حركات الإصلاح والتغيير في الأحزاب الكردية… الأسباب والحلول

خالص مسور

لست هنا بوارد النيل من أي حزب أو سكرتير حزب ما، فلكل حزب كردي وبدون استثناء أثره وجهده على الساحة النضالية الكردية، ولكل سكرتير وكادر – وبدرجة ما – تاريخ لاينكر حافل بالكفاح والعمل السياسي الدؤب أمضى حياته فيه ساهراً في سبيل شعبه وحقه في الحياة، كما ساهمت الأحزاب في الحفاظ على اللغة الكردية وعلى نشر الوعي القومي بين الكرد بدون شك.

غير أننا سنقوم هنا بمراجعة نقدية نراها جادة وهادفة لتصحيح الأمور في حقل السياسة الحزبية الكردية، وفتح باب النقد والنقد الهادف دون إساءة وتجريح لأي من الشخصيات القيادية وغير القيادية في الأحزاب الكردية وغير الكردية، والمقالة غير موجهة لأحد في ذاته أو لحزب سياسي بعينه.
وأبدأ بالقول: بأن الخلافات داخل الحزب الواحد قد تكون من الأمور العادية في معظم الحالات، ولكن في حال إذا ما وصلت الأمور الى الانشقاقات أو حركات الإصلاح والتغيير، دلت على وجود توترات داخلية وصراعات تسببها في الغالب الشحصية الكاريزمية للقائد أو السكرتير وتصرفاتهما وخاصة في الأحزاب الكردية أو بسبب طموحات بعض الكوادر المتقدمة إلى المناصب الحزبية، أوفشل الحزب في آداء دورها الرئيس في استقطاب الجماهير وتجسيد طموحاتها، في تفعيل مقولات الديموقراطية والحرية والوطنية والجوانب الحياتية الأخرى.

مما يؤدي في كثير من الأحيان إلى الإنشقاق أو ظهور حركات الإصلاح والتغيير، والإنشقاق هو خروج تكتل خارج الحزب تنظيمياً، وتتشكل التكتل من مجموعة من الكوادر الذين ينتقلون إلى موقع مختلف عن السابق لأسباب عقائدية أو شخصية أو سياسية، أو عرقية…الخ.

بينما الإصلاح هو تكتل يعمل من داخل الحزب الأم لإعادة ترميم الهيكلية الحزبية ومعالجة الأخطاء والنواقص وإجراء تطوير وتجديد شاملين في كافة مفاصل الجسد الحزبي القديم والمترهل.

هذا وللدخول في الموضوع ودون مزيد من الإطالة، سنقوم بتصنيف سكرتيري الأحزاب الكردية إلى ثلاث شخصيات نمطية أصبحت كنماذج أولى وأساسية في السياسة الكردية الحالية وهي:
1 – الشخصية الراغبة في التمسك بالمنصب مدى العمر: هذه الشخصية التي أضحت كاريزمية مع مرور الوقت نظراً لعدم إمكان وجود منافسين لها إلا فيما ندر، نراها شخصية مصلحية أنانية ومستعدة للتخلص من أصدقائها في الحزب – وفي لمح البصر – مهما كانت درجة نشاطهم ونضالهم إذا ما آنست منهم مايشير إلى منافستهم وعدم إخلاصهم لها، ساعية إلى احتكار منصب سكرتارية الحزب لنفسها بل والتفكير بما هو أبعد من نفسها في حالات أخرى.

هذه الشخصية إذا ما أضناها الحظ وجافاها القدر، وإن لم تنتخب أو يعاد انتخابها في المؤتمرات الحزبية إلى قمة الهرم الحزبي، أو إلى منصب رفيع المستوى كما هو الحال لدى الكوادر الحزبية المتقدمة، فإنها سرعان ما تدير ظهرها للحزب الذي خدمت فيه لسنوات طويلة وكأنها لم تكن حزبية فيما مضى، وهو ما يدل على أن هذه الشخصية الكاريزمية كانت تتغيا من وراء السياسة منصباً حزبياً فقط وليس شيئاً آخر غيره.

ونستطيع أن نأتي بأمثلة عديدة على ماذكرنا،  ولكن حرصاً منا على عدم الإساءة إلى أحد فلن نلجأ إلى ذكر الأسماء.

   
2 – الشخصية الجامعة بين المنصب والمال في آن واحد: ليس لدى هذه الشخصية القيادية(السكرتير) في العادة لجنة مالية تشرف على الأموال العامة للحزب بل تجمع في يديها المنصب والمال معاً، وتبدو كما لو أنها طامعة في الاستئثار بهذه الأموال لتسخيرها لمصلحتها الشخصية وإطالة أمداءات منصبها وشراء الذمم والأنصار، وتدجين بطانة لارأي لها سوى الإيماءة بالموافقة والتصفيق ماعدا استثناءات جد  قليلة ونادرة.

وفي هذه الحال نكون أمام كارثة سياسية وقومية، تواكبها – كما قلنا – كوادر قيادية مشلولة عاجزة ومسلوبة الإرادة تصفق للسكرتير حين يتكلم، وحين يسكت، وحين يطرد، وحين يظلم رفاقهم الذين أضحوا في حكم الأرقاء لديه ويرون في سكوتهم سلامتهم.
وكم نتمنى اليوم وغداً أن نجد أحداً من كوادر الأحزاب الكردية يقول لسكرتيره، أنت مخطيء حينما يخطيء، بل أن نجد سكرتيراً كردياً يقول لكادره: أخطأ سكرتير وأصاب كادر.

ويتحمل المثقفون الكرد في هذه الحالة جزءاً كبيراً من المسؤولية على صعيد الخطاب السياسي والثقافي الكردي، والمثقفون هنا قسمان لا ثالث لهما، قسم أول يبدو كأنه قد حشر نفسه في زمرة الوصوليين ووعاظ السلاطين والإنتهازيين، فهم والحال هذه ليسوا بأقل وصولية وتشتتاً ومخاصمة لبعضهم على حق الآغوية الثقافية من المسؤوليين الحزبيين أنفسهم، بينما بقي القسم المثقف الآخرالجاد واقعاً تحت الوصائية عاجز عن القيام بدوره في النقد والتقييم والتقويم في المجالين السياسي والثقافي والإجتماعي أيضاً نظراً لعدم قبول الأحزاب الكردية النقد السياسي حتى البناء منه وبشكل مطلق لا سابق له، لهذا وحتى إن تأتى لمثقف أن ينقد تصرفات قيادة حزب ما، فعليه أن يناور بمقدمة طويلة يمدح فيها هذا القيادي أو ذاك وهذا الحزب أو ذاك، حتى يقول جملة نقدية واحدة يريد قولها.

أي أن المثقف الكردي مضطر أن ينظر إلى الأمور بعين واحدة ويداه مغلولتان إلى عنقه ونقده مردود إلى نحره، وعاجز عن تسمية الأشياء بمسمياتها – كما يقال – وفي مثل هذه الأحوال وغياب الأصوات المثقفة، تسيطر الإنحرافات السياسية والجدالات البيزنطية العقيمة والصراعات المميتة في مسيرة الأحزاب السياسية، لتصبح في النهاية بؤرة للمراهنات الخاطئة والتسلط الفردي والتخلف السياسي والتنظيمي.

       
3 – الشخصية الوطنية المخلصة في عملها: أي أن مثل هذا السكرتير الثالث لايطلب من وراء عمله الحزبي والنضالي جزاء ولاشكورا، ويحمل بين جنبيه هماً وطنياً خالصاً، ويموت وهو لايترك في بيته ما يدل على أنه كان يستغل منصبه لمال أو جاه وسلطان ومثله موجود ولكنه نادر الوجود.

وبشكل آخر نقول: إذا ما تناولنا ظاهرة الإنشقاقات وحركات الإصلاح والتغيير، أو ما نسميه بظاهرة الأزمة المستعصية في الأحزاب الكردية على العموم نراها تتخذ عدة اتجاهات وأسباب أساسية وسنشرح بعضها كالآتي:
السبب الأول: وجود حالة من الفساد والإفساد الإداري والمالي على مستوى القمة في القيادات الحزبية غالباً، تلك القيادات التي تصبح مترددة وعاجزة عن تطوير نفسها وقد تدخل في حالة من المراوحة في المكان، كما تعجز القواعد بدورها عن الإستمرار في تحمل جمود وفشل قياداتها السياسية على الساحتين الحزبية الداخلية والخارجية على السواء، حينها قد لايكون هناك مفر من اللجوء إلى الإنشقاق أو إلى حالات من الإصلاح والتغيير في الحزب السياسي، لإمداده بدماء شابة تستطيع استدراك وإنجاز ماعجزت عنه القيادة المترددة من إنجازه، وإعادة الحيوية إلى مفاصل الحزب وإصلاحه والعمل على تفعيل دوره سياسياً وجماهيرياً، وتطوير أهدافه ومنهجه، على أيدي إصلاحيين يحاولون التغيير والسير نحو تشكيل قيادة حزبية جديدة تجسد الطموحات الحزبية وتعيدها إلى أجوائها التي نشأت من أجلها، ولكن قد يتوجب علينا الإشارة هنا، إلى أن الباحثين عن التغيير قد لا يكونون ملائكة على الدوام، بل ربما أصبح البعض منهم أكثر هيمنة واستبداداً من القيات القديمة نفسها.
هذا، وقد يسمي الإصلاحيون أنفسهم بحركات الإصلاح  كـ(حركة الإصلاح) التي ظهرت في الحزب الديموقراطي التقدمي في سورية بقيادة السيد فيصل يوسف وعدد من كوادر الحزب وقيادييه من الشباب المتحمس للإصلاح وتحت شعار النزاهة، والديموقراطية، ورفض الإستبداد، والتأبيد، والتوريث، والإستئثار بأموال الحزب للمصلحة الشخصية…الخ.

أوحركات التغيير كما هو الحال في (حركة التغيير) التي نادى بها السيد (نوشيروان) من حزب الإتحاد الوطني في كردستان العراق وبطروحات وشعارات قريبة مما تطرحه حركة الإصلاح في الديموقرطي التقدمي.

ورغم ما للتغيير والإصلاح من جاذبية لدى الجمهور الكردي، وقد يشكل مطلبه الأول وليس الاخير لإحداث تغيير شامل على مستوى الأجندات السياسية والحالة المؤسساتية للأحزاب الكردية، أوالحد من عبادة الفرد واستبداد بعض القيادات الحزبية وتشبثها بالسلطة الحزبية بواسطة بطانة وصولية لا تملك الجرأة على قول حق عند سكرتيرجائر، بل تقدم على الدوام مصالحها الشخصية فوق الإعتبارات الحزبية والوطنية.
ورغم هذا نرى أن حركة التغيير التي نادى بها السيد نوشيروان مع ما لجاذبيتها الموحية بالتغيير والتطوير في جميع المفاصل الحزبية وحتى الإجتماعية والثقافية أيضاً – وبعكس حركة الإصلاح في الحزب التقدمي –  نراها جاءت في غير أوانها، نظراً للوضع الخطير والصعب الذي يعيشه الإقليم ولما يترتب على ذلك من إضعاف للحركة الكردية هناك وعلى كافة المستويات سياسية وأمنية أو عسكرية، كما أن السيد نوشيروان لايمتلك دماء الشباب ولا برنامجاً مختلفاً يشير إلى أي من التغيير والتجديد، أي أنه ينتمي إلى نفس المدرسة الإتحاد وطنية بامتياز، وستظهر الأيام ما إذا كان الرجل راغباً في التشبث بسلطة الحزب مدى الحياة أم لاء.


السبب الثاني: هو وجود كوادر يطمحون في الوصول إلى مناصب قيادية في الحزب، ولكن ليس قبل أن يتركوا بصمات واضحة على مسيرة الحزب السياسية مع التمتع بقدر وافر من الوطنية والإخلاص، قد تؤهلهم للتمرد ضد قيادة الحزب الذي لم يلبي طموحاتهم السياسية على الأرجح أو بسبب وجود خلل تنظيمي ما ومصادرة واحتكار القرار السياسي من قبل سكرتير الحزب وقيادة متنفذة متعاونة معه دأبت على كتم الأصوات المنادية بالتغيير والتطوير، أو وجود كوادر حزبية يقدمون مصالحهم الشخصية على مصلحة الحزب والشعب معاً.

وفي كل الحالات فقد يلجأ هؤلاء وفي اللحظة التي يرونها مناسبة إلى الإنشقاقات الحزبية وبدون تردد.

 
السبب الثالث: تتعلق بالهيكلية التنظيمية القديمة للاحزاب الكردية في سورية وإدارتها بطريقة المركزية الديموقراطية أوالشمولية المأخوذة من الأحزاب اليسارية القديمة، ثم الواقع المترهل للأحزاب تحت وطأة المفاهيم الشمولية، واستبداد وتسلط سكرتيريها على رقاب القيادة والقواعد معاً، حينها لابد أن تحدث الإنشقاقات المتواصلة وظهور حركات الإصلاح والتغيير، كرد فعل جامح على الشمولية والجمود العقائدي والتحجر التنظيمي وعبادة الفرد، تلك الحركات التي سيقودها قياديون يتصفون بالحماسة والمرونة والتواضع واحترام  شعوبهم ورأي قواعدهم الحزبية بكثير من المهنية والشفافية والتواضع.
وفي الختام سنورد على سبيل المثال، بعضاً من الحلول وما نراه ونقترحه منها وليس كلها، وهي الحلول التي نرددها على الدوام وهي.
1 – عدم تأبيد السكرتير وتحديد مدة سكرتاريته بدورتين مدة كل منها أربع أو خمس سنوات على أن تجري انتخابات حزبية لمنصب السكرتير لكل دورة.
2 – إختيار قيادة واعية إلى اللجان المركزية يتفانى أفرادها في عملهم الحزبي، وقادرين على نقد الأخطاء والنواقص، وأن يتركوا مهنة الموافقة بدون رأي وتمجيد من هم في الأعلى بمناسبة وبدونها.
3 – امتلاك روح التضحية في العمل لدى الكادر الحزبي، والعمل على تقديم مصلحة شعبه على مصلحة حزبه، ومصلحة حزبه على مصالحه الشخصية.
4– تفعيل دور النقد والنقد الذاتي في المسيرة الحزبية بكل مسؤولية وجرأة، وأن يحتل المثقف موقعه الريادي في النقد الهادف والبناء ودون خشية من أحد، لتقويم الإعوجاج وإصلاح الأخطاء وتلافي النواقص الحزبية والسياسية.
5 – وضع الكادر  المناسب في المكان الأنسب، وأن يتحلى الكادر الحزبي بالروح الرياضية وبمزيد من المسؤولية في حال عدم نجاحه في انتخابات نزيهة إلى منصب حزبي أعلى، وأن يعلم بأنه جاء إلى التنظيم ليخدم شعبه ووطنه، وأن ليس المناصب هي ما يبحث عنها هنا.


……………………………………………………………

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اعتبر الزعيم الكوردي رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني، يوم الجمعة، أن الارضية باتت مهيأة لإجراء عملية سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط للقضية الكوردية. جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال انطلاق أعمال منتدى (السلام والأمن في الشرق الأوسط – MEPS 2024) في الجامعة الأمريكية في دهوك. وقال بارزاني، في كلمته إنه “في اقليم كوردستان، جرت الانتخابات رغم التوقعات التي…

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…