سرقة موصوفة

هوشنك أوسي

يبدو أنّه ما رادع للسرقات الفكريّة في أيّامنا هذه، لطالما وجد السارق، منبراً إعلاميّاً ينشرُ له اختلاسه، باسمه!.

وقد سبقني زملاء كُثُر بخصوص التشهير بهذه الآفة، والأتيان بأمثلة، من هنا وهناك.

وتمثيلاً وليس حصراً، ما أتى عليه الزميل بدرخان عليّ، حين أشار وفضح ما تعرّض له الصديق ياسين الحاج صالح من سطو على مقالٍ له، من قبل كاتب آخر.

ولكن، المثال الذي سآتي على ذكره، فيه شيءٌ من الاختلاف في الشكل، لجهة جرعة التواري، مستفيداً من اختلاف لغة المقال المسروق، ما يصعِّب ويُعسِّر كشف الجريمة، وفضح الجاني.

لا يمكننا حصر المقالات التي دأب كتبتها على تلميع وتنصيع صورة تركيا والتهليل والتطبيل لحكومة “عدالتها وتنميتها”.

وبحكم بقائي في تركيا لما يزيد عن عامٍ ونيّف، عرف شيئاً عن خفايا تعاطي الحكومة التركيّة، وبخاصّة المكتب الصحافي لرئيس الحكومة وزعيم حزب العدالة والتنمية الإسلامي رجب طيّب أردوغان، وشرائه لذمم العشرات من الكتّاب والمثقّفين العرب والأجانب، إن بشكل مباشر، ملموس، أو عبر دعوات وتشريفات، تُقدّام لرئيس تحرير هذه الصحيفة أو تلك، أو لهذا المحرر الصحافي أو الكاتب او الأكاديمي الناشط في الحقل الإعلامي، أو مدير مكتب القناة الفلانيّة أو مراسل الصحيفة العلانيّة…، وهكذا دواليك.

أموال طائلة، تُصرف من خرانة الدولة، بهذا الخصوص، لشراء الذمم الثقافيّة، في مسعى التسويق لحكومة العدالة والتنمية، و”النهضة” الفلكيّة التي حققها اردوغان في البلاد.

وقد جنت تركيا وحكومتها ثمار هذا السعي، ولم تذهب أموال الدولة هدراً!.

وكنت على اطلاع، على شذر من أخبار الذين يتقاطرون على تركيا، من مثقفين العرب، بعد أن كانوا قد أبلو بلاءاً حسناً، لجهة الترويج والتسويق لتركيا وأردوغانها في العالم العربي، عبر وسائل الإعلام العربيّة، المرئيّة منها والمقروءة.

ومن قصص المكتب الصحافي لأردوغان أنه أوقف منح الموافقة على العمل الصحافي لأحد مراسلي كبريات الصحف الخليجيّة، لمدّة تزيد عن ثلاثة أشهر، كي يدققوا ويمحّصواً ويحللوا كتابات هذا الصحافي وتوجّهاته الفكريّة…، كي يعرفوا من أيّة زاوية يمكنهم الخطاب معه، لجهة ليّ كلمته، عبر الاغراءات و”المغراءات”، وما شاكل ذلك.

ولا أعلم أن كان ذلك الزميل، قد نال الموافقة أم لا!.

ولعل من مساوئ وبؤس هذه الحال، أن تفرز حملة التهليل والتطبيل لتركيا وحكومتها “لصوصاً”، يسطون على جهد غيرهم، ظنّاً منهم، أنهم اقترفوا جريمة كاملة، لن يكشفها أحد.

وإلى ذلك، ما كتبه أحدهم في موقع “إيلاف” الالكتروني، تحت عنوان: “سعي أنقرة لعضوية الإتحاد الأوروبي يصب لصالح الأقليات..

آفاق سلام جديدة بين الحكومة التركية والأكراد”.

ووقّع المقال باسم: صلاح أحمد من لندن.

نشره موقع “إيلاف” يوم الثلاثاء المصادف الحادي عشر من الشهر الجاري.

وإليكم الرابط:

(http://www.elaph.com/Web/news/2011/1/624156.html).

والمقال الأصل، منشور في صحيفة “نيويورك تايمز”، موقّعاً باسم سيبنيم آرسو.

وإليكم الرابط: (http://www.nytimes.com/2011/01/10/world/europe/10turkey.html?src=twrhp).

ولقد لفت انتباهي لهذه السرقة، الصديق والزميل العزيز في لندن؛ خلف داوود.

وبعد أن قمت بترجمة مقال سيبنيم آرسو، عن طريق “صديقي”، مترجم غوغل، من الانكليزيّة إلى العربيّة، اتضح أن منسوب الاقتباس الموجود لدى صلاح أحمد، يدخله في خانة الاتهام بالسرقة الموصوفة، وعن سابق إصرار وتصّرد.

ويمكن للقارئ العزيز العودة للمقالين الموجودين أدانه، كي يتثبّتوا ويتأكّدوا من صحّة هذا الاتهام.

قصارى القول: أن ينزلق الكاتب إلى الاقتباس الفجّ، دون الإشارة إلى المصدر، هذه ظاهرة موجودة، ويمكن أن يتغاضى عنها البعض.

وان ينجرف البعض الى الترويج والتزويق والتملّق والتلميع لتركيا بفجاجة ووقاحة أحياناً، هذه أيضاً غدوت بالنسبة للبعض، مهنة، يسترزق منها.

لكن أن يكون المروّج، غير المباشر، برتبة لصّ، هذا ما كان ينقص المشهد!

 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف تعود سوريا اليوم إلى واجهة الصراعات الإقليمية والدولية كأرض مستباحة وميدان لتصفية الحسابات بين القوى الكبرى والإقليمية. هذه الصراعات لم تقتصر على الخارج فقط، بل امتدت داخليًا حيث تتشابك المصالح والأجندات للفصائل العسكرية التي أسستها أطراف مختلفة، وأخرى تعمل كأذرع لدول مثل تركيا، التي أسست مجموعات كان هدفها الأساسي مواجهة وجود الشعب الكردي، خارج حدود تركيا،…

روني آل خليل   إن الواقع السوري المعقد الذي أفرزته سنوات الحرب والصراعات الداخلية أظهر بشكل جلي أن هناك إشكاليات بنيوية عميقة في التركيبة الاجتماعية والسياسية للبلاد. سوريا ليست مجرد دولة ذات حدود جغرافية مرسومة؛ بل هي نسيج متشابك من الهويات القومية والدينية والطائفية. هذا التنوع الذي كان يُفترض أن يكون مصدر قوة، تحوّل للأسف إلى وقود للصراع بسبب…

خالد حسو الواقع الجميل الذي نفتخر به جميعًا هو أن سوريا تشكّلت وتطوّرت عبر تاريخها بأيدٍ مشتركة ومساهمات متنوعة، لتصبح أشبه ببستان يزدهر بألوانه وأريجه. هذه الأرض جمعت الكرد والعرب والدروز والعلويين والإسماعيليين والمسيحيين والأيزيديين والآشوريين والسريان وغيرهم، ليبنوا معًا وطنًا غنيًا بتنوعه الثقافي والديني والإنساني. الحفاظ على هذا الإرث يتطلب من العقلاء والأوفياء تعزيز المساواة الحقيقية وصون كرامة…

إلى أبناء شعبنا الكُردي وجميع السوريين الأحرار، والقوى الوطنية والديمقراطية في الداخل والخارج، من منطلق مسؤولياتنا تجاه شعبنا الكُردي، وفي ظل التحولات التي تشهدها سوريا على كافة الأصعدة، نعلن بكل فخر عن تحولنا من إطار المجتمع المدني إلى إطار سياسي تحت اسم “التجمع الوطني لبناء عفرين”. لقد عملنا سابقاً ضمن المجتمع المدني لدعم صمود أهلنا في وجه المعاناة الإنسانية والاجتماعية…