صالح دمي جر- بيروت
عشرات الفضائيات والمحليات ومراسلي الصحف والمواقع الإلكترونية ينتظرون عشرة وزراء للمعارضة لقراءة بيان إستقالتهم من حكومة سعد الحريري.
التوقعات والهمسات التي تتحول تدريجياً إلى ما يشبه الضجيج لكثرة مثيريها من مراسلين ومصورين, تتمحور حول ما تخبئه اللحظات القادمة من هذا المؤتمر الذي سيتم فيه اعلان إسقاط الحكومة دستورياً بعد ان يأتي الوزير الحادي عشر الذي تأخر عن الانضمام الى الإجتماع .
تأخير الوزير عدنان السيد حسين يؤثر سلباً على إعلان الإستقالة حيث تزامن إعلان الإستقالة مع لقاء الرئيس سعد الحريري بالرئيس الأميركي باراك أوباما امر مهم بالنسبة للمعارضة, كون الإستقالة تجعل اللقاء يندرج تحت عنوان : لقاء الرئيس الأميركي مع رئيس وزراء لبنان السابق, وعدم انضمام الوزير إلى الإجتماع سوف يجهض هذا المسعى.
لذا كانت انظار الوزراء العشرة متجهة نحو الباب ليدخل الوزير إليه و أنظار الإعلاميين متجهة نحوه لخروج الوزراء منه وقراءة بيان الإستقالة…
أخيراًُ و دون ان يدخل الوزير الحادي عشر يخرج الوزراء إلى الإعلام ليعلنوا الإستقالة على لسان وزير الطاقة والمياه جبران باسيل.
تمت الإستقالة ولكن لم يكتمل النصاب القانوني لإسقاط الحكومة دستورياً لأن الوزير عدنان السيد حسين – الوزير الملك- لم يصل بعد…
يضطر الوزير -بعد ان تمكنت المعارضة من إستقطابه- لتقديم استقالته منفرداً لرئيس الجمهورية ميشال سليمان الذي قيل عن سعي له لتأجيل هذه الاستقالة اقله ليوم واحد, وبذلك تكون الحكومة فاقدة للشرعية بشكل رسمي حيث إستقال الثلث زائداً واحد أي احد عشر وزيراً من أصل ثلاثين كانوا يشكلون الحكومة اللبنانية.
هنا في دارة النائب ميشال عون وبعد 14 شهراً من تشكيلها تتحول حكومة الوحدة الوطنية بشك اوتوماتيكي ولو بعد حين إلى حكومة تصريف أعمال الى ان تشكل حكومة جديدة لا تعاني من الشلل والتعطيل كما كانت سابقتها.
سقطت الحكومة ولنا في الحمرا موعد مع مسرحية كامب للمخرج العراقي مهند هادي التي ستعرض للمرة الأولى في صالة مسرح المدينة, ضمن مهرجان المسرح العربي الذي إفتتح دورته الثالثة في العاشر من هذا الشهر في صالة الأونيسكو وبحضور مسرحيي سبعة عشر بلداًعربياً .
في الطريق إلى المسرح كنت- ككل الذين شربوا من مياه لبنان- قلقاً نوعاً ما من جراء الإعلان وما سيترتب عليه من فراغ ربما يؤثر على وضع البلد ككل من الناحية السياسية والثقافية والإجتماعية مروراً بالوضع الأمني الذي يمكن ان يتعرض لبعض التوتر , وعلى ضوء هذا القلق والخيبة توقعت للحظات أن يكون الحضور قليلاًُ وتذهب جهود القائمين على عرض هذه المسرحية أدراج الريح, ولكن اتضح لي عند وصولي إلى الحمرا ان توقعي كان في غير محله حيث اللامبالاة من السياسيين كانت سمة الشارع والنبض حالته المستقرة.
هذا الشارع الذي يشهد في دقائق معدودة وعلى طول امتار قليلة كل اطياف المجتمع اللبناني ووجوهاً عربية واجنبية مختلفة, يزرعونه جيئةً وذهابا.
كانت صالة مسرح المدينة تضج بالحضور ولم يكن ثمة مقاعد شاغرة.
مسرحية كامب تلخص مشاعر وحياة العراقيين- وما أشبههم بالكرد- في الشتات:
(منذ سنوات طويلة وكثير من العراقيين يطرقون أبواب السفارات ومكاتب الأمم المتحدة باحثين عن وطن بديل, هروبا” من كل الخيبات والحروب التي مرت بهم.
شخصيتين عراقيتين تلتقيان صباحاًأمام واحد من مكاتب الأمم المتحدة في أحد الدول المجاورة للعراق, لا يعرفان بعضهما البعض لكن المشكلات المشتركة جعلتهم شركاء في كل شيء الحياة والموت والهروب كل له خياره بالبقاء والرحيل وهناك من له الأمل بالعودة والأخر يحلم بالاعودة, وفي النتيجة بغداد بالنسبة للجميع مثل النائم في الأنعاش ونحن نراقبها من بعيد على أمل استقرار حالتها… ونركض للعودة لها).
تصفيق حاد من الجمهور , إضاءة للمسرح, عناق الوفاء والتشجيع والشكر بين المخرج والممثلين والكادر الفني من جهة والحضور من جهة اخرى ومن ثم خروج من الصالة.
نبض في الخارج وأمام المسرح وكأن بيروت في هذه الساعات تختصر وطنين بوطن, وطن للسياسة والسياسيين الذين لا يدخرون جهداً لكشر انيابهم حفاظاً على مصالح لا توفر لهم إلا بقعةً لكرسي مهدد في كل لحظة وحين , ووطن للثقافة والجمال والفن الذي يتربع على عرش لا يهتز بنيانه ولو كره الظلاميون.
وللعاشقات الاخريات اقول: تمتاز بيروت عنكن بأن قلبها اكبر بمرات ومرات من حجمها الصغير.