ثقافة احترام الإنسان

عمر كوجري

  الحديث عن هذا الموضوع متشعب ومحفوف بمخاطر كثيرة، ويقود بنا إلى الغوص في مجاهيل دون أن نملك القدرة على استشراف الأمل لأنفسنا أو للآخرين، وهذا ما يُحجِّمُ الرغبة في تغيير ذواتنا ، ونظل أسرى الكلام الذي لا يجدي، ولا يدفع الظلم عن أحد،  ولا يكفل والحالة هذه بفعل شيء يملك أهميته بذاته لا لذاته .

    ففي العديد من بقاع الدنيا تُصَان الحقوق وفق دساتير، ونظم تضبط إيقاع هذه الحقوق ، وتقوم الدنيا، ولا تقعد إن مسَّ أحدهم أي سوء أو انتقاص بحقه، أو أي غبن يلحق بفرد من أفراد المجتمع، فالدولة عندئذ تستنفر كل طاقاتها، وتضع مسألة إحقاق الحق، وعودته إلى أصحابه سالماً معافى في سلم أولوياتها، وهذا ما يكسبها احترام الجميع، فلا يشعر أي شخص أنه ممتهن الكرامة، وإرادته مرهونة للتمييز، ولن يزجره فلان لأن « شباكه واطئ» ، بل يشعر أن كرامته مصانة وفق الدستور الذي تحتكم إليه كل الناس.
   فهناك مثلاً لا يمكن لبني آدم كائناً من كان أن يفتش منزلك دون إذن من الجهة المعنية، وعلى أعلى المستويات.

فثمة تصاريح نظامية يجب أن تكون بحوزة البوليس إذا أراد تفتيش المنزل، أو يستفسر عن شخص، فإنه يكون في قمة اللباقة والاحترام، ويتم كل ذلك بحضور الشخص المعني لا في غيابه، ولا يجوز الإغارة على البيت في منتصف الليالي، ويمنع منعاً باتاً التفتيش بحضور الصغار والعجزة، لأن ذلك قد يخلق لديهم انزعاجاً نفسياً، وألماً روحياً، وهم بدورهم سيشتكون على الجهة المؤذية، وسيخربون لها بيتها، ويجرجرونها إلى أروقة المحاكم، والتعويضات الباهظة التي تربو على ملايين الدولارات أحياناً، إضافة إلى الاحتمال الكبير أن يعاقب العنصر المسيء مسلكياً، وربما يسرح من وظيفته فوراً ، أو يحكم عليه بالسجن، ومن هذه الزاوية هم يختارون عناصر الأمن بعناية فائقة، وثمة شروط واختبارات عليه أن يجتازها بنجاح حتى يكتسب صفة رجل أمن وهو إن خالف القوانين والدستور الذي هو سيد الحق قد يصل به الأمر إلى فقدان الوظيفة مصدر رزقه الوحيد، وبطبيعة الحال ليس عنده مردود إضافي اكتنزه من الأتاوة و « البرطيل »

   ليس الرجل مضطراً للعمل أكثر من طاقته، ويعيش بكرامة، فهؤلاء لا يدفعون المعلوم لمعلمهم كي يشتروا منطقة أو شارعاً بحلال مصاريهم، أو لا يدخل الضابط شريكاً معهم في جني الأرباح الصافية من ذلك الشارع في آخر اليوم، وهؤلاء «لايُمَشَّون» الشخص المخالف سواء أكان راجلاً، أو يقود سيارة بقدر متفق عليه من النقود حتى لو كان السائق المخالف حدثاً صغيراً، أو ابناً “لأحدهم”، أو لا يحمل شهادة تعطيه إذن قيادة المركبة، فليس المهم في ذهن ذلك الشرطي مخاطر الشخص المخالف بقدر مايهمه كيفية تضخيم الموضوع للمخالف ليبتز منه نقوداً أكثر.

لأن المطلوب منه في آخر النهار أن يدفع ما عليه من مبلغ متفق عليه، وإلا سيعاقب ويحشر في زاوية ميتة،  أو شارع مهجور لا سَمَكَ فيه ولا حسك.


   هناك إذا كنت مخالفاً ستعاقب، ولا توجد شخصية لها اعتبارها الوظيفي أو ..

أو ..

عندهم الكل أمام القانون، وتحت سقف القانون سواسية حتى أعلى رأس.

والقانون هو أعلى رأس.


 وكثيراً ما نسمع أن رئيس الوزراء في الدولة الفلانية قد حُرِّرَ ضبطٌ بحقه لأنه خالف قانون السير في بلده.

ومن هذا المنطلق نراهم يحلقون كثيراً في مختلف ضروب التطور والمعرفة، حتى يطاولوا في بنيانها زحلا على حد قول الشاعر معروف الرصافي.
هذا بعض ما عندهم، فما بعض ما عندنا؟! نحن شعوب العالم غير المصنف بالترتيب.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…