وكان من الطبيعي أن تتزايد الاضطرابات في تونس، ولم تكن مصادفة نزول الناس إلى الشوارع احتجاجاً على ارتفاع معدلات البطالة، وزيادة الأسعار وانتشار الفساد، والقيود والحقوق المدنية، أما أن يصمَّ بنُ علي أذنيه عن مطالب شعبه طيلة ثلاث وعشرين سنة، ويستيقظ فجأة ليقول للشعب التونسي في خطاب مرتبك” ضرب يده أربع مرات على الميكروفون في خطاب يوم الخميس الماضي لشدة الهلع من شارعه الشعبي الذي امتلأ على آخره ب ” المجرمين والمتطرفين” ليقول للشعب: نعم الآن فهمتكم، وصلت رسالتكم، وجاءتني تقارير من المقربين والمستشارين ووو كلها كاذبة عن الوضع والمعيشة.
وبعد ثلاث وعشرين سنة، يخرج الرئيس الذي كان يبدو أقل من عمره بكثير ” 74 عاماً” لأنه كان مهووساً بالرياضة، وبـ ليلى الطرابلسي ” كانت لديها محل حلاقة قبل أن تصير سيدة تونس الأولى”، وبأكل السمك الطازج والصيد، بعد كل هذه الآلام يخرج بن علي ليقول:
أعطيت توجيهاتي لرئيس الوزراء بتخفيض أسعار المواد الأساسية..
وقررت إعطاء الحرية الكاملة لوسائل الإعلام..
لن نغلق مواقع إنترنت، ولن نسمح بالرقابة على الإعلام بأي شكل، ولا رئاسة مدى الحياة، وكان الرجل وقبل يوم من هروبه وخلعه ، وبل واحتراقه بنار البوعزيزي المقدسة يطمح أن يظل مستمراً في عشق السمك الطازج، وملكة قرطاجة الطازجة، والصيد الطازج، والرئاسة” العتيقة إلى عام 2014 حيث أعيد انتخابه لخمس مرات متواليات لا أكثر!!!
وكان قبل الخطاب الأخير قد أرعد وأزبد في خطاب مماثل، وتوعد بتطبيق القانون على المشاغبين بكل حزم.
الآن يجدر بالشعب التونسي الأخضر رغم أنف الطغاة أن يلتفت إلى الأخطاء التي ارتكبت في المرحلة الماضية، ويبعث انتعاشاً في كل مفاصل الدولة اجتماعياً واقتصادياً وإنمائياً ومدنياً، ويشرك الجميع أحزاباً معارضة، كبيرة وصغيرة، وشخصيات جديرة بإدارة البلد، ويتطلب ذلك ورشة عمل كبيرة على مستوى عموم البلد، ونهضة عمرانية و”أخلاقية” شاملة حتى تتداوى جراح من سقطوا على مذبحة الحرية، وتشكيل حكومة تكنوقراطية لا تستثني كل من له الأهلية والمراس، كما ينبغي كنس رموز النظام السابق كلياً لأنه المسؤول عن جميع المظالم التي لحقت بالشعب التونسي في الفترة الماضية.
ولأكثر من يومين ثمة فلتان أمني وعصابات تنهب، وتقتل، وتنهب الناس الآمنين في منازلهم، ومحلاتهم وممتلكاتهم، وهناك سجون جرى فيه القتل وهروب مئات بل آلاف المجرمين، وهؤلاء سيشكلون خطراً على نتائج الثورة الشعبية وثمارها، خصوصاً إذا علمنا أن بعض من دب الخوف والرعب كانوا من أزلام النظام السابق.
كلُّ هذا ..
وكلُّ ذاك كرمى لروح البوعزيزي وبقية الشهداء