حقوق .. لا تسقط بالتقادم.. والأحزاب خارج إرادة التاريخ

  عمر كوجري

أسهمت ظروف دولية في بداية تسعينيات القرن الماضي وإبان الهجرة المليونية للكرد في كردستان العراق بخلق وضع جديد ماكان الكرد وحدهم ليستطيعوا الحصول عليه والفوز به رغم أنهار الدم التي أسالوها على مذبحة الحرية، واستشهاد عشرات بل مئات الآلاف من أجل هذه القضية التي تستحق أن يدفع المرء روحه لطلبها والظفر بها.

 فقد كان النظام السابق وبعيد خسارته وهزيمته الماحقة في الكويت” الشقيقة” على أيدي قوات التحالف الدولي بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية، واندلاع شرارة الانتفاضة الآذارية المباركة في الخامس من آذار عام  1991 كان يعدُّ العدة لضرب شعبه بمختلف فئاته وطوائفه.
وأكثر ما أشعل نار الحقد في قلبه كان الكرد، وكأنهم هم من سببوا له هزيمته النكراء وليست سياساته الرعناء في استعداء المجتمع الدولي، واحتلال حرمة وانتهاك عرض دولة شقيقة جارة، فأراد الانتقام من الكرد، ولم يشف غليله ما فعل بهم، وحاول أن يبيدهم على بكرة أبيهم مستخدماً السلاح المحرم دولياً، ولكي يعالج فضيحة هزيمته في الكويت واتفاقيته المذلة  توجه بكل قواته نحو كوردستان مجدداً.


  أصيبت العوائل الكردية بالهلع نتيجة الذكرى السيئة من موت حلبجة الأبيض بالسلاح الكيميائي، مما جعلهم يتركون بيوتهم في مسيرة مليونية يقصدون العراء مواجهين مصيراً مجهولاً نحو الجبال الشاهقة “أصدقاء الكرد الحميمين وليس الوحيدين” وسط طبيعة  غاية في القسوة، وشتاء ثلجي عاصف لا يرحم.

وعرضت تلك الهجرة مصير المئات من الأطفال والشيوخ والنساء الكرد للموت المحتم.

  
    وبسبب الوضع المأساوي لكرد الهجرة المليونية قررت أمريكا وفرنسا وبريطانيا خلق الملاذ الآمن للكرد، شمال خط العرض 36 وتقرر إثر ذلك منع الطائرات العراقية من التحليق فوق سماء الكثير من مناطق كردستان، ومنع الجيش العراقي للهجوم على المدن والقصبات الكردية،  وعادت المهجرون من تركيا” التي أطعمتهم خبزاً حافياً ومسموماً”  إلى مناطقهم وأقضيتهم وقصباتهم وقراهم من جديد.

 
لكن هذا الملاذ الآمن لم يشمل مناطق كردستان العراق كافة ، إنما ظلت مناطق استراتيجية محرومة من أمن هذا الملاذ، أبرزها منطقة شنكال التي يقطنها أخوتنا الإيزيديون ” الكرد الحقيقيون والأصلاء”،  والتابعة حالياً لمحافظة نينوى، إضافة إلى كركوك وديالى، مع العلم أن حكومة إقليم كردستان العراق أعلنت في 21 كانون الثاني الماضي البدء بتشكيل هيئة خاصة لحل مشكلة المناطق المتنازع مع مكونات الشعب العراقي الأخرى.


 واليوم وبعد أن تحرر العراق من براثن النظام السابق مازالت هذه المناطق غير خاضعة دستورياً لإقليم كردستان العراق، رغم مطالب الشعب الكثيرة بضرورة أن يعود الفرع إلى الأصل، وأن يعود التاريخ لمجراه الطبيعي، وكذلك الجغرافيا.
ورغم أن وعوداً كثيرة عرضت في هذا المجال من جانب الأحزاب والحكومات العراقية لإعادة الحق لأصحابه لكن يبدو أن الأمور ليست في طريقها للحل، فكأن هذه الحكومات العراقية تتغاضى عن هذا المطلب الذي لا يستطيع لا حزب كردي ولا أية جهة كانت التنازل عن هذه الأرض لمصلحة ظرف أو شرط تاريخي.
فكلما توجّه وفد سياسي رفيع المستوى من بغداد، وضع الكرد مطالبهم بين أيدي هؤلاء الذين يعدون الكرد بالخير والاطمئنان، لكن تظل هذه الكلمات المعسولة مجرد كلام يمحوه النهار.


  وحتى البرنامج الانتخابي لرئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني لم يخلُ من ذكر المناطق المستقطعة حيث عرض في تجمع جماهيري بالسليمانية برنامجه الانتخابي لرئاسة الإقليم  بأنه يتعهد أن يسلك طريق الحل الدستوري لإعادة” هذه المناطق الى كردستان،ونسلك طريق الحل السلمي لحل هذه المسألة، ونعدُ جماهير شعبنا أننا لن نساوم على كركوك والمناطق المستقطعة  مهما كلفنا ذلك، ونود أن نحلَّ هذه المشكلة وفقا للدستور لكي ينعم العراق بالأمان والاستقرار.

 ولايمر يوم إلا ويصرّح القادة الكرد بضرورة حلِّ هذه المعضلة، والتي يجب أن تكون من أولويات الكابينة الوزارة الحالية والكابينات القادمة، كما يجب أن يكون هذا المطلب هو الأساس في النقاط الكردية الـ 19 التي يتفاوضون بها مع الفعاليات السياسية العراقية، وهي نقاط توافقية، وتقرب الحلول لتشكيل الحكومة، وليس عصي أمام دولابها.
 اليوم تحاول جهات مصابة بمرض ” الموت السريري” وتعيش أوهام الخمسينيات والستينيات – تحاول هذه الجهات اتهام الكرد بأن لديه أجندة سرية وراء إعادة هذه المناطق المستقطعة الى إقليم كردستان.
 الكرد لايهمهم المادة 140 ولا المادة 150 يريدون أن يعودوا إلى أرض أجدادهم، لأن للتاريخ الحكيم حكمته، وحكمة التاريخ بليغة وحادة بعيدة عن برامج الأحزاب وظروف الواقع.
الشعب لم يفوّض الأحزاب لتتفاوض حول مصائر لا يجوز المساس بها تحت أية ذريعة.


شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…