جرد حساب .. وآمال مشروعة !

  افتتاحية جريدة آزادي *
بقلم رئيس التحرير

معلوم أن الزمن في تواصل مستمر ، لأن كل لحظة آتية سرعان ما تصب في الماضي ، ذلك هو المعيار العلمي للزمن ، أما التقسيم والفواصل فهي بدع بشرية ، قد تسعف الذاكرة على اتخاذ العبر والدروس ، أو تجعل من تلك الفواصل المصطنعة محطات استرخاء أو جرد حساب ، أو للوقوف على مكامن الأخطاء بغية تقويمها وعلى الجوانب الصحيحة من أجل تثبيتها وتعميقها ، أو لبناء آمال وأهداف جديدة ينبغي تحقيقها ، ومن هذا المنطلق نجدنا في محطة جديدة ، حيث عام يلوح لنا بالوداع وعام يرفع راياته قادما للحلول ، وهنا يأتي جرد لحساب عام 2010 ، وتزاحم الآمال ابتهاجا في استقبال عام 2011 ..

لعل العام الجديد يحمل للبشرية في طياته المزيد من التفاؤل بغد أفضل ، وأن تنال الشعوب المقهورة والشعب الفلسطيني قسطا من حصيلة نضالها في سبيل تخفيف الأعباء عن كاهلها وتحقيق ما يمكن تحقيقه من الحرية والديمقراطية والعيش اللائق بالبشر وبالقيم الإنسانية المنشودة ..هذا وقد امتاز العام الذي ودعناه بقضايا وأحداث مثيرة وعلى مختلف الأصعدة ، دوليا وإقليميا وكردستانيا و داخليا ، منها متصارعة ومنها متداخلة وأخرى متكاملة ، وهي في مجمل تفاعلاتها ليس سوى نتاج في سياق السيرورة التاريخية للمجتمعات البشرية ، ولا محال أن البقاء يظل للأفضل الذي يخدم عملية التطور والتغيير المستمر ، ذلك هو التاريخ الحقيقي لمسيرة الارتقاء الإنساني ..
فعلى الصعيد الدولي : رغم أهمية مؤتمر حلف الناتو في لشبونة وتوجهاته الجديدة نحو منطقة الشرق الأوسط ، وملف إيران النووي الذي يثير القلق في أوساط عالمية وإقليمية واسعة ، وصدور كتاب أسرار الرؤساء في باريس وانتشاره في أنحاء واسعة من العالم ، ونشر موقع ويكيليكس تسريبات لعشرات الآلاف من الوثائق السرية الهامة التي تثير مسائل وقضايا جديدة ، وتساهم بشكل أو آخر في تغيير أسلوب الحوار والتعاطي في المجتمع الدولي , فقد شهد العالم العديد من اللقاءات والمحافل والمؤتمرات الدولية الأخرى ، التي حملت هموم العالم ومعاناته بدءا بقضايا البيئة وقضايا الحد من التسلح النووي وجهود مكافحة أسلحة الدمار الشامل ، ومحاربة الفقر والعوز والبطالة ، ومكافحة المخدرات وأشكال الاتجار غير المشروع ، ومساعي معالجة الأزمة الاقتصادية والمالية ، والتوجه نحو خدمة قضايا التنمية الاقتصادية والشروع في النهوض بالمجتمعات الفقيرة ، ومكافحة الإرهاب والأنظمة الاستبدادية والدكتاتورية ، والاستمرار في مشروع التغيير الكوني نحو التحول الديمقراطي ، والجهود والمساعي الدولية الحثيثة من أجل إنهاء بؤر التوتر وإحلال السلام في ربوع المعمورة..الخ .
وعلى الصعيد الإقليمي : تصاعدت حدة الصراعات ولا تزال وعبر محاور عديدة ، منها محور الصراع العربي الإسرائيلي ، وما يشهده من تعثر صارخ للمفاوضات بين الجانبين نتيجة إصرار إسرائيل على المضي في بناء المزيد من المستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة بما يعني تحملها ( إسرائيل ) السافر للمسؤولية التاريخية في عدم إحلال السلام بين الجانبين وفي عموم المنطقة ، مما حدا بالجانب الفلسطيني للعمل من أجل استقطاب الرأي الدولي للاعتراف بالدولة الفلسطينية متجاوزا بذلك رغبة الجانب الإسرائيلي في هذا الشأن، ويأتي الملف اللبناني مستفحلا بأزماته الداخلية والتدخلات الخارجية ، وما سيصدر من قرارات مرتقبة عن المحكمة الدولية الخاصة باغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري ، وما سوف ينجم عنها من أوضاع جديدة تتفاقم بتداعياتها، هذا وفي ذات الاتجاه يأتي محور الصراع العربي بين ما اصطلح على تسميتها بدول الاعتدال ودول الممانعة تتخللها القضايا الدينية والمذهبية وقضايا الإرهاب وما تعاني منه العديد من دول المنطقة وفي المقدمة منها العراق ، وسبل مواجهة مخاطره والآثار الناجمة عنه من قتل للنفوس البريئة وما يرافقها من القلق الجماهيري والسياسي
وفي سياق آخر ، يأتي موضوع الصراع الإقليمي مع الجانب الدولي ، الذي يتبدى من ممارسات وتوجهات ما يشبه تحالف ثلاثي ولو غير موثق بين أنظمة كل من سوريا وإيران وتركيا وامتداداتها ، في مواجهة ما أسموه المد الغربي إلى المنطقة ، على أن هذا الثلاثي عازم على تولي ترتيبات سياسية جديدة في شؤون المنطقة ، بزعم توفير عوامل نهوضها وتقدمها ، والتي تقتضي معالجة قضايا ومشاكل المنطقة برمتها وتوفير عوامل الهدوء والاستقرار فيها، إلا أن المواقف العملية لهذا الثلاثي من بعض القضايا الأساسية الساخنة في المنطقة تشير نحو عكس مزاعمها وخصوصا ما يتعلق منها بالقضية الكردية كقضية هامة وأساسية على مستوى دول هذه الأنظمة، فهي تسعى إلى إدارة أزمة هذه القضية لا حلها ولو بنسب مختلفة ، الأمر الذي يثير الشك بمصداقيتها في التوجه الموضوعي الحريص على مستقبل وتطور هذه المنطقة، لأن ( تحالف ) هذه الأنظمة بالأساس جاء على شكل عرضي طارئ ، ، حيث لكل نظام أهدافه ومطامحه وأجندته الخاصة ، وتتعارض توجهاته في أغلب الأحيان وخصوصا بين كل من إيران وتركيا ، بمعنى أن هذا التلاقي العرضي لا يستند إلى ركائز إستراتيجية ثابتة ، ويبقى عرضة للأفول في أي وقت أمام السياسة الدولية الجامحة والمتغيرات الكونية المستمرة ..
وفي الجانب الكردستاني : ما تزال الدول التي تقتسم لكردستان وللشعب الكردي (عدا العراق) تتبع سياسة شوفينية حيال القضية القومية لهذا الشعب ، في سعي منها لدحرها وإنهائها بشتى الوسائل ، بدءا بالتجويع والتهجير ومرورا بالمشاريع والقوانين العنصرية وملاحقة الحركة السياسية لهذا الشعب والزج بالمناضلين في غياهب السجون والمعتقلات وصولا إلى التعسف والقتل والتنكيل ..

إلا أن تلك السياسة الجائرة والانتهاكات السافرة لحقوقه كإنسان قبل أية اعتبارات أخرى وكل الممارسات الظالمة الأخرى لم تثن أو تحيد شعبنا عن مواصلة العمل والنضال من أجل رفع الغبن عن كاهله وفي سبيل حقوقه القومية العادلة، ليثبت حقيقة وجوده كشعب لا يمكن تجاهله ، وقضيته القومية كقضية وطنية ديمقراطية لا يمكن تجاوزها ، بل تقتضي حلولا ديمقراطية عاجلة، مما حدا بالنظام التركي إلى الميل نحو تناول جوانب شكلية منها ، في تهرب منه لحملها على محمل حل جذري ديمقراطي واضح ، ورغم ذلك فإن ما يجري في تركيا بهذا الخصوص هو لا يخرج في مجمله عن مجال التوجه الإيجابي ، لأن النظام التركي أدرى من غيره في هذا الشأن ، فهو يعلم يقينا أن قضية بهذا المستوى من الأهمية لاسيما وأنها قد اكتسبت أبعادها الدولية والوطنية والجماهيرية فلا بد لها من حلول حقيقية عاجلة أم آجلة ..
وفي الجانب الداخلي : فرغم ما تشهدها منطقتنا من تفاعلات سياسية حادة ورغم ما يحيط بالنظام من الضغوط والمضايقات ، إلا أنه لا يبالي بما يحصل ، ودون أي التفات للوضع الداخلي ومعاناته ، وما يقتضي من اهتمام في مواجهة ما يحيط به ، بل لازال مستمرا في احتكاره للسلطة والثروة ، فيما الفساد يتزايد بوتيرة عالية في دوائر الدولة ومؤسساتها ، والجماهير الوطنية بمعظم مكوناتها الاجتماعية تعاني من ضنك العيش نتيجة البطالة والفقر وتدني الأجور بالنسبة للعاملين لاسيما في زمن تزداد فيه باضطراد حاجات الإنسان ومستلزمات عيشه ، هذا إلى جانب القمع السياسي ومصادرة الحريات العامة ، وفرض الأحكام العرفية والمحاكم الاستثنائية ، وتسليط الأجهزة الأمنية على رقاب الناس وعلى مقدرات البلاد الأساسية ، وملاحقة نشطاء الحركة السياسية الوطنية بمختلف انتماءاتها القومية والدينية ، وكم الأفواه واعتقال المناضلين وفرض أشد الأحكام الجائرة بحقهم ، أما الشعب الكردي وعلاوة على كل ذلك فإنه يعاني المزيد من المراسيم والقوانين والقرارات العنصرية الصادرة بحقه ، وسد منافذ العمل والعيش في وجهه بغية تشتيته وهروبه إلى المهاجر والأمصار بحثا عن لقمة العيش والحياة الآمنة ..ورغم كل المآسي والمحن ، فإن الآمال ستظل تنتعش ، بفضل ما تمتلكها الجماهير العريضة ومعها القوى الوطنية الديمقراطية ومنظمات حقوق الإنسان ولجان ومؤسسات المجتمع المدني من القوى الكامنة التي تحتاج إلى التنظيم والتفاعل الوطني صوب أهدافها وأمانيها عبر مختلف أشكال النضال السياسي لضمان نقلة نوعية على طريق بناء دولة الحق والقانون وفق مبادئ العدل والمساواة وإشاعة الحريات الديمقراطية عامة ، والإفراج عن معتقلي الرأي والموقف السياسي ، وتحقيق حياة سياسية ديمقراطية تصون الحقوق وتفرض الواجبات ، وتكفل الحلول الناجعة لمختلف القضايا الوطنية وحل القضية القومية لشعبنا الكردي في إطار وحدة البلاد وبما يخدم تقدمها وتطورها ..
ختاما ، وبمناسبة حلول العام الجديد 2011هذا ، تتقدم هيئة تحرير آزادي بأسمى التهاني لأبناء شعبنا الكردي ومجتمعنا السوري كافة وكل معتقلي الرأي والموقف السياسي في سجون البلاد ، وفي المقدمة منهم مناضلي شعبنا ورفاق حزبنا : (مصطفى جمعة ومحمد سعدون وسعدون شيخو ومحمد سعيد العمر وعبد القدر سيدو وجهاد عبدو وصالح عبدو وحسين محمد ) وكذلك الإخوة : مشعل التمو وحسن صالح ومحمد مصطفى و معروف ملا أحمد ومحمود صفو ، و الأخوين : المحامي الشيخ هيثم المالح والمحامي مهند الحسني وغيرهم وغيرهم ..

مع تمنياتنا بالحرية للجميع ، وحياة ملؤها السعادة في غد أفضل ومستقبل واعد ..

وكل عام والجميع بألف خير ..

* جـريدة صـادرة عـن مـكـتب الثقـافـة والإعـلام المـركـزي لحــزب آزادي الكــردي في ســوريا – العددان (427-428) ت 2 ك1 2010-12-30

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية، وبالمشاركة مع أطفال العالم وجميع المدافعين عن حقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق الانسان، نحيي احتفال العالم بالذكرى السنوية الثلاثين لاتفاقية حقوق الطفل، التي تؤكد على الحقوق الأساسية للطفل في كل مكان وزمان. وقد نالت هذه الاتفاقية التصديق عليها في معظم أنحاء العالم، بعد أن أقرتها الجمعية…

نظام مير محمدي* عادةً ما تواجه الأنظمة الديكتاتورية في مراحلها الأخيرة سلسلةً من الأزمات المعقدة والمتنوعة. هذه الأزمات، الناجمة عن عقود من القمع والفساد المنهجي وسوء الإدارة الاقتصادية والعزلة الدولية، تؤدي إلى تفاقم المشكلات بدلاً من حلها. وكل قرارٍ يتخذ لحل مشكلة ما يؤدي إلى نشوء أزمات جديدة أو يزيد من حدة الأزمات القائمة. وهكذا يغرق النظام في دائرة…