الحركة الكردية والوضع الراهن

نصر الدين إبراهيم : سكرتير الحزب
الديمقراطي الكردي في سوريا (البارتي)
 

يعتبر الرابع عشر من حزيران من عام 1957م حدثاً تاريخياً هاماً ونقطة انعطاف كبرى في تاريخ الشعب الكردي في سوريا ، فقد شهد هذا اليوم التاريخي الأغر انطلاقة أول تنظيم سياسي كردي ديمقراطي باسم البارتي ( pdk-s )، انطلق من الساحة الكردية السورية كحاجة موضوعية للتعبير عن الوجود القومي الكردي الذي جرى تجاهله على مستوى الدولة السورية التي تشكلت حديثاً والحركة الوطنية في البلاد، حيث استطاع هذا التنظيم الفتي في غضون فترة قصيرة استقطاب مختلف شرائح وفئات أبناء شعبنا الوطنية والاجتماعية على امتداد تواجد الحزب داخل البلاد، ليقود بذلك نضال الشعب الكردي في سوريا لإزالة الظلم والاضطهاد القومي بحقه، وتأمين حقوقه القومية والديمقراطية، وتحقيق تطلعاته وآماله في مجتمع سوري ديمقراطي يسوده العدالة والأخوة والمساواة بين كافة المواطنين، ولأجل تقدم وازدهار بلادنا سوريا.
لقد جـاء ميلاد البـارتي نتيجة لتلاقي العاملين الذاتـي والموضوعي المناسبين آنذاك، حيث ساد البلاد مناخ ايجابي من الحرية والديمقراطية ( برلمان – أحزاب – صحافة …) بعد الإطاحة بحكومة الشيشكلي، وكذلك الوعي المتنامي لأبناء الشعب الكردي ( تجمعات ثقافية وشبابية وطلابية ، انهيار حزب خويبون القومي ) كما وجاء ميلاد البارتي في ظروف الحرب الباردة بين النظامين الاشتراكي والرأسمالي، حيث كان الحزب جزءاً من حركة التحرر القومي للشعب الكردي وحركة التحرر الوطني والاجتماعي على صعيد المنطقة والعالم، لذلك كان يعتبر في نهجه السياسي والفكري ونظامه الداخلي كأحد أحزاب الديمقراطية الثورية، وبذلك فقد أخذ البارتي طابع حزب قومي ديمقراطي نهجاً وممارسة .
لقد طرح الأستاذ والأديب الكردي المعروف عثمان صبري، مؤسس البارتي، وصاحب فكرة ومشروع تأسيس حزب كردي ديمقراطي في سوريا في آب عام 1956م، برنامجاً سياسياً واقعياً يتناسب واقع الوجود القومي الكردي في سوريا الذي ارتبط مصيره مع الشعب العربي وباقي مكونات الشعب السوري في الدولة السورية الوليدة حديثاً، إلا أن هذا البرنامج اتخذ منحى آخر بعد انضمام نخب سياسية وثقافية أخرى، ونسخ مناهج أحزاب ديمقراطية كردستانية أخرى، والتي عقدت أول اجتماع لها في 14 حزيران عام 1957م، حيث تم اعتبار هذا التاريخ ميلاداً للبارتي والمشاركين فيه كمؤسسين له.
لقد تعرض البارتي عبر مسيرته للعديد من حملات القمع والاضطهاد والضغوطات والسجون، إلا أنه استطاع أن يلعب دوراً ملموساً على مختلف الأصعدة الوطنية والقومية، حيث لم يتردد في بذل كل إمكاناته وطاقاته خدمة لقضية شعبنا العادلة، فكان مدافعاً عن حقوقه القومية والديمقراطية والإنسانية في جميع المحافل الوطنية والعالمية، كما كان ينادي دائماً بضرورة توطيد العلاقات مع مختلف القوى الوطنية والديمقراطية والتقدمية في البلاد، وبينت لها الصورة الحقيقية لعدالة القضية الكردية في البلاد.
وإن القضية الكردية في سوريا هي قضية وطنية بامتياز، ينبغي إيجاد حل ديمقراطي لها، بالاعتراف الدستوري بالوجود القومي الكردي، في إطار تعزيز الوحدة الوطنية للبلاد، وتحقيق مجتمع ديمقراطي يقر ويعترف بالتعدد القومي والثقافي واللغوي والإثني لكافة أطياف المجتمع السوري، وكذلك لم يتوان في تقديم مختلف صنوف الدعم المادي والمعنوي لأبناء الشعب الكردي في العراق وتركيا وإيران.
إن الواقع السياسي الراهن للحركة الوطنية الكردية في البلاد هو نتاج انطلاقة أول تنظيم سياسي كردي، قبل ثلاثة وخمسين عاماً، الذي تعرض لهزات تنظيمية وانشقاقات متتالية، نتيجة تلاقي وتفاعل عوامل داخلية وخارجية سلبية، وانعكاس مختلف التحولات الذاتية والموضوعية، الذي افرز في المحصلة حركة كردية مفرطة في الانقسام والتشرذم تعيش أزمة حقيقية، وواقعاً مأساوياً مؤلماً من كافة النواحي التنظيمية والسياسية والجماهيرية، الأمر الذي يتطلب إجراء مراجعة جادة ومسؤولة للواقع الكردي القائم، حيث ازدادت وتيرة السياسات الشوفينية والاستثنائية بحق جماهير الشعب الكردي بعد أحداث آذار 2004 المؤلمة، ووضع حركته الوطنية بفتح حوار أخوي جاد لدراسة هذا الواقع المؤسف والمؤلم بين كافة أطراف الحركة على قاعدة الإقرار بالتعددية السياسية والفكرية، واحترام استقلالية كل حزب في رسم سياسته، وذلك بدءاً من عقد اجتماع تداولي بين كافة الفصائل للوقوف على قرارها السابق بعقد مؤتمر وطني كردي سوري، والعمل من أجل انجازه في أقرب فرصة ممكنة، عبر تشكيل لجنة تحضيرية للبدء بالترتيبات التنظيمية والفنية اللازمة لعقده، بالاستناد على مشروع الرؤية الكردية  المشتركة التي أقرت سابقاً، وإذا رأت هذه الأطراف أنه من الصعوبة بمكان عقد مؤتمر كردي في الوقت الحاضر، عندئذ يمكن برأينا توسيع المجلس السياسي الكردي في سوريا ليضم كافة الأحزاب الكردية بالاستناد على برنامج سياسي وتنظيمي له انطلاقاً من مشروع الرؤية المشتركة، والعمل معاً للوصول إلى تشكيل مرجعية كردية وخطاب سياسي كردي موحد، عبر عقد مؤتمر وطني كردي، هذا من جهة، أما من جهة أخرى فلا بد من إبلاء الوحدات الاندماجية بين الأحزاب المتقاربة في رؤاها السياسية وأساليبها النضالية أهمية خاصة للتخلص من حالة الانقسام المفرطة، ولتكوين أحزاب تعبر قولاً وفعلاً عن الواقع الاجتماعي والسياسي للشعب الكردي، وفق تعددية سياسية وفكرية حقيقية، حيث أن مصلحة شعبنا ووطننا تتطلب تقديم كل التنازلات والتضحيات في سبيل تحقيق وحدة الحركة الوطنية الكردية وتقدمها إلى الأمام نحو تحقيق أهدافها الوطنية والقومية.

المصدر: صوت الأكراد  

 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

خالد جميل محمد جسّدت مؤسسة البارزاني الخيرية تلك القاعدة التي تنصّ على أن العمل هو ما يَمنحُ الأقوالَ قيمتَها لا العكس؛ فقد أثبتت للكُرد وغير الكُرد أنها خيرُ حضن للمحتاجين إلى المساعدات والمعونات والرعاية المادية والمعنوية، ومن ذلك أنها كانت في مقدمة الجهات التي استقبلَت كُرْدَ رۆژاڤایێ کُردستان (كُردستان سوريا)، فعلاً وقولاً، وقدّمت لهم الكثير مما كانوا يحتاجونه في أحلك…

ريزان شيخموس بعد سقوط نظام بشار الأسد، تدخل سوريا فصلًا جديدًا من تاريخها المعاصر، عنوانه الانتقال نحو دولة عادلة تتّسع لكلّ مكوّناتها، وتؤسّس لعقد اجتماعي جديد يعكس تطلعات السوريين وآلامهم وتضحياتهم. ومع تشكيل إدارة انتقالية، يُفتح الباب أمام كتابة دستور يُعبّر عن التعدد القومي والديني والثقافي في سوريا، ويضمن مشاركة الجميع في صياغة مستقبل البلاد، لا كضيوف على مائدة الوطن،…

كلستان بشير الرسول شهدت مدينة قامشلو، في السادس والعشرين من نيسان 2025، حدثا تاريخيا هاما، وهو انعقاد الكونفرانس الوطني الكوردي الذي انتظره الشعب الكوردي بفارغ الصبر، والذي كان يرى فيه “سفينة النجاة” التي سترسو به إلى برّ الأمان. إن هذا الشعب شعبٌ مضحٍّ ومتفانٍ من أجل قضيته الكردية، وقد عانى من أجلها، ولعقود من الزمن، الكثير الكثير من أصناف الظلم…

إبراهيم اليوسف ما إن بدأ وهج الثورة السورية يخفت، بل ما إن بدأت هذه الثورة تُحرَف، وتُسرق، وتُستخدم أداة لسرقة وطن، حتى تكشّف الخيط الرفيع بين الحلم والانكسار، بين نشيد الكرامة ورصاص التناحر. إذ لم يُجهَض مشروع الدولة فحسب، بل تم وأده تحت ركام الفصائل والرايات المتعددة، التي استبدلت مفردة “الوطن” بـ”الحيّ”، و”الهوية الوطنية” بـ”الطائفة”، و”الشعب” بـ”المكوّن”. لقد تحولت الطائفة…