مباركٌ للجميع، رحيل مباركْ !!

علي شمدين

منذ الخامس والعشرين من الشهر المنصرم، والعالم يتابع بكل أحاسيسه الجماهير المنتفضة في مصر ضد الدكتاتورية والطغيان، وظل الناس طوال هذه الأيام الساخنة ملتصقين بشاشات التلفاز بحماس وهم يتابعون عبر الأثير تطورات الأحداث الدراماتيكية المتلاحقة التي صنعهتها هذه الجماهير الثائرة بهتافاتها من ميدان التحرير في القاهرة، الداعية إلى رحيل الرئيس حسني مبارك ونظامه الشمولي الذي حكم مصر طوال ثلاثة عقود مضت بالقوة والقهر والاستبداد، فها قد إنتصرت إرادة الجماهير على جبروت النظام ، وتحققت آمالها في الحرية والانعتاق..

أجل، لقد إنتصرت هتافات الجماهير الغاضبة على قوة النظام ودكت حصنه المنيع، ولعل الدرس الأهم الذي خلفته هذه التجربة هو إن إرادة الشعوب تظل هي الأقوى مهما تحصنت أنظمتها خلف طوابير الجيش والدبابات، هذه الحقيقة التي ظل الرئيس المصري حسني مبارك يتجاهلها حتى اللحظة الأخيرة، ولم يتعظ من تجربة الرئيس التونسي الذي كان أكثر إدراكاً لتلك الحقيقة، عندما سارع إلى الرحيل مع السيل الأول من تيار الغضب الجماهيري، مخلياً كرسي الرئاسة لمن سيحتله من بعده عبر صناديق الإقتراع، بعيداً عن قانون الطوارئ والأحكام العرفية..
لقد ظل مبارك ونظامه المخلوع متمسكاً بتلابيب السلطة غير آبه بهتافات الجماهير المنتفضة المطالبة برحيله، محاولاً خداعها بإصلاحات جزئية كان يقدم عليها، في الوقت الضائع، عبر القطارة والجرعات المخدرة، حيث تخلى في اليوم الأول عن جزء من صلاحيته لنائبه الذي قام بتعينه بعد ثلاثين عاماً من إستفراده بالحكم، وفي اليوم الثاني أقال الحكومة واستنسخ حكومة جديدة، ومن ثم قام بتعديل بعض مواد الدستور وإلغاء بعضها الآخر، وتعهد بعدم الترشح لولاية ثالثة، وأعلن عن إنسحاب نجله من الساحة السياسية والحزبية ، وتفويض نائبه بصلاحياته ووو..

إلخ، ولكنه لم يتجرأ على الإعلان عن رحيله والرضوخ لإرادة الملايين التي ملأت شوارع مصر من أقصاها إلى أقصاها وهي تهتف بسقوطه وتخليه عن الكرسي الذي كان يزداد إهتزازاً من تحته مع إستمرار الغضب الجماهير وإصرارها على رحيله الفوري دون قيد وشرط، ولكنه ظل مع ذلك متشبثاً بمنصبه بحجة إن الفوضى سوف تعم البلاد برحيله، وبأن المصلحة الوطنية تقتضي إستمراره وغيرها من الذرائع التي برر بها بقائه في الحكم كقائد الضرورة كل هذه الأعوام الطويلة..
هاقد رحل هذا القائد الضرورة، ولم تعم الفوضى، وإنما بدأت الأبواب تنفتح واسعة أمام الجماهير المتعطشة لتغيير شكل النظام الإستبدادي إلى نظام ديمقراطي تعددي بعيداً عن الشمولية والحكم الفردي، نظيفاً من الفساد والبطالة والجوع، متجاوزاً عهد القمع وقانون الطوارئ وأساليب الترهيب، حامياً لثروات البلاد، فاتحاً المجال للشباب ليأخذ دوره الخلاق في التغيير والتطور والبناء..

 
فإذا كانت هذه النتيجة الحتمية هي التي تنتظر كل مستبد طال الزمن أم قصر، فلماذا إذاً لا يبادر أحدهم إلى الإستجابة لمصالح الجماهير ومطالبها في الوقت المناسب وقبل فوات الآوان، والإستماع إلى آلامها والسعي إلى معالجتها، بدلاً من صم الآذان عنها والتسبب في خلق المزيد منها وتعميقها بالمزيد من الإستبداد والقمع وكم الأفواه.

وطالما إن تجارب التاريخ كلها تؤكد بأن الشعوب عندما تنتفض كالمارد فلا يمكن إيقافها وإعادتها إلى قمقمها دون الإستجابة لمطالبها والإمتثال لإرادتها، ولعل أقصر الطرق إلى هذه الجماهير هو الإسراع في إجراء الإصلاحات اللازمة وفي الوقت المناسب، أو الرحيل بود..

وهنا لابد من الهتاف بملء الفم: مباركٌ على الأحرار الرابضين في ميدان التحرير رحيل مبارك، وإن جاء بغير ود..!!.

11/02/2011

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اعتبر الزعيم الكوردي رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني، يوم الجمعة، أن الارضية باتت مهيأة لإجراء عملية سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط للقضية الكوردية. جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال انطلاق أعمال منتدى (السلام والأمن في الشرق الأوسط – MEPS 2024) في الجامعة الأمريكية في دهوك. وقال بارزاني، في كلمته إنه “في اقليم كوردستان، جرت الانتخابات رغم التوقعات التي…

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…