خطابنا العنصري

د.

علاء الدين جنكو

لكن قائدك ضياء العقل لا لهيب العواطف، ونور البصيرة لا دخان المشاعر، هذا حقي في عنق من أراد متابعة مقالتي هذه …

لقد عانا شعبنا الكردي في العالم بأكمله مرارة التعصب والخطابات العنصرية منذ أن وعيت، وقد عاشرت أشد المآسي قساوة وهي تنهش في جسد أمتي الكردية التي نال منها القريب والغريب الصديق والعدو، وربما يكون الشعب الوحيد الذي ظلمته القوى الظالمة وأحياناً المظلومة على مدار التاريخ !!
وصل بنا الحال إلى حدٍ لم يعد أحد يفهمنا ولا يفهم قضيتنا حتى أقرب الناس إلينا في الدين والعقيدة نالوا منا عندما شبهونا باليهود وهم يرون بأم أعينهم كيف نركع ونسجد معهم في صف واحد خلف إمام واحد !!
نعم عايشت ذلك كله، وذقت مرارة ذلك مع الملايين من أمثالي، حاولت كغيري – بجهد المقل – أن أصارع هذا الفكر وأتصدى له بكل ما أتيت من تربية والدي، وما تعلمته من معين الشريعة الإسلامية الغراء، سواء بالمقابلات المباشرة أو عبر المقالات في الصحافتين العربية والكردية .
وتمر الأيام والسنون وتتغير الأحوال والظروف الدولية المحيطة بنا في الشرق والغرب وتنقلب الموازين في أكثر الأماكن التي يعيش فيها الكرد .
وعلى مدار فترة الصراع المحتدم بين الكرد وغيرهم قبل هذه التغيرات كان الخطاب الكردي يوصف بالاتزان والوسطية واستطاع بذلك أن يستحوذ على قلوب وأفكار الكثيرين من الكتاب والمثقفين، وخاصة من الإخوة المجاورين لنا من العرب والأتراك والفرس المعنيين لنا بالدرجة الأولى، وظهرت مع شدة المضايقات وقساوتها شخصيات استطاعت أن تؤازر نفوسنا المنكسرة وقلوبنا الجريحة أنذاك .
على أن الخطاب تغير بتغير الوضع وخاصة بعد أن شاءت الأقدار أن تحسن من الوضع الكردي في كردستان العراق والانفتاح التركي على القضية الكردية .
لاحظت – كغيري أيضاً – تصاعد نبرة الخطاب العنصري بشدة مرة أخرى، لكن هذه المرة ليس من جانب خصومنا ومن يقابلنا وإنما من جانبنا نحن !!
ولا أقصد أبداً بالخطاب العنصري رفع سقف المطالب القومية فذلك حق لا يستطيع أحد مصادرتها منا كائناً من كان، على أن محادثة الآخرين من قبلنا باتت أشبه ما يكون بجائع حرم من الأكل وعندما شبع أخوه أصبح يشتم كل شبعان وجائع على حد سواء !!
المظلوم لا يكون ظالماً، هذا مبدأ تعشعش في فكري وحفر في قلبي، ومن ذاق مرارة الفقر عليه أن لا يبصق في وجه غيره عند غناه .
ارتفعت نبرة الخطابات العنصرية في مجالسنا العادية كما في مواقعنا الخاصة وفي ساحاتنا الثقافية وبعض مياديننا السياسية .
وصف العرب من قبلنا بأوصاف تميز بها الشوفينوين العرب، والتشفي بما يصبهم من مصائب رداً على بعض متعصبيهم أصحاب التصرفات الهوجاء ليس من أخلاق وقيم الكردي الذي رفع رأسه من تحت فؤوس الظلم ومطارق الإستعباد .
ليس هذا فحسب، بل نلنا من بعض الكتاب والمثقفين والعلماء الذي قاموا في بعض محطات حياتهم بالدفاع عن القضية الكردية بسبب موقف يتخذونه ضد خصومهم، ولم تكن تلك المواقف منا مباشرة .
فإذا ما ظهر كاتب عربي كان سابقاً يدافع عن القضية الكردية فنال وانتقد بول بريمر أو الحكومة الأمريكية على تصرفها في العراق مثلاً حتى انهالت عليه الشتائم والأوصاف غير اللائقة من بعض كتابنا كمحامين ومدافعين عن الشيطان !!
وكأن المعادلة تقول : كل من أنكر إحتلال العراق هو صدامي !! وكل من طالب برحيل الأمريكان هو عدو للأكراد !! 
نسينا بأن الفكر القومي الضيق الذي قادنا إلى هذه المعادلات هي التي أججت نار العنصرية في قلوب المتعصبين من العروبيين والطورانين والفارسيين .
ازدواجية المعايير طغت على الكثيرين منا ، وأذكر مثلاً عندما قذف الزبيدي جورج بوش بنعله انبرى الكثير منا في إدانة ذلك التصرف – وكنت منهم – على أن ذلك ليس بسلوك حضاري، ولكن عندما قذف الشاب الكردي نعله على أردوغان أثناء زيارته إلى أسبانيا قام بعض الكتاب الذين أنكروا على الزبيدي تصرفه وعاتبوا الشاب الكردي لأنه اكتفى برمي حذاء واحد إذ كان عليه رمي الحذائين !!
ورفع الخطابات السياسية قفزاً على مطالب الحركة الكردية السياسية نوع من التملق والتفكير السطحي، وهذا ما نجده عند الكثيرين من كتابنا مثلاً عندما يرمون بشعارات لا يولونها بالاً ربما تتسبب في حصد أرواح الشباب باستثارة مشاعرهم، وكتابها لا يتبرعون بليرة واحدة إذا ما احتاج ضحايا كتاباتهم إلى مساعداتهم .
أعود إلى الخطاب العنصري داخلياً
أين التركيز على تنفيذ البرامج السياسية من أحزابنا ولماذا هذا التحول من العمل القومي والنوير للفكر الوطني إلى الكلام السلبي المتبادل وهو يحمل في طياته نيران الشتائم والاتهامات وتصفية الحسابات الشخصية والنهش والتقسيم في الجسم الكردي إلى أجزاء ومنها إلى أجزاء أخرى حتى أصبحنا كالقنابل الإنشطارية !!
الموقف السلبي هو الذي يدان والفكر والخطاب العنصري هو الذي يواجه بالفكر النير المعتدل والمتوازن !!
والأساليب الحضارية في إيصال صوت الحق إلى الغير أقوى وأبلغ لمن لا يمكلك السند والظهر في هذا العالم، صوت القلم أقوى من قعقعة السيوف في زمن اللاسيوف .
ولا أدري سبب غياب بعض كتابنا الكبار أصحاب الأقلام الناطقة باعتدال كالأستاذ إبراهيم محمود، والأستاذ توفيق عبد المجيد، والأستاذ عبد الباسط سيدا وغيرهم من الإخوة الإجلاء ؟  مع احترامي للجميع .
كل زمان له ظروفه، وكل مكان له وضعه المناسب له، الكلام الثقيل والشعار البالوني لا يخرج من أفواه العقلاء، نحن نعيش في دول من حقنا مطالبتها بالعدالة وبحقوقنا القومية التي تساوينا بغيرنا، ولكن علينا أن نعلم أننا في أوطان هي أوطاننا ورويناها بدمائنا وأعلامها رموزنا وشعوبها أهلنا وأقاربنا وقد استحوذت على عواطفنا ومشاعرنا لا نتنازل عنها بصفتنا الكردية .
وأذكر في ختام مقالتي هذه بمقولة للمام جلال الطالباني رئيس الجمهورية العراقية قالها في أوج مظالم صدام حسين على الشعب الكردي عندما رد على الصحفيين : أنا أمشي برجلين ، رجل عراقية ورجل كردية .

وانا أمشي برجلين سورية وكردية ، فكيف أتنازل عن إحدى رجلي إرضاء لمن يريد قطعها ؟!!

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…