رئيس حكومة كردستان يروي مذكراته لـ«الشرق الأوسط»: قلت لطالباني وبارزاني أنا لست من طلاب المناصب
وضمن هذا السياق، فإن هذه المعارضة لم تكن مفيدة، ولم تساعدنا في تحقيق النهج الإصلاحي، على الأقل إلى هذه الساعة».
ويضيف: «وحتى أكون دقيقا، وفي المقابل، فإن هناك بعض الطروحات للمعارضة تدعو إلى الإصلاح وتفعيل حكم المواطنة نراها مفيدة ونتعامل معها بإيجابية، ولكن أملنا أن تنتهي المعارضة القائمة على أساس تصفية الحسابات والتجاذبات الحزبية السابقة التي ليست لها علاقة بالشأن العام والمصلحة المباشرة للمواطنين، وكما قال رئيس الجمهورية، الأمين العام للاتحاد الوطني الكردستاني، مام جلال طالباني في تقريره السياسي للمؤتمر الثالث لحزبنا، فإننا سنتعامل معها بالمثل.
هناك خلافات حقيقية مع المعارضة، ولكن يجب أن لا ترتقي إلى حالات العداء المستحكم والإقصاء.
نحن نتعامل مع المعارضة ضمن وجودها في البرلمان والمؤسسات الدستورية، ونأمل منهم أن يكونوا إيجابيين في التعاطي معنا، وسنتجاوب مع طروحاتهم الإيجابية.
وغير ذلك، سيشكل ضررا للعملية الديمقراطية وللعملية السياسية ولهم أيضا».
لقد أثير كثير من السجال والجدل حول نتائج الانتخابات في إقليم كردستان، فللمرة الأولى يظهر منافس قوي للاتحاد الوطني، والمثير للجدل أن هذا المنافس هو منشق عن جسد الاتحاد وأطلق على نفسه «كتلة التغيير» تيمنا بشعار التغيير الذي كان قد رفعه باراك أوباما، رئيس الولايات المتحدة الأميركية خلال حملته الانتخابية للوصول إلى البيت الأبيض.
ورئيس هذه الكتلة واحد من الرموز القيادية التاريخية في الاتحاد الوطني وكان بمثابة الرجل الثاني بعد طالباني، أو كما يقولون في الحزب لأنه «كان الرجل الأول المكرر»، أي إنه كان بمثابة قائد الحزب.
وقد وصلت كتلة التغيير إلى برلمان الإقليم بأصوات كان من المفترض أن تكون لصالح الاتحاد الوطني الكردستاني.
وبصراحته المعهودة، يقر صالح بهذه الحقيقة، قائلا: «لا يمكن أن أنكر تأثير ظلال التصارع الحزبي الداخلي في بنية الاتحاد على نتائج حزبنا في محافظة السليمانية التي تشكل تاريخيا منطقة نفوذ أو معقلا سياسيا للاتحاد الوطني الكردستاني»، موضحا: «لقد عانى الاتحاد الوطني من تأثير هذا التصارع طوال السنوات السابقة سواء من ناحية تعطيل القرار السياسي للحزب أو من ناحية تداعيات هذا التصارع على أداء الحكومة الإقليمية وإدارتها في محافظة السليمانية، مما انعكس سلبا على واقع الخلافات ومشروعات الإعمار في محافظة السليمانية، وفي النهاية انتهى هذا الصراع الداخلي إلى ظهور تلك القائمة التي حملت طابعا مناطقيا وربما حصدت أصواتها من نفس حقل جمهور الاتحاد في منطقة نفوذه.
ونعتقد أن المرحلة القادمة تتطلب استعادة المبادرة من قِبل الاتحاد، وبإجراء الإصلاحات المطلوبة سنتمكن من ذلك».
وعندما يتحدث صالح، باعتباره نائب الأمين العام للاتحاد الوطني، عن الانشقاق الذي حصل في حزبهم، يشعر، كأي قيادي في الاتحاد، بحالة من الألم على الرغم من أن هناك نتائج إيجابية حصدها الحزب من حالة الانشقاق، ويقول إن «ما تعرض له الحزب من انشقاق حالة ليست سهلة، وليست قليلة.
قيادة الحزب انشقت وخلقت حالة إرباك في خضم الانتخابات البرلمانية في إقليم كردستان.
ولم يكن هذا سهلا للاتحاد الوطني الكردستاني الذي مر بظروف صعبة جدا، وهذا الانشقاق كان ظاهره إجراء إصلاحات لم نكن نختلف حولها كهدف، وإن كنا نختلف حول خارطة الطريق لإنجازها.
وهذه كانت ظروف لم يكن لأي حزب أن يتمكن من تجاوزها عدا حزبنا.
لنا أن نعتز بما أنجزناه في الماضي، وما حققناه من إنجازات وطنية كردستانية وعراقية، ومبادرات سياسية مهمة على مدى 35 سنة من عمر الحزب، ولنا أن نعتز بأننا حزب الإنجازات الكبرى والتحولات التاريخية في المجتمع الكردستاني».
لقد ركز صالح خلال حملته الانتخابية على موضوع الإصلاح؛ الحزبي والحكومي، ويقول إن «عملية الإصلاح السياسي سواء داخل الحزب أو داخل التجربة الكردستانية ككل هي مطلب ملحّ ركزنا عليه كهدف استراتيجي للقائمة الكردستانية، وهذا الإصلاح يشمل الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية وينسحب كذلك على الإصلاح داخل الحزب نفسه»، مشيرا إلى أنه «آن الأوان للشروع في تحريك هذا الملف الحسّاس لإحداث نقلة نوعية في الحياة الحزبية في كردستان وتجاوز حالة تعطيل القرار وشل إرادة الإصلاح، خاصة في ظل تداعيات العملية الانتخابية واستحقاقات المرحلة القادمة.
لا يمكن الاستمرار بمثل هذه المنهجية إذا كنا نريد أن نكون حزبا لليوم والمستقبل كما كنا حزبا للنضال وتحقيق الحرية في الماضي.
ولنتذكر تجارب الشعوب وما آلت إليه حال التيارات والقوى الشبيهة بالاتحاد الوطني الكردستاني التي حققت منجز التحرير مثل حركة فتح وجبهة التحرير الجزائرية؛ إذ أصيبت بكبوة في تجربتها في الحكم.
يجب إحداث تغير في نمط التفكير الحزبي ونمط التعاطي مع الملفات الحزبية سواء من ناحية ترشيق الحزب أو من ناحية جعله مؤسسة مدنية ونقله من مرحلة التحرر الوطني إلى مرحلة التعاطي مع الحياة السياسية العامة.
ولا يجب أن نغفل عن واقع أن كل عملية إصلاح في كل زمان ومكان ستواجَه بالالتفاف والعراقيل بسبب شبكة المصالح المتعددة التي تختلف وتتصارع ولكنها تتحد عند الشروع في الإصلاح.
وحديثي عن العراقيل لا يعني الاستسلام لليأس؛ بل يعني إدراكا للوقائع مع توفر عزيمة للإسهام في إنجاح عملية الإصلاح وتوفير سبل معالجة العراقيل والتصدي لها»، منوها بأن الاتحاد الوطني الكردستاني اختار، ومن خلال مؤتمره العام الذي عقد في مدينة السليمانية في 1 يونيو (حزيران) الماضي، «إحداث تغيير بنيوي في هيكليته وتجديد قياداته، وأنا متفائل بقدرة الاتحاد على الإقدام على هذه الإصلاحات المطلوبة لما يمتلك من كادر كفء وقاعدة جماهيرية واسعة.
إن أحسنّا الأداء، فالمستقبل واعد.
لكن السؤال الأهم المطروح أمامنا بعد هذا المؤتمر: هل سنكون حزب المستقبل أيضا؟ وهذا مرتبط بإعادة ترتيب أوضاع الحزب الداخلية، وإعادة هيكلته ليكون متلائما مع التحولات الاجتماعية والسياسية التي طرأت على المجتمع الكردستاني وعلى المجتمع العراقي في العموم بعد عملية التحول الديمقراطي، ولكن وبحجم أكبر، إعادة اللحمة بيننا وبين الجمهور الكردستاني، وهذا يتطلب الإقدام على إصلاحات كبيرة.
لو تعرض أي حزب آخر لما تعرضنا له من انشقاقات داخلية لانهار، وكل المراهنات على انهيار الاتحاد الوطني فشلت، ونريد لهذا المؤتمر أن يكون محطة مهمة للانطلاق بقوة نحو المستقبل، وهذا مرهون بتبني نهج الإصلاح والتجديد».
ويعتبر صالح أن «أهم مصادر قوة حزبنا هي أن له جذورا تاريخية، هناك 35 عاما من النضال، وقوتنا في كوادره الفاعلة والمبدعة والحريصة على مستقبل كردستان والعراق، وأهم مصادر قوتنا هو أن جلال طالباني يمثل رمزا مهما وتاريخيا لنا، ويتجاوز التعريفات السياسية التقليدية لأي سياسي، ووجوده ديمومة للحزب، كما أن للحزب برنامجه السياسي المتطور والحيوي، ولو أن هناك عتابا شديدا من الشارع الكردستاني على أداء وسياسة الحزب نتيجة أخطاء متراكمة في مراحل سابقة، وداء الحكم الذي يصيب كل الأحزاب التي تنتقل من مرحلة الثورة إلى مرحلة الحكم والإدارة، إلا أن هناك كثيرين يتأملون ويعملون من أجل أن يتجاوز الحزب خلافاته الداخلية ومشكلاته.
إذا تمكنا من القيام بالإصلاحات المطلوبة فسيكون حزب المستقبل، كما كان حزب الإنجازات في الماضي.
وأيضا من مصادر قوة وديمومة الاتحاد، الحالة الديمقراطية التي يتمتع بها أعضاء الحزب الذين غالبيتهم من جيل الشباب ومن كلا الجنسين، ومن المهم قيادة هذا الحراك نحو برنامج سياسي إصلاحي قادر على تجاوز مشكلات الماضي والانطلاق منها نحو مرحلة المستقبل.
إننا يجب أن نعمل على تجاوز هذه المرحلة الانتقالية على الرغم من صعوبتها انطلاقا من رؤية أن التجديد وإعادة الهيكلة لم يعد ترفا نستطيع الاستغناء عنه اتكالا على التطبع الحزبي التقليدي، بل أصبح مطلبا لجماهير الحزب، وربما طريقا وحيدا لإعادة الثقة بيننا وبين الجماهير التي كان لها ملاحظات جادة على أدائنا، وللدفع في اتجاه انطلاقة جديدة تعطي زخما لجدوى استمرارنا كحزب مشاريع مستقبلية»، معولا على «التحالف بين الحزبين الكرديين الرئيسيين، الاتحاد الوطني والديمقراطي الكردستاني، الذي كان أساس الإنجازات التي تحققت للأكراد من العملية السياسية في العراق بعد سقوط صدام في عام 2003، وهو تحالف قائم على اتفاق شراكة غير موجه ضد أحد من الكتل والتحالفات الأخرى.
وهو تحالف مستمر، ويبقى تطويره أو تعديله مرهونا بالتطورات المستقبلية، ولكن كل المؤشرات تؤكد أهمية هذا التحالف وديمومته في المستقبل المنظور.
وقد أكدت قيادتا الحزبين مرارا على الالتزام بهذا الاتفاق».
وحسب الاتفاق الاستراتيجي بين الحزبين الكرديين الرئيسيين المتحالفين، فإن رئاسة حكومة الإقليم تتداول بين الحزبين في كل دورة برلمانية، أي أن تكون الرئاسة لكل حزب أربع سنوات، لكن في الدورتين السابقتين ترأس السياسي الكردي الشاب نيجيرفان بارزاني، نائب رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني، الحكومة لمرتين متتاليتين برغبة واتفاق من الاتحاد الوطني الذي تنازل عن حقه لدورة واحدة لإعطاء فسحة من الزمن لرئيس الحكومة (نيجيرفان بارزاني) أن ينجز خططه في الإعمار والبناء وجلب استثمارات قيمة من الخارج للإقليم، وقد حقق بارزاني إنجازات معمارية واقتصادية وسياسية وثقافية كبيرة، وكان تعامله مع ملف دمج حكومتي السليمانية وأربيل بصبر وحكمة وذكاء، ويقر صالح بإنجازات حكومة سلفه، قائلا: «الأخ والصديق العزيز نيجيرفان بارزاني كفاءة وإخلاص في العمل، وشكلت فترة رئاسته لحكومة الإقليم نواة توحيد الإدارتين وإنشاء حكومة موحدة حققت كثيرا من الإنجازات والمشروعات».
وبفوز صالح، رئيس كتلة التحالف الكردستانية في الانتخابات التشريعية للإقليم، وحسب الاتفاق الاستراتيجي، كان لا بد من أن تنتقل رئاسة الحكومة للاتحاد الوطني، ولم يكن هناك من مرشح لهذه المسؤولية أفضل وأكثر جدارة من برهم صالح.
هنا تم وضع صالح في مفترق طرق أكثر إحراجا من بقية مفترقات الطرق التي مرت في حياته، فقد كان يشغل منصبا مهما وحيويا، باعتباره كرديا عراقيا، في بغداد وهو نائب رئيس الحكومة العراقية، وحقق حضورا وقبولا عراقيا وعربيا ودوليا باهرا ولافتا للأنظار، وليس من السهل التنازل عن هذه الإنجازات بسهولة، لكن المهمة التي تنتظره في إقليم كردستان كانت معقدة، ووطنية، وتعني له الكثير، ولا تقل أهمية عن مهمته في بغداد.
من باب آخر هو لم يرد أن يدخل منافسا لصديقه الأكثر قربا نيجيرفان بارزاني الذي كان ماضيا في تحقيق خططه الإصلاحية والبنائية في الإقليم، وكان صالح يتمنى أن يمضي بارزاني في مهمته لولا ضرورات المرحلة القاضية بالتداول السلمي للسلطة، واستحقاق الاتحاد الوطني لرئاسة الحكومة، وكان (برهم صالح) يدرك أنه إذا تنازل عن رئاسة حكومة الإقليم، فإن قيادة الاتحاد الوطني سوف تكلف غيره من أعضاء الحزب لتولي هذه المسؤولية.
وفي المقابل، كانت قيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني، خاصة الرئيس مسعود بارزاني، ورئيس الحكومة نيجيرفان بارزاني مصران على أن يتولى صالح رئاسة الحكومة لمعرفتهما بإمكانياته العلمية والعملية وتجاربه الإدارية الناجحة، وكونه يتمتع بعلاقات اجتماعية طيبة مع قيادات «الديمقراطي» ومع الشعب الكردي، ولأنه، أيضا، سوف يكمل ما كان قد مضى فيه وبدأه نيجيرفان بارزاني، وهكذا تم تكليف صالح من قبل الرئيس بارزاني بمسؤولية رئاسة حكومة الإقليم في نهاية 2009.
يقول صالح: «عندما عرض علي مام جلال والرئيس مسعود بارزاني رئاسة حكومة الإقليم أوضحت لهم أني لست من طلاب المناصب، لكنني تعاملت مع الموضوع باعتباره واجبا يجب أن أؤديه، والتعقيدات السياسية في كردستان معروفة، وكان هناك من يقول لي: بقاؤك في بغداد أفضل للكرد وللعراق.
لكن عندما أسندت إلي هذه المسؤولية، رئاسة حكومة الإقليم، اعتبرتها أمانة يجب تأديتها بكل إخلاص، وقلت لإخواني إنني أعتبر نفسي خادما للمصلحة العامة، فإن كان مطلوبا مني العمل في بغداد فسأكون هناك، أو في أربيل أو السليمانية، أو أي موقع في العراق، فواجب علي أن أخدم وأقدم ما هو لمصلحة البلد والناس».
بعض المصادر الحكومية في بغداد تحدثت عن أهمية بقاء صالح في الحكومة الاتحادية، وأنه قد يسند له منصب وزير الخارجية في الحكومة الجديدة، وعلى ذلك يعلق صالح قائلا: «لقد طرح علي في حكومة علاوي منصب وزارة الخارجية، لكن المعادلات السياسية حالت دون ذلك، ولا شك في أن منصب وزير خارجية العراق هو موقع مهم، وأخي هوشيار زيباري متمرس ونجح في مهمته»، مذكرا بأن «الطموح موجود سواء كوزير لخارجية العراق، أو منصب أكبر أو أصغر، لكن في النهاية: ماذا أعمل في الموقع؟ وأنا اليوم من موقعي كرئيس حكومة الإقليم أعمل على خدمة شعبنا الكردي وخدمة الإقليم ورفد المشروع الوطني العراقي والعمل على إنجاح هذا النموذج وتعميمه على بقية مناطق العراق».
ويضيف: «أنا الآن رئيس وزراء الإقليم ومطلوب مني خدمة المشروع الوطني في إقليم كردستان وأن يكون ذلك رافدا لخدمة المشروع الوطني الديمقراطي في عموم العراق، وسأبقى متواصلا مع الوضع السياسي في بغداد لأنه مهم للكرد ولمجمل العراقيين، ويقينا، هناك مصلحة كردية في الانتصار لمشروع وطني ديمقراطي عراقي، وعدم القبول بالانزواء القومي أو محاولات عزل الكرد من الساحة الوطنية، فبغداد عاصمتنا ولا يمكن تركها لآخرين ليقرروا مصير البلد، ومن هنا تأتي ضرورة دور كردي فاعل في بغداد كجزء مهم من المشروع الوطني لا بمعزل عنه».
ويستطرد قائلا: «برهم صالح هو جزء من فريق يستكمل ما بدأه أخي وزميلي نيجيرفان بارزاني، رئيس حكومة الإقليم السابق، من أجل تقوية علاقة الإقليم بالمركز، كما أن الرئيس مسعود بارزاني يصر باستمرار على ضرورة الالتزام بالدستور العراقي، والغالبية العظمى من شعبنا الكردي ملتزمون بالدستور العراقي والعمل ضمن المشروع الوطني العراقي، وربما برهم صالح مختلف، كوني عملت في بغداد وكونت علاقات جيدة هناك، وإن شاء الله سأبرهن على أن نجاح وتقدم الإقليم هو نجاح وتقدم للعراق، ونجاح وتقدم بغداد هو نجاح للإقليم.
أنا في موقع أستطيع من خلاله وبجهود الفريق الذي معي أن أحقق علاقة متينة ببغداد، وما أقوم به هو استمرار للجهد الذي سبقني، وما حققه نيجيرفان لكردستان كبير، وأعتز به، وواجبي التقدم بهذا المنجز والحفاظ عليه».
ولا يراود صالح أي شعور بالندم لأنه ترك مسؤولياته في بغداد ليضطلع بأخرى في أربيل، ويقول: «من خلال تجربتي في حكومة الإقليم أشعر بأننا حققنا الشيء الكثير لتجربة الحكم في الإقليم.
وأنا أعتز بعلاقاتي وصداقاتي مع الإخوة في بغداد، ويجب التواصل مع هذه العلاقات.
فمصلحة إقليم كردستان تستوجب التفاعل مع بغداد، والمساهمة من هذا الموقع في حل مشكلاتها.
وآملين أن يتم تشكيل حكومة منسجمة قادرة على النهوض بكل البلد وتجاوز الاختناقات التي شابت العملية السياسية في السابق، وأنا متواصل مع الوضع في بغداد من أجل الوضع العام، أي الإطار الوطني الأوسع، وأيضا من أجل الملفات العالقة بين بغداد وكردستان».
ويكشف صالح قائلا: «لو لم أتسلم مسؤولية حكومة الإقليم ما كنت سأبقى نائبا لرئيس الوزراء في الحكومة الاتحادية بالتأكيد، فأنا عملت في هذا الموقع لفترة طويلة، والاستمرار فيه لم يكن مجديا في أية حال»، مشيرا إلى أنه «عندما انتقلت إلى كردستان لم يكن ذلك يعني بالنسبة لي الانتقال من منصب إلى آخر بالتأكيد، فإنا انتقلت من وضع سياسي عام إلى خصوصية الوضع الكردي حيث نشأت معارضة ناشطة، لا أقول عدائية، لكنها في بعض الأحيان غير هينة، انتقلت إلى كردستان في ظروف بالغة التعقيد، مطالب الناس كثيرة والشكوى من السلطة الكردية ليست قليلة، وأنا علي أن أعالج وضعا عاما وأناور بين هذه التعقيدات السياسية الكردية، وعلاقاتنا مع بغداد تواجه التحديات.
ما يهمني بالدرجة الأولى هو أننا نسعى اليوم لتحقيق برنامجنا الانتخابي، وهناك بعض المبادرات الاقتصادية والمبادرات التعليمية.
الاختلاف كبير بين تجربتي في رئاسة حكومة كردستان، إدارة السليمانية، وحكومة الإقليم اليوم، فالحكومة السابقة كانت حكومة الحزب الواحد، الاتحاد الوطني، على الرغم من مشاركة بعض الأحزاب الأخرى، كما تختلف، بالتأكيد، عن تجربة عملي كنائب لرئيس الحكومة الاتحادية، فالحكومة إلى الآن تتألف بشكل رئيسي من الحزبين الكرديين وأحزاب فاعلة أخرى، وأتعامل اليوم مع تحديات سياسية وأمنية واقتصادية كبيرة..
وكان الله في عوننا».
ويرى صالح، باعتباره رئيسا لحكومة إقليم كردستان، أنه من الصعب حاليا «التحدث عن إنجازات الحكومة؛ فنحن بدأنا بتشكيل الحكومة التي انطلقت بعد انتخابات نيابية ربما غير مسبوقة في تاريخ كردستان، من حيث ظهور معارضة قوية نسبيا، التي تمخضت عنها خارطة جديدة في البرلمان الكردستاني، وبعد ذلك جاءت الانتخابات التشريعية العراقية التي رافقتها ظروف سياسية يجب أن تؤخذ في الحسبان.
لكنني أريد أن أؤكد أنه خلال الفترة الماضية تمكنا من تحقيق مبادرات ليست قليلة، منها أننا، كما وعدنا في الحملة الانتخابية للقائمة الكردستانية التي كنت أمثلها، قلصنا مجلس الوزراء من 43 عضوا إلى 19، وهذا كان في حد ذاته خطوة مهمة نحو ترشيد الإدارة الكردية.
وقدمنا موازنة في بداية السنة المالية إلى برلمان الإقليم، وكان هناك نقاش حقيقي وحام حول أوجه الصرف، وكيفية إدارة الملف المالي، وأولوية مشاريع التنمية، وبعد إقرار الموازنة انطلقنا نحو تنفيذ برامجنا».
ويعترف صالح بأن مشروع ميزانية حكومته جوبه بمناقشات ساخنة وصعبة في برلمان الإقليم من أجل تمريرها والتصديق عليها؛ يقول: «من دون شك، في كل الحكومات والبلدان التي تتمتع بأنظمة ديمقراطية حية، يحظى موضوع الموازنة بكثير من الاهتمام والسجال، ففي الموازنة تتجسد كل أعمال وبرنامج الحكومة، وفي هذه المحطة من عمر التجربة السياسية في كردستان ووجود معارضة تتباين في وجهات نظرها عن كتلة الأغلبية، كان ذلك مبعثا للنقاش، وهذا هو المطلوب حقيقة من وجهة نظري، وأنا شخص يؤمن بالديمقراطية والتحاور، وبالدور الرقابي للبرلمان، الذي له دور مهم في مراقبة أداء الحكومة، والتشديد على مسألة الأداء المالي والتخطيط الاقتصادي، والموازنة هي الوسيلة لتحقيق ذلك.
هذه الموازنة تضمنت مبادرات مهمة من أجل المضي في برنامج الإصلاح الاقتصادي والإداري في الإقليم الذي بدأناه، وهو برنامج طموح نعرف أنه يواجه عقبات، ولكننا ماضون في إنجازه، وأيضا تحسين حالة الخدمات.
لا أستطيع أن أقول إنها كانت موازنة مثالية، فاحتياجات الإقليم أكثر مما نحن قادرون على التخصيص له، لكن هذه هي الإمكانات المتاحة لنا في هذه الموازنة، ولأول مرة أكدنا على أن تمويل الأحزاب، ودعم تأهيل الحراك السياسي في الإقليم يجب أن يتم من خلال قانون تمويل الأحزاب، وأن يكون ضمن قانون الموازنة العامة، وهذا ما أدى إلى تقليص الموازنة المتوفرة للأحزاب بدءا بالحزبين الرئيسيين والأحزاب الأخرى، وإعادة هذه الموارد إلى الخزينة العامة لتصرف في المشاريع الخدمية»، كاشفا أن «هناك ميزانية مقدرة بـ95 مليار دينار عراقي، مخصصة سنويا لتمويل الأحزاب، ولكن لحين صدور القانون سيتم منح الأحزاب سُلَفا يتم تسويتها بعد صدور القانون.
في هذه الموازنة خفضنا الموازنة التشغيلية من 71 في المائة إلى 69 في المائة من دون المس بالرواتب، لكونها مسألة حياتية للناس، لكن النفقات غير المبررة وغير الضرورية للحكومة تم تقليصها نسبة إلى الموازنة العامة، وقدمنا مبادرة لتعزيز رواتب الشهداء، وذوي المؤنفلين (ضحايا عمليات الأنفال التي جرت خلال النظام السابق)، وذوي الاحتياجات الخاصة، وأيضا كانت لدينا مبادرات مهمة، مثل إطلاق الحملة الوطنية لبناء المدارس؛ حيث سيتم بناء أكثر من 100 مدرسة كبيرة وعصرية في مراكز المدن والأقضية، وكذلك أطلقنا برنامج دعم البعثات العلمية للطلبة، وبرنامج تنمية القدرات لتأمين جيل من الكوادر الشابة التي ستكون في خدمة التجربة الواعدة.
كان لدينا أيضا مشروع تطوير مشاريع الإسكان ودعم صندوق قروض الإسكان، ومبادرات لدعم مشاريع الزراعة والصناعة، وبناء أربع جامعات جديدة.
لكن برنامج الإصلاح يتعرض للمشكلات والعراقيل، لكونه يتقاطع مع مصالح تتشكل في أي وضع سياسي أو اقتصادي، لكننا جادون في المضي بذلك».
وبشفافية تامة، يشير صالح إلى أن «عشرة مليارات دولار، هي ميزانية الإقليم، مبلغ ليس قليلا في الظروف الاعتيادية، لكن احتياجات الإقليم، وكذلك احتياجات العراق كبيرة جدا، لكون البلد كان مدمرا، وهناك احتياجات للبنية التحتية، ومثل هذا المبلغ قليل لبناء الإقليم الذي كان مدمرا وتعرض لسياسة الأرض المحروقة إبان عهد النظام السابق، وهذا ينطبق أيضا على البصرة والأنبار وبغداد، ومدن عراقية أخرى.
لكن هذه الميزانية ستصرف بشكل شفاف».
———
الحلقات السابقة:
(الحلقة الأولى)
(الحلقة الثانية)
(الحلقة الثالثة)
(الحلقة الرابعة)
(الحلقة الخامسة)
(الحلقة السادسة)