سوريا وتركيا في مواجهة استباقية ضد الكرد

صلاح بدرالدين

   المقابلة التلفزيونية التي أجرتها فضائية – التركية – مع الرئيس بشار الأسد بعيد انفضاض اجتماع ” مجلس التعاون الاستراتيجي السوري التركي ” بمدينة اللاذقية قبل أيام  لخصت توجهات البلدين بشأن عدد من القضايا ذات الاهتمام المشترك وفي مقدمتها الملف الكردي الذي استحوذ حسب المصادر العليمة حصة – الذئب والأسد – في المحادثات وبمشاركة أساسية من جانب مسؤولي الأمن والمخابرات العسكرية ووزارتي الداخلية في البلدين فالبلدان مازالا يتعاملان مع القضية الكردية باعتبارها مسألة أمنية وبحضور وزيري الخارجية داود أوغلو والمعلم فبعد اعترافه – وهو اكتشاف متأخر جدا !! – على أن ” المشكلة الكردية هي قضية اقليمية تعني سورية وتركيا وايران والعراق ..

” أعلن الأسد مواجهة الأكراد ” اللاوطنيين ” الذين يطمحون بغالبيتهم الساحقة ان لم يكن كلهم الى الخلاص لأنهم  يعانون من القمع والاضطهاد والتهجير والحرمان من الحقوق وأحيانا من الابادة وتتعرض مناطقهم الى تغيير ديموغرافي ممنهج ”
نحن مانواجهه ليس القضية الكردية وانما بعض الذين يريدون استغلال القضية الكردية من الأكراد أو من الأجانب الذين يستغلون هذه القضية ” مقسما الكرد على طريقة الممانعة الى سفساطين : وطنييون وغير وطنيين ” يجب أن ننظر أولا للقضية على أنها قضية أغلبية وطنية في هذه الدول وهناك مجموعات تريد أن تسيء لهذه الأغلبية الوطنية ” مؤكدا بنهاية الأمر على ” وجود تنسيق في مجال القضية الكردية بين سوريا وتركيا وبين سوريا وايران ” بمعنى آخر هناك توزيع للأدوار بين الأنظمة الثلاث حسب مقتضيات الجيو بوليتيك أي ورشات وعدة عمل ثنائية سورية ايرانية بشأن كرد العراق وثنائية سورية تركية بخصوص كرد سوريا وتركيا وفي مستوى أشمل تعاون ثلاثي حول الملف الكردي بالمنطقة تشغل فيه سوريا البعثية مركز الصدارة – ألم تكن العاصمة دمشق المحطة الأولى للاجتماعات الثلاثية الأمنية لوأد الحركة الكردية في كردستان العراق منذ بدايات تسعينات القرن الماضي ؟ – هذا الملف الذي بدأ يستجلب أنظار القوى الحاكمة السائدة في العواصم الثلاث واهتمامها منذ أن قرر كرد العراق مصيرهم الفدرالي في اطار العراق الجديد قبل نحو عقدين من الآن ويثير مخاوفهم مجددا بعد صحوة ضمير المجتمع الدولي تجاه قضايا الشعوب وتقريرمصيرها وبعد اقتراب موعد الاستفتاء حول تقرير المصير لشعب جنوب السودان والذي وصفه كتاب عرب مرموقون با – الزلزال السوداني –  والخيار بين الانفصال – وهو الاحتمال الأقرب – أو البقاء كالسابق في اطار دولة السودان – وهو مستبعد – حسب معظم التقديرات .
  بالرغم من حرص الرئيس السوري على استعمال اللغة الدبلوماسية والتحكم بالعبارات والمصطلحات سيرا على منوال حكام نظم الاستبداد المغلقة الضليعة في اخفاء الحقائق ومحاولات المسؤولين الأتراك التحايل من خلال الاعلام بحصر موضوع التعاون الاستراتيجي والميداني بمسألة الارهاب أو محاربة قوات ب ك ك الا أن المسألة واضحة ولاتحتاج الى عناء تفكير وبحسب مما تسربت من معلومات عن اجتماعات اللاذقية وما ظهرت في بعض وسائل الاعلام التركية في الأيام القليلة الماضية هناك اتفاقية سورية تركية جديدة مكملة لاتفاقية أضنة يراد تمريرها في أجواء الشرق الأوسط الملبدة في الوقت الراهن وفي ذروة انشغال الادارة الأمريكية حول جملة من المآزق الداخلية والخارجية ويتم الاعداد لها بعناية سترى النور خلال الاجتماع الوزاري الذي سيعقد في شهر كانون الاول المقبل في تركيا بحضور رئيسي وزراء الدولتين تتضمن بنودا تقضي بمواجهات استباقية للحركة التحررية القومية الكردية في البلدين تحت عناوين – استئصال الارهابيين واللاوطنيين وعملاء الأجنبي – بمختلف السبل والوسائل السياسية والعسكرية والأمنية والقانونية والاقتصادية والثقافية وهي مفتوحة على مصراعيها تخضع لقانون الطوارىء والأحكام العرفية ولأوامر وقرارات حكام مطلقي الصلاحيات وقد تمارس من ضمنها مضاعفة أعداد المحرومين من الجنسية والحقوق المدنية وتسليم المطلوبين وفرض أحزمة شوفينية جديدة على جانبي الحدود .
   ومن ضمن الخطط الموضوعة مواصلة سوريا واستجابة لنداء الحليف التركي الذي حمله الوزير داود أوغلو الى الأسد في زيارته قبل الأخيرة وتحديدا في أواسط تموز الماضي في استخدام أوراقها القديمة بفتح قنوات مع قيادة ب ك ك لحثها على الالتزام بالسلام وعدم خلق عقبات أمام مشاريع حكومة أردوغان وحتى الحوار مع الجانب التركي عبر دمشق وذلك لتحقيق أهداف عدة ومنها اعادة الاعتبار لموقع النظام السوري في الملف الكردي كسابق عهده خلال حكم الرئيس الراحل حافظ الأسد عندما استثمر تواجد قيادة ب ك ك في سوريا قبل طرد أو تسليم السيد أوجلان لمصالح نظامه في مواجهة تركيا من جهة والحركة الكردية في كردستان العراق من الجهة الأخرى ناهيك عن الحركة الكردية السورية والعودة الى تكريد الصراع من جديد والأهم الأخطر على أي حال من كل ذلك هو استبعاد دور ادارة اقليم كردستان في العملية السلمية المفترضة التي هي معنية بها قبل أي طرف اقليمي آخر وقطع الطريق على الوساطة المتوقعة المأمولة من رئيس الاقليم السيد مسعود بارزاني لتقريب وجهات النظر بين كرد تركيا والحكومة ذلك الدور المطلوب الآن بالحاح من أجل تحقيق السلام وبما سيتميز بالصدقية والنزاهة وفي هذا السياق نشرت وسائل الاعلام معلومات تفيد أن النظام السوري هيأت قائمة من ألفي اسم لكرد سوريين متواجدين في مقرات ب ك ك بكردستان العراق من أجل اصدار عفو وتقديم ضمانات لهم للعودة الى بلادهم كجزء من الصفقة اذا صح التعبيرالى جانب تصريحات ايجابية تجاه سوريا بنفس التوقيت للسيد أوجلان وبعض قادة حزبه مما يعتبرها المراقبون بمثابة رسائل سياسية الى الجانب المقابل .
   في المراحل السابقة عندما كان الأسد الأب يستثمر الورقة الكردية عبر أطراف كردية لسنوات طويلة على الصعيد الاقليمي والدولي وتحديدا في ساحتي تركيا والعراق كان يستخدمها في الوقت ذاته وبامتياز ضد الحركة القومية الكردية في الداخل السوري على شكل تشديد القمع والاعتقالات وملاحقة الناشطين السياسيين وتنفيذ خطط التعريب والتهجير وكان شرطه الأول في تعامله مع الأحزاب والمنظمات الكردية – التركية والعراقية – واحتضانهم في سوريا عدم دعم الكرد السوريين وحتى منع التعامل مع حركاتهم القومية للتمكن من تضييق الخناق عليها في أجواء التعتيم الاعلامي والسرية فهل ما نشهده الآن من اعتقالات وملاحقات متواصلة وبغاية الشراسة والقساوة ضد الكرد السوريين ومن مراسيم جمهورية في مصادرة الأراضي وحتى الحرمان – العنصري – من تقديمات الخدمات الصحية في بعض المشافي ايذان باستمرارية المشهد المأساوي الذي ساد في بداية سبعينات القرن الماضي في ظل الحركة التصحيحية واستمر في عهد الرئيس الشاب ممزوجا بدماء العشرات من ضحايا الهبة الكردية قبل ستة أعوام ودماء شهداء نوروز وبينهم شيخ الشهداء معشوق الخزنوي .

    ما ترشح حتى الآن عن طبيعة وأهداف الخطط – الهجومية – المشتركة بين حكومتي دمشق وأنقرة وماتضمنته الاتفاقية الجديدة المزمع اعلانها بالشهر القادم يوحي بأنها لن تخدم لا السلم الداخلي في كل من البلدين وخاصة حول كل من مسألة حل القضية الكردية عبر الحوار والمعالجة الديموقراطية للمسائل الاجتماعية والحياتية لشعوب سوريا وتركيا ولا استقرار المنطقة التي تتصدرها الأزمة الكردية كقضية تقرير مصير شعب محروم يناهز الاربعين مليونا ويعتبر المكون القومي الرابع بعد العرب والترك والفرس اضافة الى قضايا الارهاب والاقتصاد والماء والسلم والحرب ولا تحترم في الوقت ذاته ارادة المجتمع الدولي في ضرورة حل قضايا الشعوب والقوميات المقهورة في اطار الشرعية الدولية والاشراف المباشر من هيئة الأمم المتحدة والمؤسسات العالمية المعنية – جنوب السودان ودارفور كأقرب نموذج – ونماذج سابقة تجسدت في تيمور الشرقية وكوسوفا والسؤال المتداول الآن هو : هل بمقدور تركيا وفي ظل هذه المعطيات وعلى ضوء تلك الخطط المرسومة كسب عضوية الاتحاد الأوروبي ؟ وهل بمقدور سوريا أيضا النجاة من عزلتها العربية والدولية واستكمال تطبيع علاقاتها والمضي في عملية السلام مع اسرائيل لاستعادة الجولان ؟ .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…