التغيير المرتقب.. و تحديات العصر!!

عبد الرحمن آلوجي

إن أهم طبيعة للثورات الشعبية ,أنها تحرك نوعي لتراكمات كمية, تقود إلى حركة احتجاجية عارمة ,تواجه حالات القمع و الاستبداد و مظاهر الفقر و العوز , و كبت الحريات العامة ..

مما يدفع بالضرورة إلى رفض لكل ما يحيط بذلك من نتائج وآثار في الإقصاء و الإبعاد والإفقار و حالات القهر و الاستعباد, مما لا يمكن ـ مع تطور الوعي , و تنامي حركة الاتصال, و تقارب هائل بين المجتمعات الإنسانية ـ مما لا يمكن قبولها و الإذعان لها ..

مما هو من صلب عملية التغيير الداعية إلى إقرار حقوق الإنسان وتمكين المجتمع المدني من ممارسة حقه في حياة حرة آمنة ومزدهرة, يعبر فيها الإنسان عن حريته و حقوقه المدنية, و دوره في بناء حالة الازدهار و التطور لمجتمعه, لإيمان راسخ وعميق بأن” الإنسان ولد حرا, وأن من حقه أن يمارس حياته الآمنة في تواصل مع المجتمع الإنساني دون إكراه أو مواجهة, أو كم للأفواه..”
هذه الحالة التي لم تعد منسجمة مع مواكبة الحياة, وهي تتقدم بخطوات ملموسة وسريعة باتجاه تعزيز (دور الإنسان وارتقائه و تحريره من الإخضاع و الانقياد و الذل و الاستعباد), إذ أنّ التحديات الكبرى في عصر الانترنت والبث الفضائي, و تساقط الحدود بين الشعوب والأمم والانفتاح الهائل على قضايا الإنسان وتحرره ..

إن هذه التحديات بدأت تواجه كل أشكال ” الوصاية والتفكير الوصائي ” وكل أسباب الكبت والمنع والحجز والمحاصرة ..

مما فرض حالة من ضرورة التغيير, وهو ما حدث منذ بداية الثمانينيات من القرن المنصرم في الاتحاد السوفيتي وجمهورياته ومنظومة الدول الاشتراكية ..

وما بدأت ملامحه تظهر في صور ثورية أخرى في مناطق الصرب والبلغار والبلقان وأفغانستان وما حدث في العراق ..

إلا أن نمطاً من التغيير بات يلوح في الأفق في ثورة شعبية عارمة في تونس ومصر: بعيدا عن أجناد وأجندات الخارج, بدافع التراكمات والأخطاء وألوان التجويع, وكل مظاهر السلب ونهب الثروة ..

مما شكل قطاعا شعبيا غاضبا من الفقراء والمحرومين والجياع ..

وجيوشا هائلة من العاطلين عن العمل, وبخاصة في ” مجموع القوى الشابة ..

وخريجي المعاهد والجامعات..” دون معالجة جذرية وإصلاح شامل، يبعد عنهم شبح الفقر والبطالة وصور القمع، ومواجهة مطالب التغيير بمزيد من الاستعلاء والتعنت وعدم الاعتراف بالواقع ..

بما يبعد السلطة عن الشعب ويوقعها في حالة من ” الانصراف التام ” عن تلبية مطالب الناس وحاجاتهم الأساسية في إقرار حالة من “الكرامة والعدالة الاجتماعية” مما هدد الحياة الآمنة للشعب، وحرك القوة الصامتة والكامنة ودفعها إلى ثورة غضب وصلت في بعض الأحيان إلى أن يخترقها الفاسدون والمخربون والمسيئون إلى” المطالب المشروعة ” في توخي ” العدل والمساواة والكفاية ” والدعوة إلى حرية التعبير والرأي، وبناء حالة وطنية من الوئام والتواصل لإقرار مجتمع مدني مزدهر يؤمن بالحداثة والتغيير ..

مما فرض علينا وعلى مجتمعاتنا أن نحذر من الاحتقان والتراكم، ونعد العدة لمواجهة أخطاء الفساد واستشرائه وضرورة التصدي لكل الأسباب التي تؤخر مسيرة البناء والعدل والوفاق الوطني وإستراتيجية عمل داعم لكل مقومات ومستلزمات الوحدة الوطنية..

ومواجهة عوامل التغيير بالاستعداد لها بشكل جذري يطال الحيلة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بما يؤسس لنمط جديد من العلاقات, ويشدد على الترابط الوطني، بشكل يعالج التراكمات والأخطاء السابقة، الدافعة إلى كل مقومات الاحتجاج, والثورة على واقع التردي والانحراف, وذلك بإشراك فعلي وهادف لكل مكونات الشعب السوري في صياغة “قرار وطني عميق ومؤسس وفعال” لتعزيز وترسيخ قيم الديمقراطية والعدالة الاجتماعية وتوفير مكونات عمل وطني رائد، يحقق التناغم والتواصل بين أطياف مجتمع يفضل التواصل على التنابذ والحقد والتحارب، وكل أشكال الإبعاد واحتكار القرار السياسي، ويؤمن بالتعددية والتنوع، ويدرك طبيعة العلاقة بين العرب والكورد وسائر الأطياف، بما يعزز قيم “الحرية والمساواة” والمواطنة الحرة التي تؤمن بالإخاء عقيدة وطنية راسخة، جبلت بكثير من التضحيات المشتركة في معارك التحرير والاستقلال، ليكون التجاوب مع التغيير المرتقب, كسمة كبرى من سمات العصر, أحد أكبر معطيات عمل سياسي رائد وفعال …

إن إدراكنا لقيم التغيير, تقودنا إلى إدراك “تحديات العصر “, وإن هذا الإدراك يقودنا إلى التفاعل مع مقتضيات هذه التحديات ومستلزماتها, بما يوفر كثيرا من الجهد والوقت, في سعي إلى تأكيد خارطة عمل جديدة تؤمن بالآخر وتتواصل مع الرأي والفكر المغاير, ليكون ذلك مقدمة البناء الحر و المزدهر في دولة مدنية حديثة ومتطورة”

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين   في السنوات الأخيرة، يتصاعد خطاب في أوساط بعض المثقفين والنشطاء الكرد في سوريا يدعو إلى تجاوز الأحزاب الكردية التقليدية، بل والمطالبة بإنهاء دورها نهائياً، وفسح المجال لمنظمات المجتمع المدني لإدارة المجتمع وتمثيله. قد تبدو هذه الدعوات جذابة في ظاهرها، خاصة في ظل التراجع الواضح في أداء معظم الأحزاب، والانقسامات التي أنهكت الحركة الكردية، لكنها في عمقها…

عدنان بدرالدين   بينما تتجه الأنظار اليوم نحو أنطاليا لمتابعة مجريات المنتدى الدبلوماسي السنوي الذي تنظمه تركيا، حيث يجتمع قادة دول ووزراء خارجية وخبراء وأكاديميون تحت شعار ” التمسك بالدبلوماسية في عالم منقسم”، يتبادر إلى الذهن تساؤل أساسي: ما الذي تسعى إليه أنقرة من تنظيم هذا اللقاء، وهي ذاتها طرف فاعل في العديد من التوترات الإقليمية والصراعات الجيوسياسية، خصوصًا…

جليل إبراهيم المندلاوي   في عالمنا المليء بالتحديات الجيوسياسية والأزمات التي تتسارع كالأمواج، هناك قضية كبرى قد تكون أكثر إلهاما من مسرحية هزلية، وهي “ضياع السيادة”، حيث يمكن تلخيص الأخبار اليومية لهذا العالم بجملة واحدة “حدث ما لم نتوقعه، ولكنه تكرّر”، ليقف مفهوم السيادة كضحية مدهوشة في مسرح جريمة لا أحد يريد التحقيق فيه، فهل نحن أمام قضية سياسية؟ أم…

أمجد عثمان   التقيت بالعديد من أبناء الطائفة العلوية خلال عملي السياسي، فعرفتهم عن قرب، اتفقت معهم كما اختلفت، وكان ما يجمع بينهم قناعة راسخة بوحدة سوريا، وحدة لا تقبل الفدرلة، في خيالهم السياسي، فكانت الفدرالية تبدو لبعضهم فكرة دخيلة، واللامركزية خيانة خفية، كان إيمانهم العميق بمركزية الدولة وتماهيها مع السيادة، وفاءً لما نتصوره وطنًا متماسكًا، مكتمل السيادة، لا يقبل…