لماذا رفض الأكراد التصويت على الدستور الأردوغاني الجديد في تركية…؟

خالص مسور

في الإستفتاء الشعبي الذي جرى مؤخراً على الدستور التركي الجديد، والذي جاء بناء على اقتراح من حزب العدالة والتنمية الحاكم ورئيسه أردوغان، بغية إعادة هيكلة المؤسسة القضائية وبالأخص المحكمة الدستورية وتجييرها لصالح الحزب الأردوغاني الإسلاموي، هذا في الحين الذي قرر فيه الأكراد متمثلين في حزب السلام والديموقراطية مقاطعة الإستفتاء على هذا الدستورالذين اعتبروه وقد جاء بأحكامه وحيثياته وإشاراته دستوراً تركياً عنصرياً بامتياز.

وذلك لأن هذا الدستور لايقر مطلقاً بل لايشير من قريب أو بعيد إلى أية حقوق أو امتيازات قومية للشعب الكردي، بل ينص صراحة  إلى وحدة الأراضي التركية وضمنياً إلى (التكات) الأردوغانية الثلاث المعروفة.
وهذا معناه عدم إقرار الدستور بحق تقرير المصير للشعب الكردي وضرب تطلعاته وحركته التحررية في الصميم، رغم أن الكرد لايطالبون بالإنفصال أو تقسيم تركية أصلاً، كما أنها تعني عدم الإعتراف للكرد ليس آنياً ولا مستقبلاً بالحكم الذاتي الموسع الذي يطالبون به اليوم، وهو أقل القليل مما تطالب به الشعوب المسحوقة ويعتبره العرف الدستوري التركي صيغة من صيغ الإنفصال، أو تجزئة للشعب إلى أتراك وأكراد إلى آخر ما هنالك من أقوال دأبت الدولة التركية على ترويجها ضد الكرد وحركتهم التحررية بمناسبة وبدونها.


ومن تحصيل الحاصل أن نعلم بأن هناك تغيرات طفيفة في الدستور الجديد بالنسبة للدستور الإنقلابي العائد لعام 1982م.

وحتى هذه التغيرات الطفيفة أصلاً جاءت لصالح حزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه أردوغان، وذلك لإطالة عمر الحزب في الحكم وتصعيب عملية حظر الأحزاب أو حزبه بالدرجة الأولى، والتمهيد لإزالة الحظر المفروض على الحجاب في المؤسسات الرسمية والجامعات والمدارس، ثم فتح الباب على مصراعيه أمام أسلمة الدولة التركية، بالإضافة إلى الحد من نفوذ الجيش وأداته المحكمة الدستورية التي سيزيد عد أعضائها من 11 – 17 حسب المادة 146 منه، وسيختار البرلمان البعض منهم بينما يختار رئيس الجمهورية الآخرين لمدة 12 عاماً ثم يعرض هؤلاء لاستفتاء شعبي، وسيكون حظر الأحزاب السياسية وفق الدستور الجديد أكثر صعوبة عن ذي قبل، ولن يتم حل الحزب أو حظره إلا بثلثي أصوات أعضاء الدستور وبموافقة مسبقة من البرلمان التركي.


ولكن ما نود التركيز عليه هنا هو الإشارة إلى مكمن الخطورة على الكرد حسب الدستور الجديد والذي يتمثل يتمثل في السير بالدولة نحو نفق الإسلام السياسي العميل لأمريكا والغرب، وهو ما يعتبر نوعاً آخر لمحاربة الحركة التحررية الكردية والتطلعات الكردية بالدرجة الأولى داخلياً وخارجياً، داخلياً على المستوى الكردي هو خداع المتدينين من بسطاء الكرد على أن حزب العمال الكردستاني متمرد على الإسلام وعلى حكم الله في الأرض، وأنه شق عصا الطاعة المحمدية فيجب القضاء عليه وتدميره كواجب ديني إسلامي، أوعلى الأقل تجنب التعامل معه أو الإصغاء لدعواته التحررية، بالإضافة إلى انجرار الكثيرين من الكرد المتدينين من أصحاب المصالح والأهواءات ومن المتاجرين بالدين للإنخراط في الحزب الأردوغاني الإسلاموي، ومن ثم تجنيد هؤلاء ضد تطلعات بني قومهم وخداعهم بمثل هذه الألاعيب واللف والدوران.

وداخلياً أيضاً وعلى المستوى التركي، يجري الإيعاز إلى الحركات الشوفينية التركية المتطرفة بأن الأكراد يريدون تقسيم تركية إلى دولتين إحداهما تركية والأخرى كردية ومن ثم إثارة النعرات القومية بين الشعبين أملاً في القضاء بهذا الشكل على الحركة الكردية من أساسها بعد أن عجزت الدولة التركية بكل جيوشها القضاء عليها عسكرياً.

وللأخوة الذين كتبوا ورأوا في الدستور الجديد أفضلية على سابقه وأن فيه خطوة نحو الديموقراطية فآراؤهم محل احترام وتبجيل ولكننا نرى في هذا السياق ونقول: إذا كانت هناك من خطوة نحو الديموقراطية في هذا الدستور الجديد فستكون محصورة بمصالح العنصر التركي فقط، أولمن اعتبر نفسه تركياً سعيداً من الكرد الذين رضوا بالإنحلال والذوبان والإذلال ضمن البوتقة التركية، في حين نرى أن استمرار حزب العدالة والتنمية مع دستوره الجديد في الحكم لآماد طويلة من شأنه أن يشكل خطورة على الكرد أكبر من من حكم أي حزب تركي قومي متطرف، وقد يسأل سائل كريم لماذا هذا الأمر…؟ فنجيب في الحالة الأخيرة، أي حينما يحاول الحكام الترك التعصب لقوميتهم ناكرين القومية الكردية في نفس الوقت، قد يستفز ذلك المشاعر القومية للكرد أيضاً حتى لمن رضي بالعمالة منهم، إلا من كان منهم من أصحاب المصالح والأهواءات الرخيصة فهؤلاء موجودون لدى كل قوم وأمة.


بينما في الحالة الإسلامية وهي الأكثر خطورة كما قلنا، فإن قيادات حزب العدالة والتنمية الإسلاموي- القوموي في نفس الوقت، سيستخدمون الإسلام بالدرجة الأولى لضرب تطلعات الشعب الكردي وحركته التحررية في الصمصيم، مستغلين مباديء الإسلام الحنيف لإدانة الحركة التحررية الكردية وتجفيف المنابع الشعبية المؤيدة له، واتهام الحزب الكردي بمقولات اسلامية من قبيل شق عصا الطاعة ورفض طاعة أولي الأمر والتمرد على الدولة الإسلامية…الخ.

ولهذا قلنا ونقولها مراراً، أن حزب العدالة والتنمية يشكل مع دستوره الجديد المفصل على مقاسات نظرية هذا الحزب في إنكاره الحقوق القومية للكرد، خطرين داهمين على الحركة التحررية الكردية التي مافتئت تعلن الهدنة من جانب واحد وتنشد السلام بين آونة وأخرى، بل في أي عصر ومصر دون أن تلقى آذاناً صاغية من الجانب التركي.
واعتقد من هنا بدأت المقاطعة الكردية للدستور الأردوغاني الجديد، أردوغان الذي انقلب على الكرد في ليلة ليس فيها ضوء قمر، وأضرب صفحاً عن وعوده الأخيرة لهم، وبالتالي فكيف يهدم الكرد بيوتهم بأيديهم ويصوتوا لدستور جديد – قديم يعتبر كل من داخل تركيا تركياً فقط ولاوجود لأعراق أخرى داخل الحدود التركية، فالدستور الجديد لم يرد في حيثياته حتى كلمة/الكرد/ فأين هي الديموقراطية فيه إذاً… ولماذا سيصوت الكرد بالموافقة عليه…؟.

وبالمناسبة فإن الكرد لم يقولوا (لا) للدستور الجديد كما لم يقولوا له (نعم) وكانت المقاطعة تحت شعار(لسنا ضد أو مع) أو بالكردية(Ne erê…Ne na).
وخارجياً، لايخفي أردوغان تطلعاته العثمانية لكسب وداد وتأييد الدول العربية والإسلامية بنوع من الحركات البهلوانية، والإيحاء بالدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني بينما يوعز بقتل الأطفال الكرد بشكل مأساوي مرير، ويقوم جيشه بين آونة وأخرى  بمناورات عسكرية مشتركة مع الجيش الإسرائيلي المحتل لغزة وفلسطين، ويرشخ حلفه الإستيراتيجي غير المقدس مع إسرائيل وأعوانها.


ونعود إلى الدستور الجديد ونقول، إذا كان هناك شيء من الديموقراطية الطفيفة فيه، فهو للأتراك فقط وليس للعنصر للكرد فيه نافة ولاجمل.

ثم كيف سيصوت الكرد لدستور وضع أساسياته حزب إسلاموي يسرق الملايين من الأكراد ويسير بهم نحو الإنخراط في هذا الحزب تاركين هكذا واجبهم القومي تحت رحمة المجهول؟.


ومن هنا فإن التصويت بالنسبة للكرد على دستور لايقر حتى بوجود شعب اسمه الكرد أو وطن اسمه كردستان، معناه التصويت على الجينوسايت والقهر والإنكار القومي لغة، وكيانا،ً وأرضاً، وشعباً، ومصير.

ومهما قلص أو حد الدستور الجديدي من نفوذ الجنرالات الأتراك، فإن نفوذهم في النهاية مرتبط بدرجة النجاحات التي تحققها الحركة الكردية، وعند تلك النجاحات سيسحبون أيديهم الحديدية من قفازاتهم الحريرية من جديد إزاء ما سيسمونه بالخطر الكردي وتقسيم الدولة تركية، إذ ليس من المعقول أن يبقى الجنرالات مقيدون بالدستور والأكراد يحققون نجاحات على أرض المعارك، ففي تلك الحالة سوف لن يبقى دستور ولامستور، وسينقضون على الحكم تحت حجة خطر تقسيم البلادـ وكاد أن يحدث هذا حتى في أعرق دولة ديموقراطية كفرنسا مثلاً، فحينما كان الشويوعيون والإشتراكيون قاب قوسين أو أدنى من الإنتصار في الإنتخابات البرلمانية والرئاسية، سأل الصحفيون رئيس الجيوش الفرنسية ماذا سيكون موقفكم فيما إذا استلم الشيوعون الحكم فرد بالحرف: عندها سنستلم – أي يقصد الجيش – بدون تردد زمام الحكم في البلاد وسنضرب الشيوعيين بيد من حديد.

فإذا كانت دولة كفرنسا هذا هو رأي جنرالاتها فمابالك بتركية المتخلفة وجنرالاتها الأتاتوركيون الشوفينيون أبداً، وهم الذين تلزمهم أشواط للتدجين في قفص الديموقراطية الحقيقية، وسوف لن يتركوا ميراث الأتاتوركية بهذه السهولة ويصبحوا ديموقراطيين حقيقيين بين صبح ومسا.


بهذا الشكل علينا أن نفهم سبب مقاطعة الأكراد للإستفتاء المريب على الدستور التركي الجديد وألا ينخدع أحد من ابالتغيرات الدستورية الطفيفة التي أتت لصالح حزب العدالة والتنمية بالدرجة الأولى، وضد الشعب الكردي وحركته التحررية بالدرجة الأولى أيضاً.

……………………………………………………………

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية، وبالمشاركة مع أطفال العالم وجميع المدافعين عن حقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق الانسان، نحيي احتفال العالم بالذكرى السنوية الثلاثين لاتفاقية حقوق الطفل، التي تؤكد على الحقوق الأساسية للطفل في كل مكان وزمان. وقد نالت هذه الاتفاقية التصديق عليها في معظم أنحاء العالم، بعد أن أقرتها الجمعية…