المكتب الثقافي لحزب يكيتي الكردي في سوريا
مقدمة: أقر المؤتمر السادس لحزب يكيتي الكردي في سوريا تشكيل مكاتب اختصاصية ومنها المكتب الثقافي الذي يتكون من مثقفين حزبيين ومستقلين بإشراف عضو من اللجنة السياسية للحزب.
لماذا إعادة صياغة العقل السياسي الكردي :تبين التجربة البشرية عبر التاريخ, أن كل تغيير حدث في الواقع, سبقه تغيّر في الواقع المعرفي للجماعة, وعلم النفس يؤكد أن هناك علاقة وطيدة بين السلوك ونظرة الفرد إلى ذاته وإلى العالم, وأن تغيير أحدهما ( سلوك / نظرة ) يؤدي إلى تغيير الآخر, فإذا كنا بصدد تغيير الواقع السياسي, لا بد لنا من تغيير السلوك السياسي للجماعة, وهذا يستدعي بالضرورة تغيير العقل السياسي, والعكس بالعكس .
بهذا المعنى نحن نقف وجهاً لوجه أمام مهمة صعبة وخطيرة في آن, هي مهمة التغيير الشامل, حيث لا تغيير للسلوك بدون تغيير العقل, ولا تغيير للعقل بدون تغيير السلوك, في الوقت الذي نعلم أن سياسات الاستبداد والقهر التي اتبعت مع شعبنا ولا زالت, كرست وتكرس تردياً خطيراً, للواقع الاجتماعي الكردي سلوكاً ومعرفةً, لدرجة تشكلت بسبب هذا التردي عطالة ذاتية داخل المجتمع الكردي, تعيق أية جهود لتنمية اجتماعية محتملة (فيما لو كانت هناك جهود للتنمية) لدرجة الاستعصاء على التقدم .
ثورة معرفية :إن واقعا كهذا لا يمكن أن يتغير عبر ديناميات التطور الطبيعية, فلا بد من عمل غير عادي لاختراق أسوار الصد والاستعصاء, التي تحول بين مجتمعنا وإمكانية التنمية والتقدم.
بالمعنى الدارج للكلمة نحن بحاجة إلى ثورة لتغيير الواقعين الموضوعي والمعرفي للشعب الكردي .
لكن السؤال هو : أية ثورة هي المطلوبة ؟! هناك ثورات صناعية تكنولوجية, وأخرى مسلحة, وثورة معلوماتية .
في الحقيقة كل هذه الثورات تؤدي إلى تغيير الواقع والمعرفة, ولكن ليس بالضرورة أن يكون التغيير نحو الأفضل والأحسن, فقد حدثت انتكاسات كثيرة عبر التاريخ البشري بسبب الخيارات غير الموفقة .
لإقرار احد الخيارات لابد من الإحاطة معرفياً وعقلياً بالموضوع, فأحد أهم شروط الاختيار هو المعرفة بالمختار .
في الحقيقة نحن بحاجة إلى إحداث ثورة معرفية تعادل في وزنها وحجمها, وزن وحجم التردي في الواقع الكردي .
هي مسؤولية النخب الثقافية : لم يسبق أن فجر بسطاء الناس ثورات مؤثرة في التاريخ, وما يحكى عن ثورات العبيد والعمال وغيرهم فجرها في الحقيقة أبطال باسمهم ولمصلحتهم, فسبارتاكوس الذي قاد ثورة العبيد في مواجهة الإمبراطورية الرومانية, كان بطلاً عاشقاً للحرية مناضلاً من أجلها, قاده عشقه إلى قيادة العبيد نشداناً لحريته وحريتهم والثورات البروليتارية التي هزت عروش العالم قرناً من الزمان, قادها مفكرون, فلاسفة, وقانونيون, وعلماء اجتماع, والثورة الصناعية أنجزها صنا عيون مبدعون, هكذا هي كل الثورات أعمال غير عادية حققها أناس غير عاديين, آخرها الثورة المعلوماتية التي تطلبت تكنولوجيا متقدمة, ومعرفة واسعة, ووفرة اقتصادية عالمية .
إن الثورة التي يحتاجها شعبنا الكردي ليخرج من كبوته التاريخية, ويغير واقعه السياسي, عليها أن توفر لإنساننا أدوات التعاطي مع الواقع العالمي المتجدد, هي بالتأكيد أدوات معرفية قادرة على استيعاب معطيات الحضارة الحديثة بمعنى أننا بحاجة إلى تحديث شامل يطال كل جوانب الحياة (عقائدية – ثقافية – منهجية عقلية ……الخ) ولكن السؤال الأهم هو : من هم أولئك الذين يمكنهم القيام بهذا العمل العظيم ؟! ما هي الصفات التي يجب توافرها فيهم ؟! ما هي القيم التي يجب أن يحملوها ويحموها ؟! ما هي الأسئلة الملحة التي عليهم إثارتها, والإجابة عليها ؟! بصيغة أخرى .
من هو ذاك الذي يمكن أن يسمى مثقفاً كردياً ؟! .
إن صياغة الأسئلة الحقيقية لا تقل أهمية إن لم تكن أكثر أهمية من البحث عن أجوبة حقيقية, فصياغتها تتطلب دراية حقيقية بأبعاد المشكلة وإحاطة شاملة بجوانبها, وقراءة حقيقية للواقع تتجاوز حدود التفاعل السلبي مع المعطيات, والتشكي المستمر من السلبيات (كما هو حال المثقف الكردي) والمتفاقمة ليس بسبب سوء الواقع فحسب, بل وبسبب خمول وسلبية المثقف الكردي وتعاليه على المعاناة والألم الكرديين, والانغماس في ذاتية مفرطة, إلى حد التهرب من المسؤوليات التاريخية الملقاة على عاتقه, وتحوله إلى سوط إضافيّ من سياط جلد الجسد الكردي المنهك.
إن أولى المهمات التي تنتظر الإنجاز, هي تحديد الصفات التي يجب أن تتوفر في المثقف, كي يعتبر مثقفاً كردياً, فهل كل من كتب قصيدة أو قصة – رغم أهمية الأدب – يمكن اعتباره مثقفاً كردياً ؟ وهل كل من غنى أغنية حماسية – رغم أهمية الفن – يحق له أن ينصب نفسه قائداً ولسان حال الأمة ؟ أم أن هناك شروطاً يجب أن يحققها من يرغب الانتساب إلى المحفل الثقافي الكردي ؟ .
إن المثقف الحقيقي هو ذاك المفكر القادر على تغيير شروط وجوده, ومن ثم تغيير شروط وجود الأمة, من خلال الكشف عن مفاتيح التغيير المتاحة, وامتلاك وإنتاج القيم الأخلاقية , التي ترفع من شأن الجماعة وتزويد المجتمع بالمعرفة اللازمة لإعادة إنتاج ذاته وتحديثه, بما يتلاءم وضرورات التقدم والتحضر ومواكبة العصر, والإسهام الحقيقي في تحديد الأولويات, فالمجتمع الذي لا يمتلك القدرة على تحديد أولوياته, هو مجتمع تائه عن أهدافه وعما يريد, وبالتالي يفتقر إلى مقومات التقدم والازدهار والتحرر .
علينا أن نتحقق من أولوياتنا وما نريد, ومن الأهداف المرحلية والبعيدة التي نرغب في تحقيقها, ومدى ملاءمتها للظروف الزمانية والمكانية التي نعمل داخلها, وما هي الأدوات المتاحة استخدامها لتحقيق تلكم الأهداف .
لأجل تحديد الأهداف لا بد من معرفة المركز الذي تشغله الذات ضمن شبكة العلاقات المتقاطعة مع الذوات الأخرى, ودرجة التوافق و التعارض معها, ومركز الثقل الذي تتمحور حوله كل علاقة, والاتجاهات المحتملة لتحرك كل مركز ثقل, ومعرفة فيما إذا كنا نقف في المكان الصحيح أم لا, وفيما إذا كان الآخر يقف في موقعه أم أنه انزاح إلى موقع آخر, وما هي الإجراءات المطلوبة لتقويم انزياحنا وتعويض انزياح الآخر.
في هذا المقام يمكننا أن نضرب مثلاً, من موقف المواطن السوري غير الكردي الذي يقف في أحسن الأحوال موقف المتفرج غير المبالي من القضية الكردية, والذي من المرجح أن مصلحته الحقيقية تكمن في حل القضية الكردية حلاً ديمقراطياً, وليس في استمرار المعاناة (هذا بحاجة إلى إثبات أو نفي منطقي, وهي مهمة المثقف الكردي الحقيقي ) إذا صح ما توقعناه للتو فإن المواطن السوري يقف في غير موقعه .
إذاً ما هي الإجراءات المطلوبة ؟ إن ما توقعناه لتونا قد يكون وهماً, تسببت به رغبتنا في تحميل غيرنا عبء مسؤوليتنا, فتكون أذهاننا مخدوعة برغباتنا, مما يضعنا أمام سؤال الذات, فيما إذا كنا نقف الموقف الصحيح من قضيتنا .
وبالعودة إلى الخطاب الكردي, نجده خطاب استجداء واستعطاف باعتباره يتوجه إلى الوجدان والعواطف لا إلى العقول, يقوم على دفع التهمة عن الذات ومحاولة إثبات مظلوميتها في حين أن السياسة لا تمارس بالعواطف بل بالعقل الرصين, وعلى الخطاب السياسي أن يتوجه إلى العقول موضحاً المنافع التي يمكن أن يجنيها الآخر فيما لو وافق طرحنا, والخسائر التي يمكن أن يتكبدها في حال المخالفة, وهذا يتطلب منا تفهم قضيتنا بعقولنا لا بعواطفنا .
على المثقف الكردي أن يعمل على إعادة صياغة الخطاب الكردي بشكل منطقي, وبما يحقق اصطفاف الآخر إلى جانب قضيته, والآخر سوف لن يقف ذاك الموقف إن لم يجد فيه خيراً يحققه لنفسه, في هذه الحافة تكمن الحاجة لظهور العبقرية التي يمكنها وحدها أن تعلن ثورة على الواقع ..
في هذا المنعطف تسقط كل المبررات التي يرددها المثقفون (أو مدعوها) حول إقصاء دورهم, وعدم الاكتراث بهم, لأن المثقف الحقيقي هو الذي يكترث بالآخرين, وهو الذي عليه أن يستنطق الواقع ويجيب على الأسئلة المطروحة, وعلى تلك التي عليه أن يثيرها, وإذا كان لا يمتلك أجوبة على الأسئلة المثارة, أو إثارة أسئلة واجبة الإثارة, أو أنه لا يكترث بها أصلاً , فعن أي دور تم إقصاؤه ؟ هل أقصي عن الثقافة ؟ .
إن المثقف الحقيقي هو الذي لا يمكن إقصاؤه, باعتباره هو الذي يقوم بصياغة ذاته, والتأثير في واقعه وواقع غيره .
المكتب الثقافي لحزب يكيتي الكردي في سوريا