حذارِ من خطف دماء الشباب.. واستثمارها من «حوانيت السياسة» !!

  عمر كوجري

   إذا نظر المراقب السياسي إلى لوحة انتفاضة الشباب المصري الهادرة في ميدان التحرير وغيرها في كل شوارع وأزقات مصر المحروسة، ( توّجَتِ البارحة بإعلان الرئيس المصري بالتنحي عن السلطة، وترك القيادة للمجلس العسكري) لا بد له أن ينظر بانبهار وإعجاب شديدين لما أنجز على الواقع، ولم يتأتّ هذا المنجز من فراغ بل من إسالة الدماء وتقديم الضحايا على مذبح الحرية التي حرم منها الشعب المصري العظيم منذ زمن بعيد، وبشكل أدق منذ ثلاثة عقود سوداء خلت.

فقد وصلت الأعداد المصرح عنها من الحكومة أكثر من 320 شهيداً إضافة إلى ألوف الجرحى وعلى وجه الخصوص في يوم الهجوم البدوي البربري الصحراوي بالسيوف والأحصنة والجمال على جموع المنتفضين في ميدان التحرير المنتمين إلى مختلف شرائح المجتمع المصري بما فيها الأطفال والشيوخ.

      وأمس واليوم تبدو عزيمة الشباب وباقي فئات المجتمع أكثر تصميماً على تحقيق الأهداف التي من أجلها اشتعلت نيران الثورة، ووضع المتضامنون هناك في مصر أو في أي مكان مع همة الشباب، أيديهم على قلوبهم حينما أوحى الإعلام الرسمي المصري المنحاز للدكتاتورية والحرس القديم، وبعض الإعلام العربي المحسوب على  نظم الاستبداد في كل زمان ومكان بأن القاهرة تنفض الركام عن عيونها، وتنهض من جديد، حيث سرت الأخبار عن انتشار الجيش، وعودة الحياة الطبيعية إلى الشوارع، وعودة الموظفين إلى أعمالهم وفتح أبواب البنوك والمصالح الاقتصادية العامة والخاصة، واجتماع الأحزاب المعارضة مع نائب الرئيس عمر سليمان والتي لا يتعدى جمهور أولاده والزوجة الصالحة، والأصهار والخؤولة أحياناً، و”الذي أثار الأسى ضحك سليمان على هؤلاء، وقدرته الفائقة على جمعهم في لقطة درامية تحت صورة الرئيس”  وتسربت الأخبار المحزنة عن تململ الشباب في ميدان التحرير، بعد أن بحت أصواتهم، وتيبست أقدامهم وهم جالسون أو واقفون هاتفين برحيل الطاغية دون أن يرفَّ له جفن، ويترك البلد لأهلها، طالما أنهم لا يريدونه، وهو القائل من سنوات بأن قيادة الشعب المصري ليست أمراً سهلاً إن هو قرر أن يرحل الرئيس – ليس المصري شواذ القاعدة- الذي يختصر بكل أسف الدولة والشعب والممتلكات في شخصه، ويحول البلد إلى مزرعة للأقارب والأهل والأتباع والذيول والمصفقين وو غيرهم كثر.


  لكن كان للشباب بل لمجموع الشعب المصري كلام آخر، فالبارحة دعوا إلى اجتماع مليوني، وتحقق لهم ما أرادوا، وهذا يدل على أن الأحزاب التي سميت بالمعارضة في يوم ما، قد أفلست تماماً لأنه فيما سبق لم تستطع أن تحشد حتى رفاقها القليلين، وكنا نرى بعض التجمعات التي لا تربو على الخمسين شخصاً تهتف ببعض الهتافات غير المفهومة، وسرعان ما تضيع، وتبتلع من فم وحوش الأمن التي كانت تحسب حتى أنفاس بل وقبلات العرسان المصريين على قلتهم.
  اليوم صار ميدان التحرير ملكاً للشباب المصري الثائر..

البطل، بل صاروا أكثر جهوزية وقدرة على الأخذ بزمام الأمور، وتحريك الجماهير، ودعوتها للاعتصام معها وإرسال رسائل الرعب إلى النظام الذي يتداعى، ويتهالك، ويبدو أنه اشتاق إلى رحلة استجمام طويلة على الأغلب، لكن ما يتطلب الحذر هو ألا تختطف هذه المنجزات الكبيرة التي حققها المنتفضون، فهاهي الأحزاب من طينة اللحى الطويلة، والحليقة والمرتدين خفيفي الرداء لتناول الغداء مع الصالحين في دنيا البقاء، وكذلك الراديكاليين والمتغربين وو غيرهم كثر الرقم وقلة العدد، هذه الدكاكين” ريالها شاطة” على المكتسبات التي تحققت دون أن يكون لهم فيها لا فولاً ولا طعمية فيها، ما عدا نوق وجمال بلطجية النظام، لذا الحذر منهم والتيقظ تجاههم واجب كل الوجوب.

   
 النظام حالياً يمر بأسوأ أيامه، ومع ذلك منسوب سقف التنازلات مازال قفراً وشحيحاً، ويبدو أن المجتمع الدولي وعلى رأسه أمريكا لا يريد التفريط بالنظام حتى ولو رحل مبارك شخصاً،
فيفترض توسيع رقعة الشعارات والمطالب، وإذا لم يرحل النظام كلياً يخشى أن يتبدد كل ما تحقق في ساحة التحرير وغيرها من  السوح المصرية في جميع المحافظات التي تتلظى من حقدها على الطاغية، ولظاها أوار لا يخبو.
المطلوب القيام باعتصام مدني كبير يشل الحركة في جميع أرجاء الدولة حتى تتزلزل الأرض من تحت أقدام النظام وزبانيته، ومهما كانت فاتورة التضحيات باهظة فلن تكون أكبر من التي قدمت.


 لأن التنازلات التي يشرف النظام على تمريرها بالقطارة للشعب، واستطاعت أ ن تشق بعض الصفوف الصغيرة، يجدر بأن يحسب لها الحساب، والتيقظ حيالها، لأن النظام ذكي ومراوغ وديماغوجي، وهو سينتقم كالوحش الجريح بحسب المفكر حسنين هيكل إذا تخلت الجماهير عن أهدافها، والأخطر من كل هذا وذاك ترك ميدان الحرية..

ميدان التحرير.

·        كتبت المقالة قبل يومين من إعلان مبارك تنحيه عن السلطة في مصر

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اعتبر الزعيم الكوردي رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني، يوم الجمعة، أن الارضية باتت مهيأة لإجراء عملية سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط للقضية الكوردية. جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال انطلاق أعمال منتدى (السلام والأمن في الشرق الأوسط – MEPS 2024) في الجامعة الأمريكية في دهوك. وقال بارزاني، في كلمته إنه “في اقليم كوردستان، جرت الانتخابات رغم التوقعات التي…

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…