إلى مَن لا يهمُّهُ الأمر (4) مطلوب رخصة فرح

غولدَم ميدي
 
 اتـّفقا على الدخول إلى عشّ الزوجيّة بصدرٍ رحب وقلبٍ شغوفٍ منشرح ٍ يملأ الأصقاع بهجة ً وسروراً، وقررا الانخراط معاً جنباً إلى جنب في معترك الحياة مجابهَين معمعة الواقع وعجيج عواقبها.


 وقاما سويّة ًباستسهال كل الصعاب متجاوزَين تكاليف الأعراف والعادات الاجتماعية المُنهـِكة التي تصعّب كل هيّن ٍوتعرقل ـ بشروطها ومتطلـّباتها ـ الزواجَ المثالي الذي يُبنى على أساس التوافق الفكري والانسجام الروحي اللذين هما العنصران الأساسيّان لنجاح أيّة حياةٍ زوجيّةٍ هانئة. 
ولكن قد كان لزاماً عليهما أن يحفرا على لحاء الزمن بصمة ًتتوّج تلك الشراكة السرمديّة بفرح ٍ (عرس ٍ) في إحدى الصالات المخصصة للأفراح في البلدة الوادعة ” ديرك ” ، وإن كان ذلك الفرح الظاهري الذي يشترك فيه الأهل والأقارب والأصحاب لا يفوق الفرح الباطني الذي يدغدغ شغاف قلبيهما اللذين ينضحان بالحب والوفاء العارمَين.
وهذه البصمة المتمثـلة بـ (العرس الطنّان) تتطلب من العريس ـ شاء أم أبى ـ  القيام بجملةٍ من الإجراءات الأمنيّة الرسميّة والارتجالية غير الرسميّة (وما أدراكَ ما تلك الإجراءات الأمنيّة).

فأمـّا الرسميّة منها، فخطواتها التي ينبغي على العريس إتباعها بالتفصيل هي كالتالي:

 1 ـ الخطوة الأولى: الحصول على ورقة ” رسم أعراس ” من نقابة الفنّانين وتسديد مبلغ (500 ل.س) لقاء ذلك!!
 2 ـ الخطوة الثانية:  تقديم طلب ـ ملصقاً بطابع مالي (10 ل.س) مُسعَّـر على هواهم بـ (100ل.س) ـ إلى مكتب نقابة الفنّانين بالقامشلي لفرع المنطقة الشرقيّة الواقع في إحدى المحلات التجاريّة في أسواق ديرك ويترأسه السيّد ( موسى إيليّا) ويبيّن العريس في الطلب
رغبته في إقامة حفل زفاف في إحدى صالات المنطقة ولمدّة يوم ٍ واحد متعهّداً فيها استعداده للتقيّد بكافة الكلبجات ( القوانين والأنظمة) النافذة!!
 3 ـ  الخطوة الثالثة: أخذ ذلك الطلب إلى مدير المنطقة الذي يمهره بتوقيعهِ مرسلاً إيّاه أي ( العريس) إلى قسم الأمن السياسي للنظر في طلبه وبيان الرأي فيه!!
4 ـ الخطوة الرابعة: الذهاب بالطلب ” ذاته ” إلى رئيس قسم الأمن السياسي بالمنطقة الذي يردُّ على طلب مدير المنطقة بالموافقة
(أصولاً)!!
5 ـ الخطوة الخامسة: العودة إلى مدير المنطقة للموافقة على الطلب بعد موافقة الأمن السياسي عليه، ثمّ إرسال “العريس” إلى رئيس مكتب الأمن الجنائي لبيان الرأي أيضاً والإعادة في الطلب المحظور!!
6 ـ الخطوة السادسة: يكتب العريس ” التعيس” تصريحاً لرئيس مكتب الأمن الجنائي بـ ” ديرك ” يتعهّد فيها بعدم إطلاق العيارات الناريّة أثناء الحفل والمحافظة على الأمن وعدم رفع مكبّرات الصوت وإنهاء الحفل قبل الساعة الثانية من بعد منتصف الليل وإعلامهم بوقوع أي طارئ عند حدوثه!! وبعد أخذِ القـَسَم الخطّي ( التعهّد الخطّي) منه يرسله رئيس مكتب الأمن الجنائي إلى مدير المنطقة مقترحاً عليه الموافقة على طلب العريس!!
7ـ الخطوة السابعة: يحصل المفجوع ” عفواً العريس ” أخيراً على موافقة مدير المنطقة النهائيّة باعثاً إيّاه مع الطلب الموافق عليه إلى مكتب الأمن الجنائي ثانية ً، طالباً منهم مراقبة الحفل والحرص على سلامة المحتفلين، وضمان استكمالهم لسعادتهم الموافق عليها ـ رسميّاً ـ وفق المقاييس المُـفصّلة لهم سلفاً وحسب الأصول!! وأمّا غير الرسميّة، فبلا خطوات ولا تعهّدات خطيّة وهي:
1 ـ تكريم العريس (وعلى حسابه الخاص) لعددٍ من أفراد مكتب الأمن الجنائي بوجبة عشاء دسمة في الصالة نفسها تقديراً لجهودهم وحرصهم على سلامة المحتفلين واستتباب الأمن في الصالة وضمان استقرار الطعام المقدّد في بطونهم النَهـِمة!!
2 ـ إرغام مُحيي الحفل على أن يُغنّي عدداً من الأغاني العربيّة المبتذلة للمطرب الهابط (علي الديك) أو مَن شابهه، إلى جانب الأغاني المغنّاة ـ وفق الحفلات الكرديّة المعتادة ـ باللغة الكرديّة.

ومن هذه الأغاني: (سمرا وأنا الحاصودة، يا أم الشعر الخرنوبي، مسعد يا زغلول…) وغيرها من الأغاني التي تبعث النفس على التقيّؤ، ولكنّها تـُطربُ عنصر الأمن الجنائي المراقب لحيثيات الحفل وكيفيّاته!!!
يُرغم محيي الحفل على ذلك حتى تبدو أجواء الحفل مثل فسيفساءٍ زاهٍ يعبّر عن اللغات المتعددة للوطن الفسيفسائي المترامي الأبعاد،  وإن لم يتقن محيي الحفل تلك الأغاني، فلا بدّ من الإتيان بمن يتقنها ويجيدها ويغنّيها (شاء أصحاب الحفل أم أبوا).


وهكذا يكون الحفل بمحتفليه قد استوفى كلّ الأوامر(الشروط) المطلوبة!!!
ـ لماذا يُرغم الإنسان على التعبير عن فرحه وفق قالبٍ مُعدّ له مُسبقاً أو قانون ٍ استثنائيٍّ ما أنزل الله به من سلطان؟؟
ـ أين نحن من دولةٍ تنادي بالديمقراطيّة وحريّة الشعب بكل أطيافه، ولكنّها تفرضُ عليها ـ في الوقت ذاته ـ نموذجاً خاصاً يعبّر فيها المواطن عن سعادته بطرق زبانيتها الخاصّة؟؟
ـ أين نحن من دولةٍ تزأر في المؤتمرات الدولية ( في أكثر من مناسبة) مدافعة ًعن حقوق الإنسان وحق الشعوب والأقليّات في التعبير عن شعائرها وحرّيتها في إتباع أعيادها ومناسباتها واحتفالاتها الخاصة بشكلٍ مشروع ؟؟!!
ـ هل سيدوم الحال بنا طويلاً هكذا أم ننتظر إعصارات تسوناميّة أو زلازل كاثرينيّة حتى تـُعيد ( بتخريبها) بناء ما أفسده المفسدون؟؟!!
ـ هل سينسى كل عريس ٍ واقع ٍ في شباك تلك الإجراءات التعسّفيّة كلَّ ذاك الإجهاد الذي سبق يوم زفافه إذا ما التقى بعروسه فيما بعد أم أنّها ستبقى خالدة أبداً ـ كغيرها من الإجراءات ـ  في ذاكرته الكرديّة الدامية ؟؟!!
ما أتعسَ هذا الإنسان الذي خُـلِقَ اسمه من النسيان وما أشقاه!!!

 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…