دهام حسن
غالبا ما ترد في أدبيات الأحزاب، مادة من النظام الداخلي تشجب وتدين التكتل والانشقاقات، لكن دون توضيح وإفصاح عن ماهية هذه الانشقاقات، أسبابها، دوافعها، الجهة المسببة لها، أو المستفيدة منها، وبالتالي السؤال الوجيه والمحوري، لماذا هذه الانشقاقات، ما أسبابها، ومن هم المسببون؟
غالبا ما ترد في أدبيات الأحزاب، مادة من النظام الداخلي تشجب وتدين التكتل والانشقاقات، لكن دون توضيح وإفصاح عن ماهية هذه الانشقاقات، أسبابها، دوافعها، الجهة المسببة لها، أو المستفيدة منها، وبالتالي السؤال الوجيه والمحوري، لماذا هذه الانشقاقات، ما أسبابها، ومن هم المسببون؟
طبعا ليس النظام الداخلي ذلك الكتيب الصغير بالمرجع المناسب لتحميله الأسباب، أو توضيح كل هذا فيه، لكن الحياة الداخلية لأي حزب هو الذي يستشف منه بعض من هذه الأسباب، فلابد أن تكون الأمور فيها واضحة، من حيث الممارسة والعمل الحزبي، فالحياة الداخلية لأي حزب قد تضيـّـق شق الخلاف، أو ربما توسعه، وهذا كما قلنا يعود إلى طبيعة العلاقات داخل التنظيم الحزبي، ودرجة الوعي لدى الفرد، والخلفية الثقافية، والانتماء الاجتماعي وتأثير البيئة الاجتماعية المحيطة به، وأيضا الحالة الوطنية التي تظلل الفرد..
نقول بداية أنه لا يمكن لأي غيور إلا أن يتألم لأي انشقاق يقع في حزبه، لكن الموقف لا يكون بهذه الرؤية العاطفية وبهذه العجالة من الحكم والإدانة، علينا بداية أن نعمّـق النظرة في المسألة لفهمها واستيعابها، والوقوف إلى أسباب الخلافات في الأحزاب، ومعرفة شكل العلاقات بين الأعضاء، وبالتالي الخلوص إلى إصدار حكم ما، حتى يأتي الحكم برؤية أكثر صوابا ومنصفا، وأقرب إلى الحقيقة..!
علينا أن نعلم ونتساءل أولا: هل الحزب الذي جرى فيه الانشقاق، كان ذلك لأسباب فكرية، أم لأسباب تنظيمية، أم ثمّة أسباب أخرى..وما هي تلك الأسباب.؟ وهل كان بالإمكان تلافي الانقسام أو الانشقاق..
إن الحزب الذي يعيش ممارسة طبيعية في حياته الداخلية يمكن أن يتجاوز الانقسام إذا ما حسنت النوايا، ولم يضمر القادر المتنفذ في نفسه خفايا أخرى، كضرب بعض المواقع حفاظا على موقعه، وتكريسا لمنصبه (السامي) ثمّة متنفذون قادرون على التجاوزات ولي عنق التنظيم كيفما شاؤوا..؟
ما نلمسه اليوم هو غياب الانتقاد الداخلي، إلا اللهمّ إذا جاء الانتقاد من عضو جريء، لكن على ألا يتعدّى نطاق إفشائها حدود خليته الحزبية الضيقة، هكذا تكون الحال في الأحزاب الشمولية إن صح التصنيف، دون ريب أسئلة كثيرة سوف تراودنا كهواجس، وتشغلنا عند تناولنا للموضوع..
حقيقة إن تناول هكذا موضوع ليس من السهولة البت فيه لتداخل الأسباب، وكوني عايشت وعاينت انقسام الحركة الشيوعية في سوريا، وأيضا عاصرت انقسام الحركة السياسية الكوردية في سوريا، وكان دوما سبب الانقسام في الحركتين لأسباب ذاتية بالدرجة الأولى، فحتى لو وجدتْ أسباب موضوعية أخرى، كلونيات يمينية أو يسارية، في هذا الحزب أو ذاك، أو ضغط العقلية القومية، بنفس برجوازي صغير، أو تدخل ما في شأنه، كان بالإمكان الحيلولة دون انقسام الحزب مع أخذ ذلك التباعد والتنافر بالحسبان، وإمكانية تعايش تلك اللونيات حتى ضمن إطار تنظيمي واحد، هذا في حال تمتع الحزب بنظام داخلي ديمقراطي متطور، ويعيش الحزب حياة داخلية وتنظيمية طبيعية، يوفر لكافة الأفراد حرية الانتقاد حتى خارج الأطر التنظيمية، في صحافة الحزب مثلا..
هل كان ذلك ممكنا طبعا لا..! لماذا.؟ لأن العقلية السائدة كانت قادرة على التحكم وسوء التصرف، وبالتالي من مصلحتها ألا تجيز ذلك، أيضا لا بد من قناعة حزبية راسخة لدى المنتسب لهذا التنظيم أو ذاك، فدون قناعة سرعان ما يهاجر العضو هذا الحزب دونما أسف، طالما جاء انتسابه بغاية المصلحة الذاتية الضيقة، أو مصلحة شخصية، كفائدة مادية، أو مثلا درءا لظلم قد يقع عليه، فيريد بالتالي أن يتفاداه..
كان عدد الشيوعيين في روسيا وحدها اثني عشر مليونا من الأعضاء فأين هم الآن.؟ أين تبخروا لو كانت لديهم قناعات بهذا الانتساب .؟ لمَ لم يتم احترام النظام الداخلي للحزب.؟ فأي نظام داخلي يبقى حبرا على ورق إذا لم يتوفر له الكادر الجيد، أما الكادر الانتهازي فيتلون بألف لون ولون، فهو اليوم معك، وغدا ضدك، ومع ذلك فسوق الانتهازي – اليوم – أكثر رواجا، لتزلفه إلى القيادة، ويبقى عينا على رفاقه، ثم لم نشهد أي تغيير في القائد الأول أو الأمين العام في الاتحاد السوفييتي ما عدا خروتشوف، حتى يأتيهم الأجل من السماء، أحد القادة البارزين بقي أمينا عاما للحزب ما يقرب من ستة عقود، وهنا في الحركة الكوردية نفس المصيبة تمتد بهم العقود تلو العقود دون نهاية سوى الموت، وإن حاول بعضهم ترسيم وترسيخ سنة جديدة في القيادة، يبقى التهجم على هؤلاء ربما أكثر من سواهم، أتمنى ترسيخ هذه السنة في سائر الأحزاب لكن ربما بصيغ يتفق حولها المحاورون..
هناك قول لأحد المفكرين لا يحضرني اسمه ما معناه، القادة الكبار كارثة على شعوبهم..
ماذا نستشف من هذا القول، ليس سوى التنبه لدور الأشخاص دون تعظيمهم فوق قدراتهم، ففي هذه الحالة ندفعهم نحو الطغيان والاستبداد، لهذا من الأهمية والضرورة إحياء دور المؤسسات الحزبية، وإيلائها الأهمية القصوى، ونبذ عبادة الفرد، أو تضخيمه، وإعطائه أهمية فوق طاقاته، وتقديسه وتقديمه على المؤسسات الحزبية..
الحركة السياسية الكوردية في سوريا تفرّخت عن حزب واحد شهد النور في صيف عام 1957 تفرّخت عنه بضعة عشر حزبا، فهل هذه حالة صحية سوية.! وما هي الخلافات التي سببتْ كل ذلك، وبالتالي من يتحمل مسؤولية هذا التشظي والتشرذم، طبعا القيادات بالدرجة الأولى، فضلا عن هذا الوسط الاجتماعي، وهذا التفاعل العاطفي البدائي، وأحيانا القطيعي، أتمنى في بعض الأحزاب أن يتجرأ بعض الأعضاء في مناقشة السكرتير الأول في مسألة جوهرية، مثلا في مسألة تنظيمية تتعلق بحياة الحزب الداخلية، كالمسالة المالية، أو الاستفسار عن موقف ينافي برنامج الحزب وخطة نضاله..
بالمقابل أتمنى أن ألتقي هنا بقائد مخلص، صافي الرؤية، نقي السريرة يسعى للملمة شمل الحركة، لا أن يكون عرّابا للانقسامات، محرضا بعضهم ضد بعض، أتمنى أن ألتقي بقائد في الحركة الكوردية يسعى لجذب العناصر النظيفة والكفوءة إلى جانبه في قيادة الحزب، لا أن يأتي ببيادق ودمى لا حول لها ولا قوة، القائد القوي هو القوي بحزبه، وليس بشخصه، أو بعائلته، أو بعشيرته، رغم ما يتصف بعض الأشخاص بسمات قيادية، القائد القوي المخلص يأتي بالمقتدرين والأقوياء والعمليين للقيادة، ليكونوا عونا للحزب وله، أقول هذا تجاوزا رغم معرفتي أن التقدم في المراتب الحزبية لها طرائق أخرى شرعية وتنظيمية يكون عبر المؤتمرات، أو الانتخابات أقول هذا رغم معرفتي بأن ثمة كثيرين من الشرفاء والمخلصين في الحركة وفي المواقع القيادية، لكنهم ربما يفتقدون القدرة أن يلعبوا هذا الدور، وبعضهم تنقصه ربما السمات القيادية، أو ربما كانوا غير مؤهلين ليلعبوا هذا الدور، القائد القوي والنظيف لا يسارع في إلصاق تهم العمالة برفاق دربه الطويل عاش هو بينهم عقودا…
لقد قرانا في أدبيات بعض الأحزاب بغاية التبرير للانقسام، عبارة ربما تعود إلى لينين من أن الانقسام خير من البلبلة..
وأنا هنا لا أنفي بعض الحالات المؤدية للانقسام، بل أراها سليمة، عندما تصبح المعايشة الحزبية بين الكتل المتطلعة للاستئثار بقيادة الزمام مستحيلة، لكن الانفراد بإدارة الحزب، من قبل فرد واحد والاستئثار بإصدار الفرمانات تجاوزا للتقاليد الحزبية، واستهتارا بالأصول التنظيمية، وفي غيبة رفاق درب النضال الطويل تقزيما لدورهم، وبأنهم لا شيء، وغير مرئيين، هذه هي الأنانية بشحمها ولحمها للحركة، وهي صنو العمالة، ولا أعتبرها خيانة، لأن لفظة الخيانة جدا كبيرة وأثيمة، ويمكن أن نعتبرها انقلابا على الفكر الذي آمن به، واستهانة برفاقه، وبطرائق النضال الشريفة..
إن المسبب للانقسام هو ذلك المتنفذ القادر على إصدار القرارات دون مرجعية تذكر، ولدرء ذلك أقول: أعطني حرية في التعبير، وحرية الاختلاف في الهيئات وحتى في صحافة الحزب، والأيام ستكشف جدوى هذا الاختلاف وسوف ينجلي عن حقيقة يسلم بها كلانا ربما، إذا كان الإخلاص رائدنا، أما الجهة التي تغتنم الفرص للنيل من بعضهم، لكي تنفرد هي بالقيادة أعتبرها عدوانا على الحزب وإضعافا له وللحركة عموما..
علينا هنا أن نقف عند ارتكابات أفراد قادة وتجاوزاتهم، بحيث أن لا نحملهم كل هذه الأخطاء والتجاوزات وحدهم، رغم مسؤوليتهم الكبيرة، وكأنما لولا هذا القائد لكنا بألف خير، باعتقادي أن العلة أو السبب أبعد من ذلك، اذكر أن أحدهم قال في مساجلة خلال تناول مسالة عبادة الفرد قال (لولا وجود العبـّاد لما وجد معبود) فالأعضاء أيضا يتحملون قسطا من المسؤولية عندما يظهرون بهذا التهافت كالذباب حول مصباح المسؤول، لكن المسألة برأيي ما تزال أبعد وأعمق من هذا التفسير أيضا، المسألة باعتقادي تعود إلى الواقع، إلى طبيعة المجتمعات، فكثير من هذه السلبيات لا توجد في المجتمعات المتحضرة، ففي الأحزاب الليبرالية في تلك الأصقاع لا تجد مثل هذه الظاهرة، حيث تضعف نسبة الأنانية والاستئثار بالقرار وممارسة الدكتاتورية الفردية، ، فخلاصة القول لا يمكن التخلص من هذه الظاهرة إلا في المجتمعات الحضارية المتقدمة والتي بلغت درجة من النضج والتمدن..
لكن هذا لا يعني أن نتوقف عن المطالبة بالتخلص من تلك المعوقات التي ورثناها عن مجتمعاتنا المتخلفة، حيث المجتمع الأهلي بقوامه من رؤساء ووجهاء، والحالة العشائرية، والمذهبية، والقرابة، والجوار، كل هذا يؤثر في طابع وهيكلية وتشكل التنظيم الحزبي والفكر السياسي..
علينا أن نكون موضوعيين في تناولنا لمسألة تجاوز الأفراد في ممارساتهم،فالواقع هو الذي يحدد الممارسات، أجل إن المحيط يشكل عقليتهم، ويشدهم بالتالي نحو الماضي، وهنا يصعب مقاومة إغراء الماضي بالنسبة للأفراد المتنفذين، لكن يبقى النضال ضد هذه الظواهر مهمة جليلة لا بد منها من قبل العناصر المتقدمة والناضجة للحد من أثرها كأضعف الإيمان..
في هذا السياق يأتي عقد المؤتمرات الحزبية، ومن المنطقي أن تطغى بصمة هذه الظواهر على نتائج المؤتمر، فالمؤتمرات لا تبدع شيئا جديدا بقدر ما تثبت نتائج ما تمت صياغته، وهذه الفكرة الأخيرة للينين، ففي المؤتمرات كثيرا ما ينجلي النتيجة عن خطين واضحين في الحزب، وقد يتحولان إلى حزبين في نهاية المؤتمر…
هناك أحزاب تفرعت عن البارتي وأحزاب أخرى تفرعت عن التقدمي، وأني أعرف الجميع شخصيا فلا أرى أي تنازل قيد أنملة من أحدهم في مسألة الوحدة، ما عدا واحدا أو اثنين منهم، من يطالب بالوحدة بصدق، عليه أن يعلم أن ضريبتها قد تكون خسارة الموقع على الصعيد الشخصي، لكن الفائدة الكبيرة تكون على صعيد الحركة، فهل من مضح..
علينا أن نعلم ونتساءل أولا: هل الحزب الذي جرى فيه الانشقاق، كان ذلك لأسباب فكرية، أم لأسباب تنظيمية، أم ثمّة أسباب أخرى..وما هي تلك الأسباب.؟ وهل كان بالإمكان تلافي الانقسام أو الانشقاق..
إن الحزب الذي يعيش ممارسة طبيعية في حياته الداخلية يمكن أن يتجاوز الانقسام إذا ما حسنت النوايا، ولم يضمر القادر المتنفذ في نفسه خفايا أخرى، كضرب بعض المواقع حفاظا على موقعه، وتكريسا لمنصبه (السامي) ثمّة متنفذون قادرون على التجاوزات ولي عنق التنظيم كيفما شاؤوا..؟
ما نلمسه اليوم هو غياب الانتقاد الداخلي، إلا اللهمّ إذا جاء الانتقاد من عضو جريء، لكن على ألا يتعدّى نطاق إفشائها حدود خليته الحزبية الضيقة، هكذا تكون الحال في الأحزاب الشمولية إن صح التصنيف، دون ريب أسئلة كثيرة سوف تراودنا كهواجس، وتشغلنا عند تناولنا للموضوع..
حقيقة إن تناول هكذا موضوع ليس من السهولة البت فيه لتداخل الأسباب، وكوني عايشت وعاينت انقسام الحركة الشيوعية في سوريا، وأيضا عاصرت انقسام الحركة السياسية الكوردية في سوريا، وكان دوما سبب الانقسام في الحركتين لأسباب ذاتية بالدرجة الأولى، فحتى لو وجدتْ أسباب موضوعية أخرى، كلونيات يمينية أو يسارية، في هذا الحزب أو ذاك، أو ضغط العقلية القومية، بنفس برجوازي صغير، أو تدخل ما في شأنه، كان بالإمكان الحيلولة دون انقسام الحزب مع أخذ ذلك التباعد والتنافر بالحسبان، وإمكانية تعايش تلك اللونيات حتى ضمن إطار تنظيمي واحد، هذا في حال تمتع الحزب بنظام داخلي ديمقراطي متطور، ويعيش الحزب حياة داخلية وتنظيمية طبيعية، يوفر لكافة الأفراد حرية الانتقاد حتى خارج الأطر التنظيمية، في صحافة الحزب مثلا..
هل كان ذلك ممكنا طبعا لا..! لماذا.؟ لأن العقلية السائدة كانت قادرة على التحكم وسوء التصرف، وبالتالي من مصلحتها ألا تجيز ذلك، أيضا لا بد من قناعة حزبية راسخة لدى المنتسب لهذا التنظيم أو ذاك، فدون قناعة سرعان ما يهاجر العضو هذا الحزب دونما أسف، طالما جاء انتسابه بغاية المصلحة الذاتية الضيقة، أو مصلحة شخصية، كفائدة مادية، أو مثلا درءا لظلم قد يقع عليه، فيريد بالتالي أن يتفاداه..
كان عدد الشيوعيين في روسيا وحدها اثني عشر مليونا من الأعضاء فأين هم الآن.؟ أين تبخروا لو كانت لديهم قناعات بهذا الانتساب .؟ لمَ لم يتم احترام النظام الداخلي للحزب.؟ فأي نظام داخلي يبقى حبرا على ورق إذا لم يتوفر له الكادر الجيد، أما الكادر الانتهازي فيتلون بألف لون ولون، فهو اليوم معك، وغدا ضدك، ومع ذلك فسوق الانتهازي – اليوم – أكثر رواجا، لتزلفه إلى القيادة، ويبقى عينا على رفاقه، ثم لم نشهد أي تغيير في القائد الأول أو الأمين العام في الاتحاد السوفييتي ما عدا خروتشوف، حتى يأتيهم الأجل من السماء، أحد القادة البارزين بقي أمينا عاما للحزب ما يقرب من ستة عقود، وهنا في الحركة الكوردية نفس المصيبة تمتد بهم العقود تلو العقود دون نهاية سوى الموت، وإن حاول بعضهم ترسيم وترسيخ سنة جديدة في القيادة، يبقى التهجم على هؤلاء ربما أكثر من سواهم، أتمنى ترسيخ هذه السنة في سائر الأحزاب لكن ربما بصيغ يتفق حولها المحاورون..
هناك قول لأحد المفكرين لا يحضرني اسمه ما معناه، القادة الكبار كارثة على شعوبهم..
ماذا نستشف من هذا القول، ليس سوى التنبه لدور الأشخاص دون تعظيمهم فوق قدراتهم، ففي هذه الحالة ندفعهم نحو الطغيان والاستبداد، لهذا من الأهمية والضرورة إحياء دور المؤسسات الحزبية، وإيلائها الأهمية القصوى، ونبذ عبادة الفرد، أو تضخيمه، وإعطائه أهمية فوق طاقاته، وتقديسه وتقديمه على المؤسسات الحزبية..
الحركة السياسية الكوردية في سوريا تفرّخت عن حزب واحد شهد النور في صيف عام 1957 تفرّخت عنه بضعة عشر حزبا، فهل هذه حالة صحية سوية.! وما هي الخلافات التي سببتْ كل ذلك، وبالتالي من يتحمل مسؤولية هذا التشظي والتشرذم، طبعا القيادات بالدرجة الأولى، فضلا عن هذا الوسط الاجتماعي، وهذا التفاعل العاطفي البدائي، وأحيانا القطيعي، أتمنى في بعض الأحزاب أن يتجرأ بعض الأعضاء في مناقشة السكرتير الأول في مسألة جوهرية، مثلا في مسألة تنظيمية تتعلق بحياة الحزب الداخلية، كالمسالة المالية، أو الاستفسار عن موقف ينافي برنامج الحزب وخطة نضاله..
بالمقابل أتمنى أن ألتقي هنا بقائد مخلص، صافي الرؤية، نقي السريرة يسعى للملمة شمل الحركة، لا أن يكون عرّابا للانقسامات، محرضا بعضهم ضد بعض، أتمنى أن ألتقي بقائد في الحركة الكوردية يسعى لجذب العناصر النظيفة والكفوءة إلى جانبه في قيادة الحزب، لا أن يأتي ببيادق ودمى لا حول لها ولا قوة، القائد القوي هو القوي بحزبه، وليس بشخصه، أو بعائلته، أو بعشيرته، رغم ما يتصف بعض الأشخاص بسمات قيادية، القائد القوي المخلص يأتي بالمقتدرين والأقوياء والعمليين للقيادة، ليكونوا عونا للحزب وله، أقول هذا تجاوزا رغم معرفتي أن التقدم في المراتب الحزبية لها طرائق أخرى شرعية وتنظيمية يكون عبر المؤتمرات، أو الانتخابات أقول هذا رغم معرفتي بأن ثمة كثيرين من الشرفاء والمخلصين في الحركة وفي المواقع القيادية، لكنهم ربما يفتقدون القدرة أن يلعبوا هذا الدور، وبعضهم تنقصه ربما السمات القيادية، أو ربما كانوا غير مؤهلين ليلعبوا هذا الدور، القائد القوي والنظيف لا يسارع في إلصاق تهم العمالة برفاق دربه الطويل عاش هو بينهم عقودا…
لقد قرانا في أدبيات بعض الأحزاب بغاية التبرير للانقسام، عبارة ربما تعود إلى لينين من أن الانقسام خير من البلبلة..
وأنا هنا لا أنفي بعض الحالات المؤدية للانقسام، بل أراها سليمة، عندما تصبح المعايشة الحزبية بين الكتل المتطلعة للاستئثار بقيادة الزمام مستحيلة، لكن الانفراد بإدارة الحزب، من قبل فرد واحد والاستئثار بإصدار الفرمانات تجاوزا للتقاليد الحزبية، واستهتارا بالأصول التنظيمية، وفي غيبة رفاق درب النضال الطويل تقزيما لدورهم، وبأنهم لا شيء، وغير مرئيين، هذه هي الأنانية بشحمها ولحمها للحركة، وهي صنو العمالة، ولا أعتبرها خيانة، لأن لفظة الخيانة جدا كبيرة وأثيمة، ويمكن أن نعتبرها انقلابا على الفكر الذي آمن به، واستهانة برفاقه، وبطرائق النضال الشريفة..
إن المسبب للانقسام هو ذلك المتنفذ القادر على إصدار القرارات دون مرجعية تذكر، ولدرء ذلك أقول: أعطني حرية في التعبير، وحرية الاختلاف في الهيئات وحتى في صحافة الحزب، والأيام ستكشف جدوى هذا الاختلاف وسوف ينجلي عن حقيقة يسلم بها كلانا ربما، إذا كان الإخلاص رائدنا، أما الجهة التي تغتنم الفرص للنيل من بعضهم، لكي تنفرد هي بالقيادة أعتبرها عدوانا على الحزب وإضعافا له وللحركة عموما..
علينا هنا أن نقف عند ارتكابات أفراد قادة وتجاوزاتهم، بحيث أن لا نحملهم كل هذه الأخطاء والتجاوزات وحدهم، رغم مسؤوليتهم الكبيرة، وكأنما لولا هذا القائد لكنا بألف خير، باعتقادي أن العلة أو السبب أبعد من ذلك، اذكر أن أحدهم قال في مساجلة خلال تناول مسالة عبادة الفرد قال (لولا وجود العبـّاد لما وجد معبود) فالأعضاء أيضا يتحملون قسطا من المسؤولية عندما يظهرون بهذا التهافت كالذباب حول مصباح المسؤول، لكن المسألة برأيي ما تزال أبعد وأعمق من هذا التفسير أيضا، المسألة باعتقادي تعود إلى الواقع، إلى طبيعة المجتمعات، فكثير من هذه السلبيات لا توجد في المجتمعات المتحضرة، ففي الأحزاب الليبرالية في تلك الأصقاع لا تجد مثل هذه الظاهرة، حيث تضعف نسبة الأنانية والاستئثار بالقرار وممارسة الدكتاتورية الفردية، ، فخلاصة القول لا يمكن التخلص من هذه الظاهرة إلا في المجتمعات الحضارية المتقدمة والتي بلغت درجة من النضج والتمدن..
لكن هذا لا يعني أن نتوقف عن المطالبة بالتخلص من تلك المعوقات التي ورثناها عن مجتمعاتنا المتخلفة، حيث المجتمع الأهلي بقوامه من رؤساء ووجهاء، والحالة العشائرية، والمذهبية، والقرابة، والجوار، كل هذا يؤثر في طابع وهيكلية وتشكل التنظيم الحزبي والفكر السياسي..
علينا أن نكون موضوعيين في تناولنا لمسألة تجاوز الأفراد في ممارساتهم،فالواقع هو الذي يحدد الممارسات، أجل إن المحيط يشكل عقليتهم، ويشدهم بالتالي نحو الماضي، وهنا يصعب مقاومة إغراء الماضي بالنسبة للأفراد المتنفذين، لكن يبقى النضال ضد هذه الظواهر مهمة جليلة لا بد منها من قبل العناصر المتقدمة والناضجة للحد من أثرها كأضعف الإيمان..
في هذا السياق يأتي عقد المؤتمرات الحزبية، ومن المنطقي أن تطغى بصمة هذه الظواهر على نتائج المؤتمر، فالمؤتمرات لا تبدع شيئا جديدا بقدر ما تثبت نتائج ما تمت صياغته، وهذه الفكرة الأخيرة للينين، ففي المؤتمرات كثيرا ما ينجلي النتيجة عن خطين واضحين في الحزب، وقد يتحولان إلى حزبين في نهاية المؤتمر…
هناك أحزاب تفرعت عن البارتي وأحزاب أخرى تفرعت عن التقدمي، وأني أعرف الجميع شخصيا فلا أرى أي تنازل قيد أنملة من أحدهم في مسألة الوحدة، ما عدا واحدا أو اثنين منهم، من يطالب بالوحدة بصدق، عليه أن يعلم أن ضريبتها قد تكون خسارة الموقع على الصعيد الشخصي، لكن الفائدة الكبيرة تكون على صعيد الحركة، فهل من مضح..
أثناء تشييع جنازة الفقيد الكبير إسماعيل عمر، توضح من خلال هذا الجمع الغفير والحشد الكبير كيف أن شعبنا يقدر النضال والمناضلين، أو فلنقل صراحة أنه يبحث عن هؤلاء فلا يجدهم، فقم أيها القائد المخلص بعمل جليل لترى مثل هذا الحشد كسوار من فلك يحيط بك في المناسبات السعيدة، لكنك لن تفعل كما عهدتك، وقديما قيل للجمل في حثه على الحراثة..
(خط.ْ.خط.ْ.خط.ْ..
فرد الجمل..لم أعمل في الحرث قط.ْ.!)
(خط.ْ.خط.ْ.خط.ْ..
فرد الجمل..لم أعمل في الحرث قط.ْ.!)