سيظل أبو شيار خالدا في ذاكرة الأجيال وعقولهم وقلوبهم

بشار أمين

لقد كان الحضور الجماهيري العظيم يوم 19 / 10 / 2010  في قرية قره قوي مسقط رأس المناضل الكبير إسماعيل عمر علي بحق مظاهرة وطنية بكل ما للكلمة من معنى ، أحزابا سياسية ، (كردية شقيقة ووطنية صديقة) ، ومنظمات حقوقية ، ولجان ومؤسسات المجتمع المدني ، وشخصيات ثقافية ودينية واجتماعية وفنية وحشد جماهيري غفير ،  كان ذلك دليل الوفاء لمناضلي شعبنا وحركته السياسية ، وتأكيد واضح على المكانة الرفيعة والدرجة العالية التي حظي بها الفقيد الغالي في قلوب الجميع ، ومن ملامح وجوه الحضور كان يستشف ما يعبر عن عميق الحزن وشدة الألم على فراقه ، وعلى محياهم ما يشير إلى حجم الغيظ الذي يكظمونه ، وكأنهم في دوامة من هول صدمة الصاعقة ، لأن الرحيل المباغت للمناضل الوقور الأستاذ إسماعيل / أبو شيار/ ، رئيس حزب الوحدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي) يوم 18 / 10 / 2010 وهو في عز تألقه عطاء وعنفوانا ، إنما هو لاشك خطب كبير ، ومصاب جلل ، وخسارة جسيمة لا تعوض بثمن ، ليس لأهله وذويه ورفاق حزبه فحسب ، بل لشعبنا الكردي قاطبة ولوطننا السوري بأسره ..
و للحق ، فإن البشر درجات ، وأن مستوى هذه الدرجات ، يحدده مقدار ما يجسدها الإنسان من وقفة العز و السمو ، وما يمتلكها من قيم الوعي والمعرفة ، ومدى الاستعداد للعمل والتضحية في سبيل ما يؤمن بها من مبادئ العدل ومثل الحق ودون أن يخشى في ذلك لومة لائم ، من هنا فقد كان للجميع في فقيدنا الغالي / أبوشيار / الأسوة الحسنة لما كان يحظى بها من صفات المناضل الخلاق التي جعلته علما بارزا من أعلام شعبنا الكردي ووطننا السوري ، وما كان يتحلى بها من السجايا الطيبة والخصال الحميدة بما هي دماثة الخلق وحسن المعاشرة وصدق التعامل التي قلما يتصف بها الإنسان في هذا العصر ..
كما عرف الأستاذ إسماعيل ، مناضلا جسورا يقطر إخلاصا وتفانيا ، وينضح وعيا وحكمة ، محبا لأبناء وطنه السوري بكل مكوناته القومية والدينية والاجتماعية كحبه لأبناء شعبه الكردي ، لذا كان يعمل للقضايا الوطنية كعمله لقضايا شعبه ، و كان بحق من دعاة الوحدة الوطنية على أسس من العدل والمساواة ، كما كرس حياته في سبيل رفع الغبن والمظالم عن كاهل الشعب الكردي والمساهمة في تمكين هذا الشعب من التمتع بحقوقه القومية والديمقراطية ، ولذا كان داعية عمل ووحدة الصف الكردي ، وساهم بدأب في سبيل ذلك إلى جانب الأشقاء الآخرين ، لأنه كان يرى في ذلك كل عوامل المنعة والتقدم على طريق تحقيق الأماني القومية والوطنية لشعبنا الكردي  في سوريا ..
كما كان الفقيد العزيز اجتماعيا من طراز متقدم ، مهتما بقضايا المجتمع ومعاناته ، متميزا بسعة علاقاته الاجتماعية ، ومع مختلف الشرائح والانتماءات القومية و بغض النظر عن الطبقة والدين و المستوى الاجتماعي ، ولم يكن يميز في تعاطيه وتعامله بين إنسان وآخر إلا بقدر ما يمتلكه هذا الإنسان من معاني الوعي والقيم الاجتماعية الرزينة ، أحب الجميع فأحبوه واحترمهم فاحترموه ..
من هنا ، فقد استحق الفقيد العزيز كل معاني التقدير والاحترام ، ونال من أعماق الجميع كل آيات المحبة والوفاء ، فهو أكبر من أن تبكيه الجموع ذرفا للدموع أو صراخا أو عويلا ، فالقلوب تدمى والنفوس تتألم ، إنما الوفاء أن ُتمّثل قيمه وأن يجعل الوطنيون والديمقراطيون من رحيله حافزا ِللّم الشمل ووحدة صف حركتنا السياسية ، وتعزيز العلاقات الوطنية ، من أجل مواصلة العمل والنضال في سبيل تقدم وطننا ، عبر بناء الدولة المدنية الحديثة على أسس من العدل والديمقراطية ، تنتفي بداخلها السياسة الشوفينية والتفرقة العنصرية ، وتنتهي من خلالها القوانين والمحاكم الاستثنائية والمشاريع العنصرية ، وتضمن الحريات الديمقراطية بما هي حرية التنظيم السياسي والنقابي وحرية الرأي والنشر ..، والإفراج عن معتقلي الرأي والموقف السياسي على امتداد مساحة الوطن ، وبمن فيهم معتقلي شعبنا الكردي ورفاق أحزابنا الكردية الشقيقة ، وتحقيق أماني وأهداف شعبنا الكردي في إطار وحدة البلاد وبما يخدم تطورها وتقدمها ..
وهكذا وقف الجميع بخشوع وإجلال وتعظيم أمام ضريح مناضل فذ متفان ، ضريح المناضل الكبير أبو شيار ، ليودعوه الوداع الأخير، (وكلهم أمل وثقة أن أبناءه من بعده ورفاقه هم خير خلف لخير سلف) ، مؤكدين على خلوده في ذاكرة الأجيال وقلوبهم وعقولهم ، كما كان الجميع يعزون أنفسهم قبل أن يعزوا نجله شيار وأخوته وأفراد عائلته وقيادة ورفاق حزبه حزب الوحدة الديمقراطي الكردي في (يكيتي) – وكل أصدقائه ومحبيه وهم يتضرعون بالدعاء له راجين أن يلهم الجميع الصبر والسلوان وللفقيد الغالي واسع الرحمة وفسيح الجنان ..

إنا لله وإنا إليه راجعون ..

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية، وبالمشاركة مع أطفال العالم وجميع المدافعين عن حقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق الانسان، نحيي احتفال العالم بالذكرى السنوية الثلاثين لاتفاقية حقوق الطفل، التي تؤكد على الحقوق الأساسية للطفل في كل مكان وزمان. وقد نالت هذه الاتفاقية التصديق عليها في معظم أنحاء العالم، بعد أن أقرتها الجمعية…