استثناء من الاستثناء (رمزي عبد الرحمن بن عيسى)

  إدريس سروجي

  ثماني سنوات تمر بتثاقل و بطئ، حاملة في طياتها آهات و حسرات، و تراقب حذر و تربص منقطع النظير، ربما يأتي فرج أو تحمل لحظة ما رأفة عفوٍ أو حنية إفراج، و لكن ثمانية أعوام بما حملت لم تحمل من هذا أو ذاك و بقيت جافة إلى أبعد الحدود، و كأنها تتناسى عن قصد التفكير و لو بقليل من التأني فيما إذا كانت تحاكم سجين أحداث آذار الوحيد إلى الآن بجرم أقترفه أم تحاكم من لم يقترف شيئاً سوى انتمائه إلى عائلة قدر لها القدر أن تكون من بين من ذاقوا المداهمات الليلية على خلفية قوائم إستخباراتية ليس إلا!

ثماني سنوات و الأهل يطرقون الأبواب بكل الوسائل القضائية و الشرعية، حتى لا تكاد تمر مناسبة أو فرصة إلا و يستجدونها، بكتابات أو زيارات تنقل الصورة الصحيحة و أحياناً بشهادات واقعية ممن كانوا في عين المكان لحظة المداهمة و جرح رجل الأمن المغدور الذي فارق الحياة فيما بعد.
و لكن قد يدفع أحدنا ثمناً لشيء لا ناقة لها فيه و لا جمل! أو قد يعتذرون لنا بعد فوات الأوان بعبارة لا تؤاخذنا كنا مخطئين في تقديراتنا، فأنت برئ، الله معك!
أو قد لا يتم لنا ذلك، فنقضي حكمنا و نعود إلى دارنا إن كانت لنا في الحياة أيام باقية! و بين هذا و ذاك يبقى حال رمزي عبد الرحمن على حاله و تبقى عيون أهله معلقة على مراسيم العفو الرئاسية علها تحمل اسمه و لو سهو أو عل السلطات القضائية تدرج اسمه بين المشمولين بهكذا قرارات رئاسية، و أن لا يتم التعمد إلى استبعاده أو تناسيه مثلاً.
سنوات و مراسيم عفو متعددة و إفراج عن محكومين على خلفيات شتى و رمز عبد الرحمن يستثنى و كأنه يحتاج إلى تغيير الكون كله كي يُشمل بالعطف و الرأفة، أو كأن السنن و القوانين التشريعية عاجزة عن إيجاد باب ينفذ إلى قضيته التي تحولت منذ الوهلة الأولى إلى معضلة حقيقية، ابتداءاًً بعدد سنوات حكمها الثمانية عشر و مروراً بأسوارها المنيعة و عجز أي قرار عن اقتحامها، و وصولاً إلى مرسوم العفو الذي صدر على خلفية أحداث آذار 2004 و الإفراج عن جميع المعتقلين على خلفية تلك الأحداث وتتالي المراسيم و إطلاق سراح العديد من المحكومين دون أن يكون لرمزي عبد الرحمن نصيب فيه، فلم يكتسب أهله من وراءه إلا المزيد من القهر و الحسرة!
و يبقى التساؤل سيد الموقف و الترقب حاكمها و آمالنا معلقة بالإنصاف و العدالة التي تُغيب في كثير من الأحيان لغايات و أهداف باتت للجميع واضحة.


قد لا نستطيع التطرق إلى كل شيء في حضرة مقال بسيط أو قد نعجز عن التطرق إليه أصلا و لكن العالم أصبح عويلم و الدنيا تصغر شيئاً فشيئاً و المستحيلات لن تبقى مستحيلات أبداً أبدا!

فهل سنشهد ما لم و لا نتوقعه من سلطاتنا المحمودة؟ هل سنشهد التفاتة حقيقية و تحول حقيقي في أحوالنا و حذف لمسميات يعرف الجميع أنها غير حقيقية و تودي بالكثير إلى غياهب السجون المظلمة؟ و هل ستتوجه نحو المصالحة الحقيقية مع كل مكونات هذا البلد لسد ثغراته الكثيرة؟ و هل سيعاد لصحاب المظالم حقوقهم المشروعة؟ هذا ما يبحث عن الترجمة الفورية في واقعنا المشتت بإجابة صادقة!

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

أزاد خليل* على مدى عقود من حكم آل الأسد، عاشت سوريا غيابًا تامًا لعقد اجتماعي حقيقي يعبر عن إرادة شعبها، ويؤسس لنظام حكم ينسجم مع تنوعها الثقافي والعرقي والديني. كان النظام قائمًا على قبضة أمنية محكمة وممارسات استبدادية استباحت مؤسسات الدولة لخدمة مصالح ضيقة. واليوم، مع نهاية هذه المرحلة السوداء من تاريخ سوريا، تبرز الحاجة إلى التفكير في نظام…

د. محمود عباس أحيي الإخوة الكورد الذين يواجهون الأصوات العروبية والتركية عبر القنوات العربية المتعددة وفي الجلسات الحوارية، سواءً على صفحات التواصل الاجتماعي أو في الصالات الثقافية، ويُسكتون الأصوات التي تنكر الحقوق القومية للكورد من جهة، أو تلك التي تدّعي زورًا المطالبة بالمساواة والوطنية من جهة أخرى، متخفية خلف قناع النفاق. وأثمن قدرتهم على هدم ادعاءات المتلاعبين بالمفاهيم، التي تهدف…

إبراهيم اليوسف منذ بدايات تأسيس سوريا، غدا الكرد والعرب شركاء في الوطن، الدين، والثقافة، رغم أن الكرد من الشعوب العريقة التي يدين أبناؤها بديانات متعددة، آخرها الإسلام، وذلك بعد أن ابتلعت الخريطة الجديدة جزءاً من كردستان، بموجب مخطط سايكس بيكو، وأسسوا معًا نسيجًا اجتماعيًا غنيًا بالتنوع، كامتداد . في سوريا، لعب الكرد دورًا محوريًا في بناء الدولة الحديثة،…

فرحان كلش طبيعياً في الأزمات الكبرى تشهد المجتمعات اختلالات عميقة في بناها السياسية والفكرية، ونحن الآن في الوضع السوري نعيش جملة أزمات متداخلة، منها غياب هوية الدولة السورية وانقسام المجتمع إلى كتل بطوابع متباينة، هذا اللاوضوح في المشهد يرافقه فقدان النخبة المثقفة الوضوح في خطوط تفكيرها، وكذا السياسي يشهد اضطراباً في خياراته لمواجهة غموضية الواقع وتداخل الأحداث وتسارعها غير المدرك…