هل بدأت الثورة المضادة

حسين عيسو

بوغت الغرب بثورتي تونس ومصر والسرعة التي أجبرتا اثنين من أسوأ الطغاة , أحدهما على الهروب والآخر على التنحي , وما كادت الثورتان أن تنجحا حتى كانت رياح التغيير تتجه صوب الشرق والغرب من اليمن الى ليبيا والبحرين وحتى سلطنة عمان , هنا تنبه الغرب الى أمر شديد الأهمية وهو أن هذه الثورات وللمرة الأولى يحركها الشباب ولا يد للغرب فيها كما كانت في الانقلابات العسكرية التي أطلقوا عليها تسمية “ثورات” مهدت لأنظمة استبدادية خانعة للغرب متجبرة تجاه شعوبها , وتسببت في كل المآسي التي نعاني منها اليوم الى درجة توقع الجميع ديمومتها , لأن الشعوب أصبحت بلا حول ولا قوة , واذ بالشباب يثبت عكس ذلك , فينتفض لاستعادة الكرامة المهدورة ,
 هنا حاول الغرب وقف هذا المد التسونامي لا حبا في أولئك الطغاة المكروهين , ولكن خشية تحول هذه المنطقة المحكومة من أنظمة استبداد خاضعة لاملاءات الغرب ومصالحه , الى دول ديمقراطية تعمل حسب مصالح شعوبها , هنا أعاد الغرب وإسرائيل حساباتهم , فالقذافي الذي خضع للإملاءات الأمريكية بعد احتلال العراق وقدم لها واجبات الطاعة وسلمها كل برامجه النووية وحتى أسماء شركائه , حفاظا على رقبته , وحتى لا يلحق بصدام  حسين , ما كان لينفذ هذه المجازر بحق شعبه لولا تأكده بأن أمريكا لن تزعجه , رغم مطالبتها له بالتنحي والتي اعتبرها كضوء أصفر مسموح له بالتحرك ضمن مرحلة محدودة , لذا نراه اليوم يستخدم كل قوته لإعادة الأمور الى ما كانت عليه قبل الثورة فأمريكا وأوربا والناتو تحججوا بعدم التدخل الا بعد موافقة جامعة الأنظمة العربية والتي يعلم روادها أن يوم خلاص الشعوب تنتظر من تبقى منهم , والولايات المتحدة تعلم ذلك جيدا , لذا ستحاول ولو بشكل غير مباشرعلى افشال هذه الثورات التي انفجرت , خارج نطاق هيمنتها , ما يذكرنا بما حصل في العراق عام 1991 حين ثار الجنوب الشيعي والشمال الكردي في العراق بعد هزيمة صدام في الكويت , فتركهم الغرب لمصيرهم المحتوم ولتمتد مآسيهم لاثني عشر عاما , حين أتت أمريكا بقادة على مقاسها لتخليص الشعب العراقي من طاغية سيء , ولكن ليحكموا من قبل مجموعة هم أسوأ منه .

        وفي اليمن اليوم ألم يكن ضوءا أخضر أمس لعلي عبد الله صالح , حين أعلنت أمريكا أن ما قدمه صالح للمحتجين يكفي للحوار , وبالتأكيد رفض المنتفضون ذلك , ولكن صالح فهم تصريحات المسئولين الأمريكيين كضوء أخضر , فلم يضيع الفرصة للضرب مع الفجر وليوقع عشرات الضحايا , دون تأنيب من ضمير , وحتى لايتهمني القارئ بمعاداة أمريكا  أنقل هنا بعضا من مقالة ل “هنري كيسنجر” في لوس أنجلس تايمز , تاريخ( 5أيار 1991 ) بعنوان “الالتزامات الأمريكية في الخليج” يقول : “لا أحد يمكن أن يشاهد المناظر التي تقطع نياط القلوب من معاناة اللاجئين الأكراد على حدود تركيا وايران , دون أن يرحب بأي خطوة قد تبشر بتفادي الكارثة المحدقة بهم , لكنني أرى أن الموقف المبدئي الذي اتخذه الرئيس بوش “الأب” بقصد تجنب التورط العسكري في المنطقة كان تعبيرا صحيحا …اذ لا يوجد اي خطر يهدد الأمن القومي الأمريكي ….بامكاننا الابقاء على العقوبات والمقاطعة حتى تحقيق الحكم الذاتي للأكراد …… علينا اذا كنا لا نريد أن نكون محسنين دائمين أو شرطيين دائمين , أن نعد قائمة أولويات تجيد ربط الغايات والوسائل” , طبعا لم يعتبر السيد كيسنجر حرب الكويت تورطا عسكريا في المنطقة !!, أليس هذا ما يفعله الأمريكان اليوم مع الشعبين الليبي واليمني !!.
        نعود مرة أخرى الى ثورتي تونس ومصر , ومع كل الثقة في حذرهم مما يحاك ضدهم من مؤامرات , بدت واضحة خلال الأيام الماضية ومحاولات نشر النعرات الطائفية بعد الثورة التي وحدت جميع فئات المجتمع المصري , ليخرج غول الطائفية رأسه من جديد , صحيح أن الثوار كانوا أسرع من أن يؤخذوا على حين غرة فوقفوا لتلك المؤامرة وعروها , ولكن ليعلم الثوار في البلدين , أن الثورة لم تنجح بعد , وأن المحافظة على تلك المنجزات أصعب من النجاح الذي حققوه , وأن إسرائيل لن تقبل بأنظمة ديمقراطية على حدودها , وفي المنطقة , ليس لأنها تخشاهم  وانما لخشيتها أن هكذا أنظمة ستعريها وتعري ادعاءها المستمر بأنها واحة ديمقراطية في صحراء من الديكتاتوريات أولا , ولأنها تغذت من خلال الحروب الخاسرة معها , ثم أن اللاحرب واللاسلم خدم تجييشها المستمر , لتلك الأسباب , فان الديمقراطية في دول الجوار يعني نهاية تلك الدولة كنظام عنصري “ديموغرافيا” خلال أعوام قليلة , وقد فضح القذافي نفسه ومن حوله حين قال أن رحيله سيسبب أكبر الضرر لإسرائيل والغرب , وهذه أول كلمة صادقة نطق بها القذافي في حياته , وهو يقصد أن في رحيل الأنظمة الاستبدادية , خسارة كبرى لإسرائيل .
الحسكة في 12/03/2011
Hussein.isso@gmail.com

 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

كفاح محمود حينما كان الرئيس الراحل عبد السلام عارف يُنعى في أرجاء العراق منتصف ستينيات القرن الماضي، أُقيمت في بلدتي النائية عن بغداد مجالسُ عزاءٍ رسمية، شارك فيها الوجهاء ورجال الدين ورؤساء العشائر، في مشهدٍ يغلب عليه طابع المجاملة والنفاق أكثر من الحزن الحقيقي، كان الناس يبكون “الرئيس المؤمن”، بينما كانت السلطة تستعدّ لتوريث “إيمانها” إلى رئيسٍ مؤمنٍ جديد! كنّا…

نظام مير محمدي *   عند النظر في الأوضاع الحالية الدائرة في إيران، فإن من أبرز ملامحها ترکيز ملفت للنظر في القمع المفرط الذي يقوم به النظام الإيراني مع حذر شديد وغير مسبوق في القيام بنشاطات وعمليات إرهابية خارج إيران، وهذا لا يعني إطلاقاً تخلي النظام عن الإرهاب، وإنما وبسبب من أوضاعه الصعبة وعزلته الدولية والخوف من النتائج التي قد…

خالد حسو تعود جذور الأزمة السورية في جوهرها إلى خللٍ بنيوي عميق في مفهوم الدولة كما تجلّى في الدستور السوري منذ تأسيسه، إذ لم يُبنَ على أساس عقدٍ اجتماعي جامع يعبّر عن إرادة جميع مكونات المجتمع، بل فُرض كإطار قانوني يعكس هيمنة هوية واحدة على حساب التنوع الديني والقومي والثقافي الذي ميّز سوريا تاريخيًا. فالعقد الاجتماعي الجامع هو التوافق الوطني…

تصريح صحفي يعرب “تيار مستقبل كردستان سوريا” عن إدانته واستنكاره الشديدين للعملية الإرهابية الجبانة التي استهدفت دورية مشتركة للقوات السورية والأمريكية بالقرب من مدينة تدمر، والتي أسفرت عن سقوط عدد من الضحايا بين قتلى وجرحى. إن هذا الفعل الإجرامي يستهدف زعزعة الأمن والاستقرار، ويؤكد على خطورة الإرهاب الذي يتهدد الجميع دون تمييز، مما يتطلب تكاتفاً دولياً جاداً لاستئصاله. كما يُعلن…