زعماء الكرد, ملكيون أكثر من الملك

  عباس عباس

كثيراً ماتحدثت في كتاباتي مؤخراً عن طيبة القلب الكردي, ومدى معرفة الأعداء قبل الأصدقاء بهذه الصفة, ودرجة إستغلالهم لتلك الصفة التي أصبحت ذماً ووبالاً قبل أن تكون مدحا.
الكردي فارس بطبعه, كريم بخلقه, يسمو بنفسه عن الإنتقام, مسامح لعدوه عندما يتمكن منه, وكل هذه الصفات, لاتعبر إلا على أن الإنسان الكردي متحضر ومشبعٌ بالرقي المتوارث عبر الأجيال, حتى وإن كان مايزال يعيش في الكهف ولم يدخل في حياته باباً للتعليم.

لكي أعطي مثالاَ حياً, لابد لنا أن نذهب إلى حيث الحرية, حيث الأبواب مشرعة للإنتقام من العدو, حيث القوة الكافية لمحاسبة كل مسئ , بل لمحاسبة كل مجرم يده ملطخة بدم الأكراد , وأقصد الأقليم الكردي المحرر, وإن مازلت أعتبره نصف محرر.
كركوك المدينة التي سماها الزعيم الراحل البرزاني مصطفى بقلب كردستان, وأفنى عمره في سبيل أن تكون ضمن الحكم الذاتي الذي قدمها له وعلى طول الطريق , كل حكام العراق , وإستمر من أجل تلك المدينة في القتال وهو يعلم علم اليقين خطورة ما أقدم عليه, خاصة بعد إتفاقية جزائر المشؤومة .
ماحصل بعد ذلك, وأقصد بعد دخول الأمريكان العراق, أمر يدعوا للعجب, بل يدفعني أن أكره القلب الكردي الموصوف بالطيبه, خاصة في المدينة تلك ,قلب كردستان .
العرب مهجرون إليها بأمر من صدام وقياداته, بعد أن هجٍّر من هجٍّر وقتل من قتل من الكرد, والتركمان وعلى الأغلب الأكثرية, ساندوا سياسة الترك على الجار الكردي ومازالوا يساندون , مع كل هذا نجد في وقفة متأملة , أن الزعامة الكردية وبشكل خاص الأخ مسعود البرزاني, لعب دور الراهب الكردي بأعلى نبله , حين تدخل في الحد من إعادت المهجرين الكرد وطرد العرب ومحاسبة التركمان المساندين للجيش التركي, طبعاً قد يكون محل حسد لكونه يمثل قمة النبل, ولكن الخطأ كان خطئاً تاريخاً يدفع الكرد ثمنه الآن ويبقى القانون رقم 140 معلقاً بين رافض لبعض بنوده وبين غير معترف به كلياً .
لو أن الآية تغيرت وتمكن العرب مع التركمان من الكرد ثانية, لعلكم تتوقعون العاقبة بدون أن أطرحها الآن , مع ذلك أقول وأنا بكامل ثقتي, أنهم سوف لن يكونوا أرحم من صدام على الكرد .
تصرف السيد جلال الطالباني خلال حكمه كرئيس لدولة العراق بما يملي عليه واجبه كرئيس, حاول المستحيل أن يجمع المتنافرين من كل الأطياف السياسية والمذاهب الدينية على طاولة إفطار واحدة, ومن أجل إتمام ذلك تنازل أو تناسى أن يبقى الثائر المضحي من أجل قومه, وترك الكثير من العلل معلقة بدون أن تحل وأولها قضية كركوك .
 طرح البرزاني مسعود مبادرته في حل قضية العرب العراقيين المتخاصمين من أجل كرسي الرئاسة, واشار عليهم الإجتماع لديه في أربيل, وهو يعلم يقيناً أن الله وحده يتكفل بأهل العراق, أو كما ذكرهم اليوسف الثقفي بأهل الشقاق , مع ذلك غامر والنتيجة معلومة للجميع .

لِما كل هذا اللعي, ماذا أقصد به ؟ الحقيقة أن الأيام أثبتت مع العقرب إبراهيم الجعفري, أن وحدتهم وتمكنهم في حكم العراق, يعني إضعاف الأقليم والتحكم بسسبل سياسته الإقتصادية والأمنية, وهذا لا يمكن أن يكونا كل من السيد جلال الطالباني والسيد مسعود البرزواني بجاهلين عنه , ولكن كما قلت طيبة قلب الكردي , تجعله ملكياً أكثر من الملك .

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

أزاد خليل* على مدى عقود من حكم آل الأسد، عاشت سوريا غيابًا تامًا لعقد اجتماعي حقيقي يعبر عن إرادة شعبها، ويؤسس لنظام حكم ينسجم مع تنوعها الثقافي والعرقي والديني. كان النظام قائمًا على قبضة أمنية محكمة وممارسات استبدادية استباحت مؤسسات الدولة لخدمة مصالح ضيقة. واليوم، مع نهاية هذه المرحلة السوداء من تاريخ سوريا، تبرز الحاجة إلى التفكير في نظام…

د. محمود عباس أحيي الإخوة الكورد الذين يواجهون الأصوات العروبية والتركية عبر القنوات العربية المتعددة وفي الجلسات الحوارية، سواءً على صفحات التواصل الاجتماعي أو في الصالات الثقافية، ويُسكتون الأصوات التي تنكر الحقوق القومية للكورد من جهة، أو تلك التي تدّعي زورًا المطالبة بالمساواة والوطنية من جهة أخرى، متخفية خلف قناع النفاق. وأثمن قدرتهم على هدم ادعاءات المتلاعبين بالمفاهيم، التي تهدف…

إبراهيم اليوسف منذ بدايات تأسيس سوريا، غدا الكرد والعرب شركاء في الوطن، الدين، والثقافة، رغم أن الكرد من الشعوب العريقة التي يدين أبناؤها بديانات متعددة، آخرها الإسلام، وذلك بعد أن ابتلعت الخريطة الجديدة جزءاً من كردستان، بموجب مخطط سايكس بيكو، وأسسوا معًا نسيجًا اجتماعيًا غنيًا بالتنوع، كامتداد . في سوريا، لعب الكرد دورًا محوريًا في بناء الدولة الحديثة،…

فرحان كلش طبيعياً في الأزمات الكبرى تشهد المجتمعات اختلالات عميقة في بناها السياسية والفكرية، ونحن الآن في الوضع السوري نعيش جملة أزمات متداخلة، منها غياب هوية الدولة السورية وانقسام المجتمع إلى كتل بطوابع متباينة، هذا اللاوضوح في المشهد يرافقه فقدان النخبة المثقفة الوضوح في خطوط تفكيرها، وكذا السياسي يشهد اضطراباً في خياراته لمواجهة غموضية الواقع وتداخل الأحداث وتسارعها غير المدرك…