صلاح بدرالدين
الاعتداءات الارهابية على مسيحيي العراق ومصر وحدثيها الأبرزين الناجمين عن استهداف كنيستي – النجاة – و القديسين – بتوقيت زمني متقارب وعملية الاستفتاء لتقرير مصير جنوب السودان التي ستقسم بلدا مستقلا عضوا بجامعة الدول العربية للمرة الأولى منذ قيامها كانت محصلة ماتمخضت عنها نهاية العقد الأول من القرن الجديد فالاختلافات الجوهرية بين القومي والديني من حيث الحقوق والحلول بين الطامح للاستقلال في اطار هوية جديدة والمنادي بتحسين الوضع ضمن الاصلاحات الوطنية الشاملة وكذلك الطبيعة المزدوجة المتناقضة لوجهي الأحداث المأساوي منها في الضحايا وفقدان الأعزاء أو السعيد منها في الجانب الآخر في عرس الحرية لشعب يرنو الى الاستقلال
نقول بأن تمايزات التطورات الأخيرة لم تحل دون التقائها في خانة ” الآخر ” بل دفعت النظام العربي الرسمي والنخبة الثقافية والاعلامية في البلدان العربية بقوة الى التنبه المتأخر أو كردة فعل لوجود الآخر القومي والديني والمذهبي المختلف خارج الغالب السائد من عرب ومسلمين سنة مما يجيز القول بأن حقبة ذلك الآخر بكل اشكالياتها وآفاقها واستحقاقاتها قد بدأت للتو في مناخ محلي واقليمي ودولي ضاغط وقابل وحاضن والسؤال الشاغل الآن هو كيف ستسير والى أين ستنتهي .
قضايا ” الآخر ” في بلداننا ومنطقتنا ليست بجديدة بل ورثناها أبا عن جد وجدا عن جد جد مسكونة في باطن العقل وفي ظواهر الثقافة ومنتصبة في النفوس تجدها في كل كبيرة وصغيرة من حياتنا الاجتماعية والسياسية والروحية تلامسنا منذ تسلط الامبراطورية العثمانية وتحللها وتسلق الاتحاد والترقي ومجازره الرهيبة بحق ذلك ” الآخر ” الأرمني والكردي ومن ثم بروز – المسألة الشرقية – وتؤرقنا منذ اتفاقية سايكس – بيكو التي قطعت الأوصال وفرقت الأهل والأقوام وتزيد في احباطنا منذ قيام دولة القومية الواحدة بعد الاستقلال الناقص وحكومات – الفشل الوطني – وليس التحرر الوطني وترهبنا مع اطلالة العسكريتاريا المتوحشة وقدوم النظم الشمولية الأحادية بنزعاتها الأصولية القومية والدينية نحو حصر ” الآخر ” بين قبول التمثلية – القومية والدينية والمذهبية – أو التهجير القسري أو جرعات الابادة ( الجسدية والاقتصادية والثقافية ) السريعة منها أو البطيئة الفردية منها او الجماعية صحيح أن تلك القضايا تفجرت أحيانا وضمرت في أكثر الأحيان ولكن بقيت كجمرات تحت الرماد تم – ترحيلها – من قرن الى آخر ومن جيل الى الذي يليه حتى يومنا هذا .
قد لايحتاج المرء الى عناء للتذكير بفشل النظام الرسمي في فهم وحل ومعالجة قضايا ” الآخر ” بدء من مرحلة حكم النظم الكلاسيكية ومرورا بالنظم العسكرية الانقلابية والحكومات القومية الراديكالية العلمانية منها أوالاسلامية وما تحقق في جنوب السودان من استفتاء في اطار مبدأ حق تقرير المصير ليس للنظام الاسلاموي في الخرطوم أي فضل في تحقيقه ولم يكن ذلك في أجندته يوما من الأيام وليس انجازا اسلاميا سياسا بل يمكن القول أنه رد فعل عليه وبالضد منه أولم يهدد الرئيس السوداني بتطبيق الشريعة مقابل الانفصال .
ان ما نلمسه من مشاعر الاحباط السائدة في سائر الأقطار العربية وتوسع الفجوة يوما بعد آخر بين الشعب والسلطة والدولة والمجتمع وما تحصل يوميا من اعتصامات واحتجاجات في شوارع المدن في المشرق والمغرب اعتراضا على الفساد والظلم الاجتماعي والبطالة والفقر وطلبا للديموقراطية والعدالة من لدن – جماهير – الغالبية السائدة بثقلها الأساسي الا تعبيرا عن ارادة التغيير وهنا تلتقي المصالح والأهداف بينها وبين ارادة ” الآخر ” التي تتخطى الاصلاحات الشكلية نحو اعادة بناء دولة كل المواطنين متشاركين متضامنين أحرار وتتسع لهويات وثقافات ومعتقدات الجميع .
الالتفاتة العربية الرسمية من جانب رؤساء مصر وليبيا وتاليا أمين عام جامعة الدول العربية تجاه السودان وجنوبه عشية الاستفتاء جاءت متأخرة جدا ولكنها كانت بالاتجاه الصحيح اذا اكتملت بخطوات لاحقة مثل عقد اجتماع قمة للجامعة ومباركة نتائج الاستفتاء والاعلان عن تأييد حق تقرير مصير ” الآخر ” القومي من كرد وأمازيغ وباقي القوميات والأثنيات في البلدان العربية واعادة النظر في ذلك المصطلح الوضيع – الأقلية – بجوانبه القانونية – الحقوقية والسياسية والفصل بين تفسيريه العددي والاعتباري اذا كان لابد من استخدامه كما فعل مؤخرا بجهد ابداعي متقدم المثقف والناشط الحقوقي العربي المعروف الصديق الدكتور عبد الحسين شعبان ودعوة النظم العربية لالغاء التشريعات والقوانين المجحفة بحق ” الآخر ” الديني والمذهبي ان من شأن مثل هذه الخطوات – جذب الآخر – نحو الوحدة والاتحاد الاختياري والعيش المشترك .
أما على صعيد المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية والمفكرين والمثقفين والاعلاميين العرب فالمهام أعظم اذ على عاتقهم يقع واجب التنوير والتمهيد للتغيير وصولا الى انجاز الدولة الحديثة المنشودة والخطوة الأولى تبدأ بقبول مبدأ حق تقرير المصير وقراءة الواقع المكوناتي التعددي لكل بلد كما هو عليه وبالتالي تحديد البلدان ” المتعددة القوميات ” وتسميتها والتسليم بكون غالبيتها من السكان الأصليين المتجذرين في الأرض والتاريخ وليست من المتسللين والسياح ثم الشروع في البحث عن أفضل السبل للاستجابة لمطالب ” الآخر ” في ظل دولة الجميع وبحسب متابعاتي لوحظ حدوث اختراق نوعي في هذا المجال من جهة التطور اللافت لمواقف العديد من المفكرين والمثقفين العرب حول ” الآخر ” وبشكل خاص بعد اثارة قضايا المسيحيين وجنوب السودان وكردستان العراق وحسب ظني فان ماتم حتى الآن ليس بكاف ومازال هناك بعض المفاهيم المسبقة الخاطئة والمعيبة التي لاتساعد على التفاهم والاتحاد ولاتلبي المصالح المشتركة في التغيير مثل اكتفاء البعض بترقيع الثغرات دون ملامسة القضية الرئيسية وقول البعض أن ” حرية جنوب السودان يوم افريقي أسود ” أو أن” تقرير المصير هو انتقال من ظلم الدولة الشمولية نحو التهميش والتبعية الكاملة للغرب ” أو ترويج البعض وفي هذا الوقت بالذات لدعوة تجاهل الآخرين واستفزازهم بالقول أن ” عروبة العراق حقيقة تاريخية ” أو النخوة الزائدة عن اللزوم لدى البعض في الحرص على وحدة وعروبة العراق والسودان ودعم واسناد انفصال امارة غزة مثلا عن جسم الدولة الفلسطينية أو قراءة ممارسة كرد العراق لحقهم الدستوري والقومي في الفدرالية وشعب جنوب السودان لحقه بتقرير المصير ” مؤامرة لتفتيت الأمة العربية ” كما ذهب اليه بيان الأحزاب العربية .
قضايا ” الآخر ” في بلداننا ومنطقتنا ليست بجديدة بل ورثناها أبا عن جد وجدا عن جد جد مسكونة في باطن العقل وفي ظواهر الثقافة ومنتصبة في النفوس تجدها في كل كبيرة وصغيرة من حياتنا الاجتماعية والسياسية والروحية تلامسنا منذ تسلط الامبراطورية العثمانية وتحللها وتسلق الاتحاد والترقي ومجازره الرهيبة بحق ذلك ” الآخر ” الأرمني والكردي ومن ثم بروز – المسألة الشرقية – وتؤرقنا منذ اتفاقية سايكس – بيكو التي قطعت الأوصال وفرقت الأهل والأقوام وتزيد في احباطنا منذ قيام دولة القومية الواحدة بعد الاستقلال الناقص وحكومات – الفشل الوطني – وليس التحرر الوطني وترهبنا مع اطلالة العسكريتاريا المتوحشة وقدوم النظم الشمولية الأحادية بنزعاتها الأصولية القومية والدينية نحو حصر ” الآخر ” بين قبول التمثلية – القومية والدينية والمذهبية – أو التهجير القسري أو جرعات الابادة ( الجسدية والاقتصادية والثقافية ) السريعة منها أو البطيئة الفردية منها او الجماعية صحيح أن تلك القضايا تفجرت أحيانا وضمرت في أكثر الأحيان ولكن بقيت كجمرات تحت الرماد تم – ترحيلها – من قرن الى آخر ومن جيل الى الذي يليه حتى يومنا هذا .
قد لايحتاج المرء الى عناء للتذكير بفشل النظام الرسمي في فهم وحل ومعالجة قضايا ” الآخر ” بدء من مرحلة حكم النظم الكلاسيكية ومرورا بالنظم العسكرية الانقلابية والحكومات القومية الراديكالية العلمانية منها أوالاسلامية وما تحقق في جنوب السودان من استفتاء في اطار مبدأ حق تقرير المصير ليس للنظام الاسلاموي في الخرطوم أي فضل في تحقيقه ولم يكن ذلك في أجندته يوما من الأيام وليس انجازا اسلاميا سياسا بل يمكن القول أنه رد فعل عليه وبالضد منه أولم يهدد الرئيس السوداني بتطبيق الشريعة مقابل الانفصال .
ان ما نلمسه من مشاعر الاحباط السائدة في سائر الأقطار العربية وتوسع الفجوة يوما بعد آخر بين الشعب والسلطة والدولة والمجتمع وما تحصل يوميا من اعتصامات واحتجاجات في شوارع المدن في المشرق والمغرب اعتراضا على الفساد والظلم الاجتماعي والبطالة والفقر وطلبا للديموقراطية والعدالة من لدن – جماهير – الغالبية السائدة بثقلها الأساسي الا تعبيرا عن ارادة التغيير وهنا تلتقي المصالح والأهداف بينها وبين ارادة ” الآخر ” التي تتخطى الاصلاحات الشكلية نحو اعادة بناء دولة كل المواطنين متشاركين متضامنين أحرار وتتسع لهويات وثقافات ومعتقدات الجميع .
الالتفاتة العربية الرسمية من جانب رؤساء مصر وليبيا وتاليا أمين عام جامعة الدول العربية تجاه السودان وجنوبه عشية الاستفتاء جاءت متأخرة جدا ولكنها كانت بالاتجاه الصحيح اذا اكتملت بخطوات لاحقة مثل عقد اجتماع قمة للجامعة ومباركة نتائج الاستفتاء والاعلان عن تأييد حق تقرير مصير ” الآخر ” القومي من كرد وأمازيغ وباقي القوميات والأثنيات في البلدان العربية واعادة النظر في ذلك المصطلح الوضيع – الأقلية – بجوانبه القانونية – الحقوقية والسياسية والفصل بين تفسيريه العددي والاعتباري اذا كان لابد من استخدامه كما فعل مؤخرا بجهد ابداعي متقدم المثقف والناشط الحقوقي العربي المعروف الصديق الدكتور عبد الحسين شعبان ودعوة النظم العربية لالغاء التشريعات والقوانين المجحفة بحق ” الآخر ” الديني والمذهبي ان من شأن مثل هذه الخطوات – جذب الآخر – نحو الوحدة والاتحاد الاختياري والعيش المشترك .
أما على صعيد المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية والمفكرين والمثقفين والاعلاميين العرب فالمهام أعظم اذ على عاتقهم يقع واجب التنوير والتمهيد للتغيير وصولا الى انجاز الدولة الحديثة المنشودة والخطوة الأولى تبدأ بقبول مبدأ حق تقرير المصير وقراءة الواقع المكوناتي التعددي لكل بلد كما هو عليه وبالتالي تحديد البلدان ” المتعددة القوميات ” وتسميتها والتسليم بكون غالبيتها من السكان الأصليين المتجذرين في الأرض والتاريخ وليست من المتسللين والسياح ثم الشروع في البحث عن أفضل السبل للاستجابة لمطالب ” الآخر ” في ظل دولة الجميع وبحسب متابعاتي لوحظ حدوث اختراق نوعي في هذا المجال من جهة التطور اللافت لمواقف العديد من المفكرين والمثقفين العرب حول ” الآخر ” وبشكل خاص بعد اثارة قضايا المسيحيين وجنوب السودان وكردستان العراق وحسب ظني فان ماتم حتى الآن ليس بكاف ومازال هناك بعض المفاهيم المسبقة الخاطئة والمعيبة التي لاتساعد على التفاهم والاتحاد ولاتلبي المصالح المشتركة في التغيير مثل اكتفاء البعض بترقيع الثغرات دون ملامسة القضية الرئيسية وقول البعض أن ” حرية جنوب السودان يوم افريقي أسود ” أو أن” تقرير المصير هو انتقال من ظلم الدولة الشمولية نحو التهميش والتبعية الكاملة للغرب ” أو ترويج البعض وفي هذا الوقت بالذات لدعوة تجاهل الآخرين واستفزازهم بالقول أن ” عروبة العراق حقيقة تاريخية ” أو النخوة الزائدة عن اللزوم لدى البعض في الحرص على وحدة وعروبة العراق والسودان ودعم واسناد انفصال امارة غزة مثلا عن جسم الدولة الفلسطينية أو قراءة ممارسة كرد العراق لحقهم الدستوري والقومي في الفدرالية وشعب جنوب السودان لحقه بتقرير المصير ” مؤامرة لتفتيت الأمة العربية ” كما ذهب اليه بيان الأحزاب العربية .
وأخيرا من الفائدة الاستشهاد كما فعل قبلي أحد الكتاب العرب المرموقين بمقولة للمؤرخ النرويجي البارز – كريستيان لو لانج – ” هناك الكثير من الحروب والدمار التي تتعرض إليها الإنسانية ليس موجهاً ضد الدولة القومية ولكن ضد قومية معينة تستأثر بهذه الدولة وبمنافعها وتترك الآخرين على قارعة الطريق “.