مبارك: القرار الصائب في أصعب لحظة في تاريخ مصر الحديث

زيور العمر

لم يسمع عني أحد في يوم ما أني دافعت عن طاغية , أو مستبد , أو ديكتاتور , رأياً او مقالاً أو حديثاً إلا في القراءة التالية التي سأشرح فيها أن القرار الذي إتخذه الرئيس محمد حسني مبارك, اليوم, الثلاثاء , بالبقاء في الحكم الى نهاية فترته الرئاسية التي ستنتهي في سبتمبر (أيلول) القادم , هو القرار الصعب الذي لا يمكن لأي رئيس دولة أن يتخذه أو أن يجرأ على إتخاذه و هو يعلن بنفسه أنه لن يبقى في الحكم و لن يترشح لولاية أخرى , في الوقت الذي تحاصره الجماهير الغاضبة في كل الإتجاهات في بلده , فما السبب الذي دفع بالرئيس مبارك الى إتخاذ قراره هذا , في الوقت الذي تسمح له ظروف متعددة بالتنحي عن السلطة بصورة مشرفة , دون أن تلاحقه حتى مماته لقب الرئيس المخلوع أو المطرود ؟ هل هي على سبيل المثال أحساسه بالمسؤولية أم أنه مصر على أن يختتم عهده بإنجاز يسجل له في تاريخ مصر على أنه الرئيس الذي أبى الإنصراف قبل تصحيح الأخطاء التي إرتكبها في الثلاث العقود التي حكم فيها ؟
 لا شك أن المراقبين و الخبراء في الشؤون المصرية , التاريخية و السياسية و الإجتماعية , يدركون حال المعارضة السياسية في مصر , و يعرفون قدراتها و إمكاناتها في إدارة دولة في حالة أزمة , و بالتالي لا بد و أنهم سيفكرون بتأن و إمعان , في نتائج و تداعيات صراع قوى ضعيفة و هشة و فاقدة للمصداقية في الشارع المصري , إذا ما عهدت لها إدارة فترة إنتقالية , في حال تنحى الرئيس , الى حين إجراء إنتخابات تشريعية و رئاسية جديدة, يستوجب قبلها إحداث تغييرات دستورية جذرية , تنسجم مع المعايير و القيم الديمقراطية التي تضمن حياة سياسية طبيعية, تتم فيها تداول للسلطة , و إحترام للحريات و القانون.

و إذا ما أضفنا الى السبب الأنف الذكر , غياب الخبرة و التجربة لدى القوى المذكورة في إدارة الحكم , فإنه اول ما يخشى منه المرء هو أن يتسبب تلك القوى في إفتعال صراعات من كافة الأشكال و الألوان لحسابات حزبوية و شخصية لرموزها , في وقت ما أحوج الدولة الى أناس يفكرون من وحي الجماعة و المصلحة العامة.

ناهيك عن أن هنالك قوى إقليمية و دولية تتربص بمصر و دورها الأقليمي المتميز في المنطقة من جهة حفظ موازين القوى و تعزيز الإستقرار و الأمن الإقليميين.

فإذا ما اخذنا الأسباب السالفة الذكر بعين الإعتبار , فإننا سنجد أن مصر بحاجة الى تجنب الفوضى و عدم الإستقرار , من أجل ضمان إنتقال سلمي و سلس للسلطة, بعد أن تعهد الرئيس مبارك بعدم الترشح للرئاسة في سبتمبر القادم , من أجل فسح المجال لتولي شخصية أخرى منصب الرئاسة , من خلال إنتخابات نزيهة و شفافة , بعد أن تجرى التعديلات الدستورية في المادتين 76 و 77 من الدستور , بحيث يفسح المجال لمشاركة أوسع في الإنتخابات ترشيحا ً و تصويتا ً.

و لا شك أن الفترة القادمة ستأخذ شكل المرحلة الإنتقالية , التي ستتحاور السلطة القائمة مع القوى السياسية من أجل ترتيبات معينة تضمن سير الإصلاحات  السياسية  في المسار الصحيح , من دون أن تسبب للإقتصاد المصري , المنهك أساساً, صدمات هي في غنى عنها.


  مصر دولة كبيرة.

وإستقرار المنطقة من إستقرارها.

لذلك تقع على كاهل ساستها أعباء و أثقال مضاعفة .

و من أجل بقاء هذا الدور و ضمان إستمراره, لا بد من الترفع على مصاعب المرحلة الراهنة , أخذين بعين الإعتبار أن ما قرره الرئيس مبارك , يمكن بناء مستقبل جديد للمصريين عليه, بل و يمكن المراهنة على شعور لديه بأنه يريد إنهاء عهده بعمل يسجل له عند شعبه , تغفر له أخطاء و نواقص حكمه , الذي لم يكن حكما ً رشيدا ً قطعا ً.

قرار الرئيس , قرار صعب , و لكنه حكيم و صائب.

02/02/2011

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

شيروان شاهين سوريا، الدولة ذات ال 104 أعوام البلد الذي كان يومًا حلمًا للفكر العلماني والليبرالي، أصبح اليوم ملعبًا للمحتلين من كل حدب وصوب، من إيران إلى تركيا، مرورًا بكل تنظيم إرهابي يمكن أن يخطر على البال. فبشار الأسد، الذي صدع رؤوسنا بعروبته الزائفة، لم يكتفِ بتحويل بلاده إلى جسر عبور للنفوذ الإيراني، بل سلمها بكل طيبة خاطر…

ماجد ع محمد بعد أن كرَّر الوالدُ تلاوة قصة الخريطة المرسومة على الجريدة لأولاده، شارحاً لهم كيف أعادَ الطفلُ بكل سهولة تشكيل الصورة الممزقة، وبما أن مشاهِدَ القصف والتدمير والتدخلات الدولية واستقدام المرتزقة من دول العالم ومجيء الجيوش الأجنبية والاقليمية كانت كفيلة بتعريف أولاده وكل أبناء وبنات البلد بالمناطق النائية والمنسية من بلدهم وكأنَّهم في درسٍ دائمٍ لمادة الجغرافيا، وبما…

صلاح بدرالدين لاتحتاج الحالة الكردية السورية الراهنة الى إضفاء المزيد من التعقيدات اليها ، ولاتتحمل هذا الكم الهائل من الاخذ والرد اللذان لايستندان الى القراءة العلمية الموضوعية ، بل يعتمد بعضها نوعا من السخرية الهزلية وكأن الموضوع لايتعلق بمصير شعب بكامله ، وبقدسية قضية مشروعة ، فالخيارات واضحة وضوح الشمس ، ولن تمر بعد اليوم وبعبارة أوضح بعد سقوط الاستبداد…

المهندس باسل قس نصر الله أتكلم عن سورية .. عن مزهرية جميلة تضمُّ أنواعاً من الزهور فياسمين السنّة، ونرجس المسيحية، وليلكة الدروز، وأقحوان الإسماعيلية، وحبَق العلوية، ووردة اليزيدية، وفلّ الزرادشتية، وغيرها مزهرية تضم أطيافاً من الأكراد والآشوريين والعرب والأرمن والمكوِّنات الأخرى مزهرية كانت تضم الكثير من الحب اليوم تغيّر المشهد والمخرج والممثلون .. وبقي المسرح والمشاهدون. أصبح للوزراء لِحى…