية وزارة الدفاع في البرلمان العراقي التي نالت بهذا الموقف الاعجاب والترحيب وقوبلت بالتصفيق الحاد من القوى العربية الشوفينية داخل البرلمان وخارجه كما كنت سأرفض مسارهم ومسيرتهم الحالية التي تعتبر استثناء من جميع المعارضات في العالم ألا هو الجمع بين مقاعد البرلمان وقيادة المسيرات في الشوارع والساحات فالاحزاب المعارضة في تركيا وهي قوية لا تقود المظاهرات المطالبة باسقاط الحكومة في الشوارع لأنها تدرك بموروثها الديموقراطي بأن اسقاط الحكومات لا تتم الا تحت قبة البرلمان طالما هي قبلت باللعبة الديموقراطية وبالنظام البرلماني .
كما كنت قد طالبت بشدة برفع الحصانة عن عضو برلماني يمتنع ويرفض الوقوف دقيقة صمت وقراءة الفاتحة على ارواح شهداء الكورد وكوردستان فيما ديننا الحنيف يكلفنا واجب طلب الرحمة والسلام والتسامح والاحترام لأهل الكتب المقدسة من يهود ونصارى والا فهل نحن نخالف قواعد شريعتنا وسنة رسوله الكريم بترديدنا صباح مساء (عيسى وموسى عليهما السلام) ؟؟؟
كما كنت اشرت على الاعضاء الافاضل من قوى المعارضة بأنه ليس من قبيل الانصاف اعتبار الاخطار المحدقة بكوردستان عموما وبمدينة (كركوك) وباقي المناطق المستقطعة التي نشاهدها بالصوت والصورة وتصدي قوات البيشمركة لهذا الخطر بمثابة مسرحية او عملية هروب الى الامام من السلطة الحاكمة وتصديرا لأزماتها الداخلية الى الخارج بهدف الالتفاف على حركة الجماهير فهذا التصوير هو منتهى الظلم والجور وجلد للذات الكوردية لا يقبله العقل والمنطق كما كنت موجها انتقادا لاذعا ان نضع قضايانا القومية المصيرية في خانة واحدة مع قضايانا ومشاكلنا الداخلية واحيانا اعطاء الاولوية لها أفليس بالامكان الفصل بينهما فلنكن سلطة ومعارضة متحدين ومتضامنين في موقف واحد وخطاب سياسي موحد حيال قضايانا القومية والنضال في سبيل تحقيقها وأن نكون مختلفين في الرؤى والتصورات حول قضايانا وشؤننا الداخلية كما هي عليها جميع دول العالم .
لقد عقد البرلمان عدة جلسات وشكل العديد من اللجان واستجابت لمعظم طروحات المعارضة من خلال بيان يتضمن / 17 / بندا ولكن خلال اقل من / 24 / ساعة تنكرت المعارضة لمواقفها ورفعت سقف مطاليبها وطالبت بحل الحكومة والبرلمان واستمرت بالتظاهر في الساحات والشوارع ومرة اخرى جاء بيان (الرئيس البارزاني) بالموافقة على اجراء انتخابات مبكرة وجاء الرفض مرة اخرى وعلى لسان نوشيروان مصطفى بان لا طائل ولا فائدة من اجراء الانتخابات في ظل الحكومة الحالية الضالعة والبارعة والمسؤولة بالمطلق عن جميع المصائب والنكبات التي يعاني منها المجتمع الكوردستاني والمطالبة بحكومة تكنوقراط مستقلة مؤلفة فقط من ستة أعضاء طبعا دون الافصاح من سيكون رئيس هذه الحكومة .
وهنا لا بد من طرح الاسئلة التالية على قوى المعارضة الثلاثة (كوران – يكرتو- كومل) الذين باتو كالشعراء يقولون ما لا يفعلون فيصدرون البيانات والبلاغات مجتمعين متفقين ثم لا يلبث هذا الفريق او ذاك بالتنصل من بعض بنوده ويسحب البساط من تحت اقدام ممثله الموقع على البيان المشترك .
السؤال الاول : ماهي الية وكيفية الاتفاق على اعضاء حكومة التكنوقراط المستقلة وهل هم على استعداد بقبول اية شخصية مستقلة تتباين افكاره وطروحاته مع افكارهم وطروحاتهم ولو بحدودها الدنيا  ؟ ؟
السؤال الثاني : هل هم على توافق واستعداد على تحديد موعد مناسب ومناخ ملائم و وضع امن للدعاية الانتخابية واجراء عملية الاقتراع وبمعنى اوضح هل هم على استعداد لتهدئة الشارع و وقف الشحن الاعلامي ودعوة جماهيرهم ومؤيديهم بالعودة الى منازلهم ومقاعد دراستهم واماكن عملهم وهي اهم الشروط التي يمكن توفرها لاجراء عملية الانتخابات بحرية ونزاهة بعيدة عن الترغيب و الترهيب وعمليات التزوير كما يزعمون .
السؤال الثالث : هل قوى المعارضة مستعدة لتوقيع ميثاق شرف وعرضه من خلال جميع وسائل الاعلام وتوزيعه على الشعب في طول كوردستان و عرضها , بقبول نتائج صناديق الاقتراع مهما كانت نسبة الفوز لهذا الطرف او ذاك مع التعهد بالكف نهائيا عن ترديد السمفونيات الحالية باتهام اعضاء حكومة التكنوقراط بالاهمال والتقصير والانحياز لهذه القائمة او تلك وحينها سنصفق بحرارة للبرلمان الجديد مهما كانت تركيبته لان الشعب قال كلمته فهو المصدر الشرعي الوحيد لاية سلطة .
لي وطيد الامل وكثير الرجاء من قوى المعارضة ان تتجنب وتتحاشى من تقسيم القوى السياسية في كوردستان بين ملائكة وقديسين وشياطين واشرار وجريا على المثل الشامي (الحارة ضيقة ونعرف بعضنا البعض حق المعرفة) وان تكون اقل تواضعا و واقعية بان ما من فئة او حركة سياسية ودينية تمتلك كل الحقيقة او الحقيقة المطلقة وان الجهة المنافسة لها يأتيها الباطل وكل الباطل من خلفه وبين يديه ومن الاجحاف والظلم اعتبار جمهور وناخبي الحزبين الحاكمين مجموعة من الخانعين والمنتفعين وبائعي الضمائر والذمم وان جمهورهم وناخبيهم ومريديهم من الابطال الميامين الشرفاء أو من أتباع السلف الصالح والمبشرين بدخول الفردوس الالهي
وهنا بودي أن أشارك قوى المعارضة التي من المحتمل ان تخوض العملية الانتخابية بقائمة واحدة تفاؤلها المفرط واحلامها الكبيرة بفوزها الكاسح في الانتخابات المبكرة القادمة واستحواذها على معظم مقاعد البرلمان المرتقب فمن حقها القانوني تشكيل حكومة مثالثة وحينها سيصطدمون بتلال من المعوقات والعراقيل اكثر مما تعانيه حكومة الحزبين الحاكمين العلمانيين ببرامجهما السياسية وممارستهما اليومية على ارض الواقع منذ بدايات تأسيسهما ..
فبأي نهج وبأية أيدلوجية ستمارس تلك الحكومة ادائها على المجتمع الكوردستاني المؤلف من مكونات دينية ومذهبية واثنية عديدة .
على نهج حركة كوران العلماني بشبابه المنبهر بالحضارة الغربية والتكنولوجيا الحديثة (الانترنت – الموبايل – الفيسبوك) والمطالب بالمزيد من الحريات الفردية في جميع المجالات وبالتحديد منها حق المرأة في العمل والانتقال دون قيود واختيارها الحر لشريك حياتها والحد من ظاهرة تعدد الزوجات وشجب واستنكار بما يسمى عقوبات جرائم الشرف وغسل العار …الخ مع شريكين له في هذا التحالف القائم يجاهدان في سبيل اقامة خلافة اسلامية بتيني الشريعة الاسلامية وسيرة السلف الصالح دستورا لهما في الشعار والتطبيق العملي أقله التمسك لقوله تعالى (الرجال قوامون على النساء) او (أحل لكم الزواج مثنى وثلاث ورباع وما ملكت أيمانكم) ومعاقبة المرأة الزانية رجما بالحجارة حتى الموت في ساحة ازادي امام هذا الجيل من الشباب.

وهذه القضايا تشكل هاجسا لدى جميع مكونات واطياف المجتمع الكوردستاني .
فهل اتفقت المعارضة بكتلها المختلفة فكريا وايدلوجيا على قواسم مشتركة لتلك القضايا الشائكة والمعقدة ام تم ترحيلها الى ما بعد الفوز في الانتخابات وتشكيل حكومة مثالثة وحينها سيكون لكل حادث حديث ….

سياسي كوردي سوري  

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

كفاح محمود منذ تأسيس كثير من دول الشرق الأوسط خاصة تلك التي أُسّست نتيجة اتفاقية سايكس بيكو وخرائطها المفروضة بمبضع بريطاني فرنسي تركي، والأنظمة التي تكوّنت على إثرها عانت وما تزال تعاني من عقدة مركّبة بين هوية الدولة وأزمة نُخَبِها السياسية والثقافية ومفهوم المواطنة والانتماء، ومن أبرز ظواهرها التغييرات الدموية في الأنظمة السياسية التي حكمتها منذ منتصف القرن الماضي وحتى…

بدعوة من لجان تنسيق مشروع حراك ” بزاف ” لاعادة بناء الحركة الكردية السورية ، التامت الندوة الافتراضية الموسعة الثانية ليلة الثالث والعشرين من الشهر الجاري بمشاركة نحو أربعين شخصية وطنية مستقلة ، من بنات وأبناء شعبنا الكردي السوري ، من الداخل وبلدان الشتات ، ومن مختلف الفئات الاجتماعية ، وناشطي المجتمع المدني ، الذين تحاوروا بكل حرية ، وابدوا…

اعتبر الزعيم الكوردي رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني، يوم الجمعة، أن الارضية باتت مهيأة لإجراء عملية سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط للقضية الكوردية. جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال انطلاق أعمال منتدى (السلام والأمن في الشرق الأوسط – MEPS 2024) في الجامعة الأمريكية في دهوك. وقال بارزاني، في كلمته إنه “في اقليم كوردستان، جرت الانتخابات رغم التوقعات التي…

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….