إعلان دمشق في ذكراه الخامسة.. أمل يتجدد وعمل مطلوب

يصادف السادس عشر من تشرين الأول الذكرى الخامسة لانطلاقة إعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي، تلك الانطلاقة شكلت منعطفاً هاماً في تاريخ المعارضة السورية الطويل من حيث بنيته وآليات عمله وأهدافه.

إن الوقوف عند هذه الذكرى، لن يكون من باب التغني أو تكرار الآمال، بل هو وقبل كل شيء وقفة مع الذات، تفحص لما راكمته التجربة من انجازات أو عثرات وأخطاء، تطلع نحو المستقبل بعقول منفتحة، وتصميم أكيد على الاستفادة من كل فكرة تجود بها العقول أو تجربة يفرزها الواقع.

فالحركات الحية لا يأسرها نص أو تحدها تجربة بل هي في حالة تفاعل دائم مع حركة الواقع وتطوره ويبقى السؤال الأهم حول سمت المسير نحو الهدف، أما زال صائبا؟
في هذه المناسبة ثمة عدد من الحقائق من المفيد التذكير بها.
أولها: يشكل إعلان دمشق ائتلافاً سياسياً واسعاً، ضم طيفاً متنوعاً من فعاليات وأحزاب وهيئات وشخصيات مستقلة، جمعها على تنوعها السياسي والاجتماعي والقومي، هدف التغيير الوطني الديمقراطي السلمي، والانتقال من حالة الدولة الاستبدادية الأمنية إلى دولة مدنية ديمقراطية لكل مواطنيها، وعتبة هذا الانتقال هو توافق الشعب السوري وتمثيلاته السياسية والاقتصادية والثقافية على صوغ عقده الاجتماعي الجديد وإطاره الدستوري والانطلاق من هذه العتبة المحورية نحو مستقبل ديمقراطي يستوعب الجميع في دولة مدنية حديثة بمحدداتها الثلاث (ضمان الجريات وحقوق الإنسان، احترام المؤسسات، المجتمع المدني) وأيضاً العمل على تنمية الولاء للوطن قبل أي ولاء آخر لأنه ضمانة الاستمرار لنا كشعب يريد الحياة ويريد التنمية والديمقراطية.
ثانيها: سارت التجربة الواقعية لسنوات الإعلان الخمس الماضية سيراً بطيئاً فرضته طبيعة النظام الاستبدادي الذي واجه الإعلان بالملاحقات والحصار والسجون في كافة مستوياته التنظيمية وأماكن تواجده، كما عانى الإعلان أيضاً من صعوبات منها ما أفرزته التجربة الواقعية، وهذه يجب أن تكون موضع مراجعة وتصويب دائمين، ومنها ما خلقه موقف الذين اختلفوا مع الإعلان عندما انحازوا لخياراتهم السياسية والإيديولوجية الضيقة، وفي هذا الشأن فإن الإعلان مصمم على تذليل هذه الخلافات بالحوار والصبر والعمل المسؤول والحؤول  دون تحولها إلى حالة افتراق لا نرغبها ولا نريدها.

وعلى الرغم من الصعوبات فقد استمر الإعلان حاملاً آمال السوريين وطموحاتهم وقدم لهم طريقاً موثوقاً وآمناً للخروج من هذا الواقع المأزوم.
لقد تحققت إنجازات في الداخل وفي المهجر وهي أقل من الطموح، لكن بالمقابل فإن النظام ما فتئ يدفع البلاد نحو مزيد من الأزمات بحكم سياساته الارتجالية وحالة الرعب التي ينشرها في أنحاء الحياة السورية وعجزه عن الإيفاء بأي من الالتزامات التي رتبها على نفسه سواء في خطاب القسم أو في مقررات المؤتمر العاشر لحزب البعث، لقد تبخرت وعوده بالإصلاح وقانون الأحزاب لم يبصر النور، كما لم يحصل أي تقدم على طرق حل القضية الكردية وأهم عناوينها قانون الإحصاء الاستثنائي الجائر لعام 1962 وتبعاته، على العكس من ذلك فإن الأزمة الاقتصادية باتت تطحن الناس وتدفع المزيد منهم كل يوم في هاوية الفقر والجوع.
واحد من الأمثلة عن عجز هذه السلطة، هو عن مواجهة  أزمة الجفاف التي ضربت المحافظات الشمالية والشرقية وهجرة مئات الألوف من سكانها إلى المدن السورية الرئيسية وإلى الدول المجاورة هرباً من الجفاف ومن الجوع، والنظام لم يكتف بعجزه عن تقديم المساعدة للمتضررين وتثبيتهم في قراهم التي هجروها، بل عتم على الموضوع ولم يطلب المساعدة من الهيئات الدولية كما تفعل كافة دول العالم في حالات كهذه ومن المؤكد أن لا حلول لديه لمعالجة تداعيات الأزمة التي ستخلقها هذه الهجرة.
ثالثها: يرى الإعلان إن قانون الطوارئ الذي فرض في 8/3/1963 وما زال مستمراً، شكل إطاراً وغطاء قانونياً للاستبداد واغتصاباً علنياً لحقوق السوريين الأساسية وفي مقدمتها الحق في حياة سياسية بناءة والحق في التعبير والحق في التداول السلمي للسلطة ومن نافل القول أن من حق السوريين بل من واجبهم النضال بكافة الطرق السلمية لرفع حالة الطوارئ وإنهاء الأحكام العرفية.

من هنا فإن إعلان دمشق الذي حمل مشروعاً للتغيير تناول حاضر السوريين ومستقبلهم وبات مكوناً راسخاً في معادلات الواقع السوري، فإنه يؤكد أن مشروعه هذا لا يصادر ولا يستنفذ أية مشاريع يمكن أن يفرزها الواقع.
إن الإعلان بحاجة إلى التفاف الشعب السوري وقواه الوطنية الديمقراطية حول مشروعه ومؤازرته، وفي هذه المناسبة فإن الإعلان يحمل دعوة مفتوحة إلى الشعب السوري وقواه الوطنية الديمقراطية للانخراط في حوار وطني شامل، يطاول واقع سوريا المأزوم وآليات العمل للخروج من أزماتها ورسم أطر سورية المستقبلية التي يريدها السوريون دولة ديمقراطية وإيجابية في محيطها والعالم، لذا نعتقد بأن الإعلان بحكم تكوينه الوطني الجامع وطروحاته الفكرية والسياسية يشكل إطاراً صالحاً لهذا المستقبل.
أخيراً وفي هذه المناسبة فإن الأمانة العامة لإعلان دمشق تتوجه بالتحية والإكبار لكل المعتقلين الذين خرجوا من السجون بعد قضاء محكومياتهم الظالمة وتحية لكل المعتقلين الذين ما زالوا خلف القضبان، الذين نأمل لهم ولنا وللشعب السوري ولكل سجناء الرأي بأن تعمنا جميعاً نعمة الحرية في هذا الوطن الذي نحب.

عاشت سورية حرة وديمقراطية
الحرية لكل سجناء الرأي والضمير
الأمانة العامة لإعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي

دمشق في 16/10/2010

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…