احتجاجات السليمانية والخطاب المتخشب

جان دوست

لا شك أن شعوب جنوب الكرة الأرضية بدأت تستيقظ من سبات الخوف والذل والهوان والرضا بقدرها، ولا شك أن المنطقة العربية امتدادأ من ساحة محمد الخامس في الدار البيضاء على شاطئ الأطلسي ومروراً بساحة 14 جانفي في سيدي بو زيد التونسية فميدان الشجرة في بنغازي ثم ميدان التحرير في قلب القاهرة وانتهاء بدوار اللؤلؤ في منامة البحرين تتعرض لزلزال كبير يعصى على خبراء السياسة وعلم الاجتماع تقدير شدته ولا التنبؤ بمدى اتساع رقعته أو آثاره المستقبلية.

 ونحن كأكراد نعيش في هذه المنطقة الزلزالية ملزمون بالتنبه إلى الارتدادات الزلزالية التي تصيب كردستان وشعبها.

وأريد أن أخص بالذكر كردستان الجنوبية فهي المنطقة الكردية الوحيدة من كردستان التي فيها حكومة وبرلمان وجميع مستلزمات الدولة العصرية.

 لقد خرج الناس في مدينة السليمانية محتجين على سوء الأوضاع وعلى احتكار السلطة والثروة وتوزيع المناصب على الأهل والأقارب لمن ليس لديهم كفاءات وأنا لا يهمني من حرك هذه الاحتجاجات ولا من حرض عليها، لكن الذي يهمني في هذا المجال هو طريقة التعامل مع الحدث التي أبدتها حكومة إقليم كردستان وعلى لسان رئيسها السيد مسعود البارزاني الذي أقدره كثيراً وأفتخر بكثير من مواقفه الوطنية والقومية وخاصة تلك التي أبداها في وجه الأتراك في خضم معارك الزاب.

لقد فوجئت بخطاب السيد البارزاني الذي أجرؤ على القول أنه خطاب متخشب يابس لا رواء فيه ولا يختلف كثيراً عن خطابات مللنا سماعها ولم نسمع مثلها إلا من الذين كانوا يضطهدون الشعب الكردي ويقمعون حركته بدعوى أنها مرتبطة بأجندات مشبوهة وتسعى إلى زعزعة الاستقرار وأن أعداء الشعب يسعون إلى خلق الفتنة وما إلى ذلك من تهم ما أنزل الله بها من سلطان.

هذا الخطاب ذو الصبغة القومية وتخويف الناس من أنهم مهددون في وجودهم لم يعد ينطلي على جيل الشباب الصاعد في كردستان.

هناك يا سيدي مسعود البارزاني جيل شاب في كردستان يقدر عدده بمليونين ممن لا يعرفون شيئاً عن صدام وحقبة صدام السوداء, جيل ولد في عام 1990 وما بعدها ويبلغ من العمر الآن عشرين عاما وأقل وينبغي التعامل معه بلغة أخرى مختلفة كلياً عن اللغة التي جرى العرف السياسي الكردي على أن نتعامل بها نحن الجيل السابق لكردستان الحرة.

هذا الجيل الجديد اليافع غير معني كثيراً بالشعارات الطنانة الرنانة لكنه معني بسبل عيش كريمة وفرص عمل لائقة وديمقراطية حقيقية وعدم احتكار السلطة والثروة بيد قلة قليلة من “المناضلين” الأشاوس.

إن النضال السابق يا سيدي لا يبرر إشاعة الفقر وقمع الناس وقتلهم، ولا يجوز أن نذكر الناس ليل نهار بما عملناه في السابق ونمن عليهم بإنجازاتنا القديمة على طريقة حسني مبارك الذي أراد أن يذكر المصريين الجائعين والمهانين بأنه صاحب أول طلعة جوية في حرب تشرين.

نعم الشعب يحب المناضل لكنه يتخلى عن هذا المناضل إذا وقف حجر عثرة أمام تقدمه وإذا جوعه وأهانه وضيق عليه نطاق حرياته.

نيلسون مانديلا مثال كبير، تخلى عن الحكم وأفسح المجال لغيره لكي يبقى هو أيقونة مقدسة وشعلة تضيء تاريخ جنوب أفريقيا إلى آخر الزمان.

وحتى لا يحسبني أحد منحازاً له أقول إنني لا أحب شخص نوشيروان مصطفى وأعتبره أحد كبار الفاسدين والمتاجرين بالأمل الشعبي مثله مثل الكثيرين في كردستان كما أنني على يقين من أن كردستان مستهدفة بالفعل من أكثر من جهة دولية وإقليمية وأن تجربة حكومة كردستان ينبغي الحفاظ عليها وحمايتها ودرء الخطر عن مكتسباتها ولكنني أرفض تماماً أن توجه البنادق، بنادق البيشمركة إلى صدور مواطنبن عزل يحتجون ويطالبون بأمور تخص معيشتهم.

محزن أن أرى مواطناً كردياً يسقط قتيلاً برصاص البيشمركة والعلم الكردي يرفرف فوق مبنى الحزب الديمقراطي الكردستاني.

هذا مشهد ما تخيلته يوماً من الأيام ولو تخيله القائد الراحل مصطفى البارزاني لما دعا الناس إلى الثورة على الظلم ولما جمع حوله ثواراً من كل بقعة من كردستان.

إنني أكتب هذه الكلمات وأتمنى أن تصل إلى مسامع من يحكمون كردستان وأقول بصدق إن الناس لن تقبل بالقهر وستنتفض اليوم أو غداً للمطالبة بحقوقها المشروعة فأرجو اتخاذ التدابير الوقائية لتحصين البيت الكردي وترتيب أوضاعه الداخلية قبل أن يجرف السيل كل ما أنجزتموه في معركة الحربة ثم تحدي بناء كردستان.

الآن آن أن يرتاح المحاربون ويفسحوا المجال للتكنوقراط والعقول المهنية الكفوءة فالثوري أدى دوره وما عليه إلا أن يبقي على الصورة ناصعة من دون أي تشويه.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف تعود سوريا اليوم إلى واجهة الصراعات الإقليمية والدولية كأرض مستباحة وميدان لتصفية الحسابات بين القوى الكبرى والإقليمية. هذه الصراعات لم تقتصر على الخارج فقط، بل امتدت داخليًا حيث تتشابك المصالح والأجندات للفصائل العسكرية التي أسستها أطراف مختلفة، وأخرى تعمل كأذرع لدول مثل تركيا، التي أسست مجموعات كان هدفها الأساسي مواجهة وجود الشعب الكردي، خارج حدود تركيا،…

روني آل خليل   إن الواقع السوري المعقد الذي أفرزته سنوات الحرب والصراعات الداخلية أظهر بشكل جلي أن هناك إشكاليات بنيوية عميقة في التركيبة الاجتماعية والسياسية للبلاد. سوريا ليست مجرد دولة ذات حدود جغرافية مرسومة؛ بل هي نسيج متشابك من الهويات القومية والدينية والطائفية. هذا التنوع الذي كان يُفترض أن يكون مصدر قوة، تحوّل للأسف إلى وقود للصراع بسبب…

خالد حسو الواقع الجميل الذي نفتخر به جميعًا هو أن سوريا تشكّلت وتطوّرت عبر تاريخها بأيدٍ مشتركة ومساهمات متنوعة، لتصبح أشبه ببستان يزدهر بألوانه وأريجه. هذه الأرض جمعت الكرد والعرب والدروز والعلويين والإسماعيليين والمسيحيين والأيزيديين والآشوريين والسريان وغيرهم، ليبنوا معًا وطنًا غنيًا بتنوعه الثقافي والديني والإنساني. الحفاظ على هذا الإرث يتطلب من العقلاء والأوفياء تعزيز المساواة الحقيقية وصون كرامة…

إلى أبناء شعبنا الكُردي وجميع السوريين الأحرار، والقوى الوطنية والديمقراطية في الداخل والخارج، من منطلق مسؤولياتنا تجاه شعبنا الكُردي، وفي ظل التحولات التي تشهدها سوريا على كافة الأصعدة، نعلن بكل فخر عن تحولنا من إطار المجتمع المدني إلى إطار سياسي تحت اسم “التجمع الوطني لبناء عفرين”. لقد عملنا سابقاً ضمن المجتمع المدني لدعم صمود أهلنا في وجه المعاناة الإنسانية والاجتماعية…