تحرير كردستان يبدأ من جبال الألب *

حسين عيسو

     في فيلم عن ثورات المكسيكيين – تلك الفئة من البشر الذين كانوا يشبهوننا فيما مضى , ثم تنبـّهوا إلى الواقع فوصلوا إلى بر الأمان – يخاطب أحد المقهورين قائدا للثورة , قائلا : عائلاتكم ترسلونهم بعيدا إلى أمريكا واسبانيا ليعيشوا النعيم هناك , أما نحن الشعب المظلوم , فترسلون أطفالنا للحروب وتعرضون نساءنا للجوع والاغتصاب …..

إذا كنتم تحبون المكسيك فعلا , لماذا لا نتساوى في المعاناة , هنا لم يكن من القائد المكسيكي الثائر إلا أن أفرغ مسدسه في رأس ذلك الإنسان , ليس لأنه جبان يخشى الحروب , بل كي يكون عبرة لغيره من طويلي اللسان.
    في هذا الظرف العصيب وفي الوقت الذي اتفقت فيه السماء مع الأرض على تجويع البشر في جزيرتنا التي كانت غناءه فيما مضى , حيث عزّ المطر , وانتشر الصدأ والدود قي محاصيل القمح والقطن , فهجرها سكانها من كل الأطياف بحثا عن قوت لأطفالهم , وفي الوقت الذي رحل عنا اثنان من حكماء قادة الحركة الوطنية في محافظة الحسكة , أولهم ,كبرو تازا (أبو بسام) والثاني , إسماعيل عمر (أبو شيار) والذي حين رأى حركتنا الكردية في سوريا تتسلى بدورانٍ عبثي حول نفسها, فتفقد بوصلتها , وتغيب عنها الحقائق الموضوعية , وتنسى الواقع بشعاراتها اللاواقعية , جراء إصابتها بالدوار , لتضيع مصالحنا نتيجة هذياناتها , وحين فشل إسماعيل في إصلاح حالها وتوجيهها نحو الطريق الصحيح , قرر الرحيل عن دنيانا فالتحق بصديقه “كبرو تازا” ** بعد أن رأى أن دوراننا لا نهائي ومأساتنا قد تكون سرمدية .

    في هذه الظروف الكارثية وما زاد الطين بلـّة , خبريتان وصلتا من بعيد , ومن جبال الألب تحديداً , أولاها بشرى بتأسيس حزب كردستاني هناك , والثانية من أحد القادة الأشاوس الذي تبع “فريد الغادري” دهراً , قي الوقت الذي كان والده “نهاد” من أشد أعداء الكرد في سوريا , ولم يتنبه إلى ذلك , إلا بعد أن استغنى “الغادري” الابن عن خدماته وطرده , فالتحق “بمعارض” آخر وهو السيد “عبد الحليم خدام” لم يفهم أن قوة خدام كانت في سلطته , وأن أمواله المنهوبة من فقراء سوريا , ليست للتوزيع على الأتباع , وإنما لنشر رائحتها بين ضعاف النفوس , فيتبعوه , متوهما أنه بهم يستطيع استعادة مجده الذي كان , فيتحكم في البشر من جديد بأسوأ مما كان , وحين خاب فأل خدام من الضحك على ذقون السوريين , حيث لم يصدق “معارضته” أحد , وبعد يأس صاحبنا من تناول حبة حمص من مولد خدام , قرر العودة إلى فكرة تسويق تحرير كردستان من جبال الألب , عله يحظى بمشترٍ “نخاسٍ” آخر, وتسعيرة جديدة , فيستنكر علينا الرأي بأن حل قضيتنا الكردية السورية , في “دمشق” دمشق التي ستحقق المساواة يوما بين كل السوريين , عربا وكردا وآثوريين …
   في هذه العتمة يظهر نور في آخر النفق , من خلال مقالة بعنوان “إستراتيجية العمل الوطني في سوريا” للأستاذ “عبد الرحمن آلوجي” الذي يدعو فيها الى رفع وتيرة العمل الوطني المشترك ….

تلتقي من خلاله مختلف الآراء في بلورة فكر وطني جامع …….

وتتضافر الجهود للعمل معا في سبيل تحقيق مواطنة لا تستثني طيفا أو اتجاها … كما تحقق هذه المواطنة القيم الوطنية العليا المشتركة لبناء قاعدة تقوم على إستراتيجية فكرية , تقود الى بناء حالة وطنية تجد فيها كل الأطياف والاتجاهات طريقها إلى بناء سوريا الديمقراطية…..

.
   هنا وبرغم غنى الموضوع الذي طرحه الأستاذ “آلوجي”, وشرحه لفكرة المواطنة بأسلوب أكاديمي جميل , أضيف بأن المواطنة تعني المساواة على قاعدة المشاركة والعدالة والهوية الجامعة , مع الاحتفاظ بالهويات الفرعية واحترامها , كرافد للهوية الوطنية المتعددة والموحدة في آن , ودون هيمنة أو استعلاء من هوية على أخرى , أي المساواة التامة في كل الحقوق والواجبات.

الحسكة في : 30/10/2010
Hussein.isso@gmail.com

·       عنوان المقالة منقول عن أحد القادة الفلسطينيين “طريق تحرير فلسطين يمر من جونية”

** رحيل “كبرو تازا” “وإسماعيل عمر” كان خسارة كبرى للحركة الوطنية في سوريا بما لهما من أياد بيضاء في خدمة أبناء الجزيرة السورية , وقد أجلت الحديث عما قدماه في هذا المجال الى وقت آخر.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي في السنوات الأخيرة، بات من الصعب تجاهل التحوّل المتسارع في نبرة الخطاب العام حول العالم . فالعنصرية والكراهية والتحريض عليهما لم تعودا مجرّد ظواهر هامشية تتسلل من أطراف المجتمع، بل بدأت تتحول، في أكثر الدول ديمقراطية ولم يعد ينحصر في دول الشرق الأوسط ( سوريا . لبنان – العراق – تركيا – ايران وو .. نموذجاً ) وحدها…

ياسر بادلي ليس اختيارُ الرئيس العراقيّ السابق، برهم صالح، مفوّضاً سامياً لشؤون اللاجئين حدثاً عابراً يمرّ على أطراف الأخبار؛ بل هو لحظةٌ ينهضُ فيها تاريخُ شعبٍ كامل ليشهد أن الأمم التي صُنعت من الألم تستطيع أن تكتب للإنسانيّة فصلاً جديداً من الرجاء. فالمسألة ليست منصباً جديداً فحسب… إنه اعترافٌ عالميّ بأنّ الكورد، الذين حملوا قروناً من الاضطهاد والتهجير، ما زالوا…

المحامي عبدالرحمن محمد   تتواصل فصول المسرحية التركية وسياساتها القذرة في الانكار والنفي للوجود التاريخي للشعب الكوردي على ارضه كوردستان، ومحاولاتها المستمرة لالغاء ومحو كلمتي كورد وكوردستان بوصفهما عنوانا للهوية القومية الكوردية والوطنية الكوردستانية من القاموس السياسي والحقوقي والجغرافي الدولي، سواء على جغرافيا كوردستان او على مستوى العالم. تارة يتم ذلك بحجة وذريعة الدين (الاسلام)، وتارة اخرى باسم الاندماج والاخوة،…

  إبراهيم اليوسف وصلتني صباح اليوم رسالة من شاعرة سورية قالت فيها إنها طالما رأتني وطنياً لكنها تجدني أخرج عن ذلك، أحياناً. رددت عليها: صديقتي، وما الذي بدر مني بما يجعلك ترين وطنيتي منقوصة؟ قالت: أنت من أوائل الناس الذين وقفوا ضد ظلم نظام البعث والأسد. قلت لها: ألا ترينني الآن أقف أيضاً ضد ظلم السلطة المفروضة- إقليمياً ودولياً لا…