التغيير في سوريا: كيف يمكن سد الهوة بين الأجندات المختلفة ؟

زيور العمر

بعد أن أصبح التغيير في المنطقة أمرا واقعا, إثر نجاح شعوب المنطقة في إنزال العقاب في بعض الأنظمة المعروفة بالطغيان و الإستبداد و الفساد و نهب الثروات, شعر السوريون أنهم معنيون بما يجري من أحداث تعصف بمنطقتهم, من جهة تشابه الحالة الإستبدادية في بلادهم مع حالات مصر و تونس و ليبيا و غيرها, رغم وجود  بعض الفوارق بين هذه الدول.

و لعل أهم ما يثير الإهتمام هو إتفاق جميع الأطياف و المكونات , القومية و الدينية و المذهبية , على أن رياح التغيير قادمة الى سوريا مهما طال الزمن أو قصر.

و مع ذلك فإن السؤال: كيف سيتحقق التغيير في سوريا في ظل الإنقسامات و الآراء و المصالح المتناقضة ؟
إشكالية المشهد الداخلي في سوريا تكمن في الإنقسامات العامودية و الأفقية في النسيج الإجتماعي , و التي إنعكست في مواقف و مواقع القوى السياسية المعارضة في البلاد , الأمر الذي جعل من أي إطار جامع بينها على مشروع وطني ديمقراطي  يحتضن طموحات و مصالح الشعب السوري, في غاية الصعوبة.

و ما يعقد من الأمور أكثر هو الإختلاف بين مكونات الشعب السوري , القومية و الدينية و المذهبية , و تنافر مصالحها.

فكل التنظيمات السياسية تعبر عن موروث إيديولوجي, قومي او ديني مذهبي , منه الى فكر ديمقراطي منفتح على كل الآراء و الخيارات المتاحة الداعية الى التغيير.
 و إذا زدنا الى الأسباب السابقة, السياسات التي إنتهجها النظام , و الإجراءات التي إتخذها بحق القوى السياسية و الفعاليات الإجتماعية و الثقافية في البلاد على إمتداد عقود , و التي إتسمت في معظمها بالترهيب و التنكيل و التعذيب دونما شفقة أو رحمة , بالتوازي مع سياسة الإختراق الأمنية في تلك التنظيمات , و نجاحها في فسخ أنسجة و مفاصل هياكلها , و شراء ذمم العديد من رموزها و قياداتها , فإننا سوف نتوصل الى نتيجة مفادها إستحالة تكوين حراك وطني ديمقراطي عام في البلاد , بمعية الأطر و الهياكل السياسية الراهنة.


و هو ما يدعونا الى طرح السؤال التالي  : كيف يمكن إزاحة هذه الإنقسامات و التناقضات من المشهد السياسي السوري حتى يتحقق التغيير؟
للإيجابة على هذا السؤال, برأي , يحتاج المرء الى مقاربة جديدة و مغايرة لما هو سائد, وهي اعتبار السعي الى التقريب بين مكونات و فئات المجتمع السوري , المسألة التي يجب أن تحظى بالإهتمام الأعظم , و ليس التقريب بين التنظيمات السياسية المعارضة في البلاد.

فأغلبية هذه التنظيمات, و خاصة في الداخل , هي هياكل منزوعة الإرادة , و غير مالكة لقرارها , و منشغلة بمشاكلها و أزماتها , قبل أن تنشغل و تهتم بمعاناة و هموم الشعب السوري , لذلك لا بد من الإعتراف بحاجة المشهد السياسي السوري الى كاريزمة وطنية ديمقراطية حقيقية , سياسية و تنظيمية , يقود الشعب السوري  بجميع مكوناته المتعددة و المتنوعة الى الدولة المدنية الديمقراطية , تتحق فيه العدالة الإجتماعية وسيادة القانون و إستقلالية القضاء , و الإعتراف الكامل بحقوق جميع المكونات , و خاصة المكون الكردي باعتباره يشكل قومية متميزة في سوريا و يمتلك مقومات شرعية الإعتراف به كشريك كامل في صياغة و صنع حاضر و مستقبل البلد.

وباعتبار أن كل الثورات التي قامت حتى الآن في المنطقة كانت بمجهود و عمل و تضحيات عناصر الشباب في المجتمع , في ظل غياب أي دور للقوى السياسية التقليدية, فإن الحالة السورية لا تشكل إستثناءاً في قاعدة تهالك تلك القوى على إمتداد عقود.

و لان سوريا تمتلك مجتمعاً شبابياً مثله مثل بلدان المنطقة التي تتميز بزيادة عالية في عدد السكان, فإن المسؤولية تقع على عاتق هؤلاء الشباب لإحداث عملية تغييرية مماثلة في نظام الحكم , و لعل أهم ما يجب التركيز عليه في هذه المرحلة بغية تحقيق هدف التغيير هو تفعيل و توسيع دائرة الحوار بين شباب المجتمع حتى تتشكل الأرضية المناسبة لظهور الكاريزما الأنفة الذكر من أجل صياغة الخطوط العريضة لمشروع الدولة المدنية الديمقراطية التي يطمح إليه جميع أبناء سوريا .


و عليه فإن هؤلاء الشباب بمقدورهم الإستفادة كأقرانهم في المجتمعات الأخرى من ثورة الإتصالات و الإنترنت لبناء جبهة شبابية وطنية ديمقراطية في البلاد, بمعزل عن القوى التقليدية في المجتمع , من أجل إستغلال أدنى فرصة تتوفر للإنقضاض على نظام الإستبداد و الفساد و النهب و إنهاء حكمه الى أبد الأبدين.
03/03/2011

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي في السنوات الأخيرة، بات من الصعب تجاهل التحوّل المتسارع في نبرة الخطاب العام حول العالم . فالعنصرية والكراهية والتحريض عليهما لم تعودا مجرّد ظواهر هامشية تتسلل من أطراف المجتمع، بل بدأت تتحول، في أكثر الدول ديمقراطية ولم يعد ينحصر في دول الشرق الأوسط ( سوريا . لبنان – العراق – تركيا – ايران وو .. نموذجاً ) وحدها…

ياسر بادلي ليس اختيارُ الرئيس العراقيّ السابق، برهم صالح، مفوّضاً سامياً لشؤون اللاجئين حدثاً عابراً يمرّ على أطراف الأخبار؛ بل هو لحظةٌ ينهضُ فيها تاريخُ شعبٍ كامل ليشهد أن الأمم التي صُنعت من الألم تستطيع أن تكتب للإنسانيّة فصلاً جديداً من الرجاء. فالمسألة ليست منصباً جديداً فحسب… إنه اعترافٌ عالميّ بأنّ الكورد، الذين حملوا قروناً من الاضطهاد والتهجير، ما زالوا…

المحامي عبدالرحمن محمد   تتواصل فصول المسرحية التركية وسياساتها القذرة في الانكار والنفي للوجود التاريخي للشعب الكوردي على ارضه كوردستان، ومحاولاتها المستمرة لالغاء ومحو كلمتي كورد وكوردستان بوصفهما عنوانا للهوية القومية الكوردية والوطنية الكوردستانية من القاموس السياسي والحقوقي والجغرافي الدولي، سواء على جغرافيا كوردستان او على مستوى العالم. تارة يتم ذلك بحجة وذريعة الدين (الاسلام)، وتارة اخرى باسم الاندماج والاخوة،…

  إبراهيم اليوسف وصلتني صباح اليوم رسالة من شاعرة سورية قالت فيها إنها طالما رأتني وطنياً لكنها تجدني أخرج عن ذلك، أحياناً. رددت عليها: صديقتي، وما الذي بدر مني بما يجعلك ترين وطنيتي منقوصة؟ قالت: أنت من أوائل الناس الذين وقفوا ضد ظلم نظام البعث والأسد. قلت لها: ألا ترينني الآن أقف أيضاً ضد ظلم السلطة المفروضة- إقليمياً ودولياً لا…